شهدت مناطق شمال وشمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الأسابيع القليلة الماضية حركة نشطة للدبلوماسيين الأمريكيين، حيث كانت نقطة البداية مشفى كوباني العسكري الذي زاره المستشار الأمريكي لقوات التحالف الدولي والسفير السابق للولايات المتحدة الأمريكية في البحرين وليام روباك الذي جاء محملًا بمعدات طبية للمشفى العسكري الذي يستقبل المصابين من قوات سوريا الديمقراطية في العمليات العكسرية التي تشنها ضد تنظيم الدولة “داعش”.
ومن ثم توالت الزيارات والتحركات الدبلوماسية الأمريكية بحيث كانت الرقة ومنبج والشدادي بريف الحسكة والريف دير الزور الشرقي الواقع تحت سيطرة حلفاء واشنطن، محطات للدبلوماسيين الأمريكيين.
هذه الزيارات ليست بالجديدة، فقد سبق للعديد من المسؤولين الأمريكيين أن زاروا هذه المنطقة، لكن الجديد في الأمر أنها المرة الأولى التي تكون الزيارات لدبلوماسيين، فالسنوات الماضية كانت قد شهدت تحركات لمسؤولين عسكريين فقط، إضافة إلى أن الزيارات تأتي في وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة الأمريكية بقاء قواتها في سوريا ليس فقط حتى القضاء على تنظيم الدولة “داعش”، كما أعلنت سابقًا في أكثر من مناسبة، بل إن هذه القوات التي يقدر عددها بنحو 2000 عسكري سيبقون في سوريا حتى إيجاد حل سياسي نهائي للقضية السورية.
أيضًا توازت الزيارات هذه مع الإعلان الأمريكي الجديد عن إقامة منطقة حظر طيران في شمال وشمال شرق سوريا أي في المناطق الحاضعة لسيطرة حلفاء واشنطن.
التطور الجديد في الصراع الروسي الأمريكي في سوريا يعكس مدى احتدام الصراع بين الطرفين، خاصة أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أكد مرة أخرى في آخر تصريحاته الإعلامية أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تقسيم سوريا عبر دعمها للكرد في شمال وشمال شرق سوريا
ما ذكر آنفًا، يدحض ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته الانسحاب من سوريا في أقرب وقت على حد قوله، التصريح الذي أثار حينها جلبة في أروقة الإدارة الأمريكية، بحيث توالت بعدها تصريحات النفي من وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين.
بالمقابل، أعلنت وكالة سبوتنيك الروسية يوم السبت 1 أيلول سبتمبر 2018 أن القوات الروسية ستبدأ مناورات في البحر المتوسط، تهدف إلى منع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من ضرب مواقع للجيش السوري، ومنع إقامة ما يسميه الأمريكيون منطقة الحظر الجوي في سوريا.
التطور الجديد في الصراع الروسي الأمريكي في سوريا يعكس مدى احتدام الصراع بين الطرفين، خاصة أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أكد مرة أخرى في آخر تصريحاته الإعلامية أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تقسيم سوريا عبر دعمها للكرد في شمال وشمال شرق سوريا.
في الوقت الذي اعترضت الحوارات التي بدأتها دمشق مع مجلس سوريا الديقمراطية الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، عوائق عدة أدت إلى تحول الحوارات لملامح أزمة جديدة تقبل عليها المنطقة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد.
أيضًا قفزت إلى الساحة قضية دعم إعادة الإعمار في سوريا، وهذه النقطة الأخرى التي أضيفت إلى سلة الصراع الأمريكي الروسي في سوريا، الأمر الذي تجده واشنطن فرصة أخرى سانحة للضغط على روسيا وكسب نفوذ أكبر في سوريا، بعد أن انحسر في السنتين الأخيرتين وعودة النظام المدعوم روسيًا للسيطرة على مناطق شاسعة من الجغرافية السورية، كذلك الاتفاقات الروسية التركية الإيرانية، التي أوشت بحصول روسيا على جميع مفاتيح القضية السورية.
يضاف أيضًا إلى سلة الخلافات الروسية الأمريكية في سوريا، قضية إدلب التي باتت قضية الساعة، فالتحضيرات التي تجريها روسيا بدعمها لقوات النظام السوري والتلويح باجتياح وشيك الحدوث للمحافظة التي تعتبر المعقل الأبرز لقوات المعارضة السورية، ومعارضة الولايات المتحدة للعملية وتهديدها إلى جانب فرنسا وبريطانيا باستهداف النظام السوري في حال استخدمت السلاح الكيماوي في إدلب، والرد الروسي بأن هناك تحضير لـ”مسرحية” جديدة بخصوص استخدام الكيماوي ليكون حجة بيد واشنطن لشن هجمات ضد قوات النظام السوري، يزيد من تعقيد الصورة التي تجمع واشنطن وموسكو في سوريا.
لاحت في الأفق بوادر توافق بين الطرفين خاصة بعد قمة هلسنكي التي جمعت الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، وهذا ما يشي باستمرار الصراع في سوريا، ما دامت القوتين العظميين على خلاف
بالعودة للتحركات الدبلوماسية الأمريكية في شمال سوريا، وبالنظر لخط سير المستشار الأمريكي وليام روباك، نجد أنه سار وفق التوزع الجغرافي للعرب السنة في الرقة ودير الزور، ولم يكن مستهدفًا القوى الكردية المحسوبة على الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه إشارات إلى تأكيد واشنطن بأن تحركاتها ليست وفق دعم مكون سوري لحمله على تأسيس كيان منفصل أو كيان ضمن الدولة السورية بل إن حلفاء واشنطن في سوريا من مختلف المكونات السورية.
على الجانب الآخر، تعمل موسكو للاستفادة من الخلاف بين واشنطن وأنقرة، الخلاف الأخير بخصوص قضية القس الأمريكي المحتجز بتهمة التعاون مع منظمات تصفها أنقرة بالإرهابية ورفض أنقرة الالتزام بالعقوبات الأمريكية التي فرضتها مؤخرًا على إيران بعد انسحابها من الاتفاقية النووية، بحيث تعمل موسكو على كسب أنقرة إلى حلفها مع إيران ضد واشنطن في سوريا، تركيا حليفة الولايات المتحدة الأمريكية في حلف شمال الأطلسي “ناتو” التي أعطت المجال للقوات التركية للتوغل في مدينة عفرين وأدارت ظهرها لحليفتها السابقة المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية “وحدات حماية الشعب” في المدينة.
إذًا، الخلاف الأمريكي الروسي مستمر في سوريا لا بل تعقد أكثر من ذي قبل، بعد أن لاحت في الأفق بوادر توافق بين الطرفين خاصة بعد قمة هلسنكي التي جمعت الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، وهذا ما يشي باستمرار الصراع في سوريا، ما دامت القوتين العظميين على خلاف، وإن تغيرت ملامح هذا الخلاف، وتستمر بذلك مأساة السوريين الذين باتوا فعلًا كرة يلهو بها الآباء لا الأبناء كما أوحى ترامب في المؤتمر الصحفي الذي جمعه ببوتين في هلسنكي.