ملامح المشهد السياسي في اليمن قبل مشاورات الأمم المتحدة حوله

yemen

كان شهر أغسطس بالنسبة لليمن حافلًا بالعديد من المستجدات السياسية والعسكرية والدبلوماسية، إلا أن ذلك لم يغير من خريطة قواعد اللعبة شيئًا بالنسبة للهرم الذي تسلط عليه الأضواء كافة دون الالتفات إلى القاعدة وأهميتها في تكوين هذا الهرم.

الشعب اليمني يعاني من تدهور العملة اليمنية والوضع السياسي، لكن المجتمع الدولي وشخصيات في الحكومة اليمنية لا يدركون ذلك، ويعملون فقط من أجل مصالح آنية تخدمهم لما بعد الحل السياسي إن وجد أصلًا في اليمن.

المبعوث الدولي البريطاني مارتن غريفيث أصر على أن يعقد بعض أطراف الأزمة في اليمن لقاءً تشاوريًا مباشرًا بين الحوثيين والحكومة اليمنية، لكنه تجاهل أهم المكونات السياسية والعسكرية التي أصبحت أمرًا واقعيًا نتيجة لدورها الفاعل في الحياة السياسية والعسكرية في اليمن، سواء المؤتمر الشعبي العام أم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي لا بد من إنهاء المعضلة التي خلفتها عاصفة الحزم وجعلته من أقوى التكوينات السياسية والعسكرية في جنوب البلاد.

الأزمة الإنسانية

أصبح اليمنيون بين كماشتي الحكومة اليمنية والحوثيين المواليين لإيران، نتيجة الممارسات التي تمارسها المليشيات الحوثية وكذلك التساهل الذي تقدمه الحكومة نظير جرائم الحوثيين بحق المجتمع اليمني، فعلى مستوى الإعلام، لم يعد للحكومة اليمنية أي دور إعلامي يمكن من خلاله إبراز الجانب الوحشي للحوثيين بحق اليمنيين منذ الأزمة الخليجية وإعلان اليمن وقوفه بجانب المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر والبحرين ضد قطر، فأصبح غالبية الإعلام في المنطقة يركز على الأخطاء التي يرتكبها التحالف العربي والحكومة اليمنية، ويتناسون أفعال وجرائم الحوثيين في اختطاف الأطفال وإجبارهم على القتال معهم، وقتل واختطاف الصحفيين، وتضييق الخناق اقتصاديًا على الشعب اليمني.

هناك جرائم ارتكبتها ميليشيات الحوثي ضد المدنيين في صنعاء، تشمل 27 انتهاكًا تبدأ بالانتهاكات المعتقلة بالإنسان (قتل وإصابة واختطاف وتهجير وتجنيد الأطفال) ثمَّ الانتهاكات المتعلقة بالممتلكات العامة والخاصة.

اعتقل الحوثيون ما يقارب 12 إمامًا وخطيب مسجد في العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظة مأرب رفضوا إقامة خطب بين المغرب والعشاء لحث الناس على التشييع وحق “آل البيت” في الولاية وحكم العالم الإسلامي والبدء بها من اليمن

ومنذ الاشتباكات في العاصمة اليمنية صنعاء بين أنصار الرئيس الراحل علي عبد الله صالح والمليشيات الحوثية، التي انتهت بمقتل رئيس المؤتمر الشعبي العام، قتل الحوثيون ما يقارب 159 شخصًا كانوا يحملون صور علي عبد الله صالح أو شعار حزبه، وأصيب نحو 220 برصاص الحوثيين لذات الأسباب.

واعتقل الحوثيون ما يقارب 12 إمامًا وخطيب مسجد في العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظة مأرب رفضوا إقامة خطب بين المغرب والعشاء لحث الناس على التشييع، وحق “آل البيت” في الولاية وحكم العالم الإسلامي والبدء بها من اليمن.

إضافة إلى أن هناك 2500 حالة اختطاف لأطفال من المدارس والقرى منذ انطلاق عملية السهم الذهبي في الحديدة غربي اليمن، وتم إرسال بعضهم  (ما يقارب 340 طفلًأ) إلى ضحيان في صعدة لتلقينهم التعاليم الشيعية، وآخرين إلى جبهات القتال في الساحل الغربي والجوف وصعدة والبيضاء.

إضافة إلى تلك الجرائم بحق اليمنيين، يمنع الحوثيون المواطنيين المقيمين في المناطق التي تسيطرون عليها من التعامل بالعملة التي طبعتها الحكومة اليمنية، ويعتقلون كل شخص يحمل هذه العملة، وهو ما فاقم الأزمة الإنسانية في اليمن.

تقرير الأمم المتحدة

رغم الجرائم التي ارتكبت معظمها من الحوثيين بحق المواطنين اليمنيين، ولا نغفل أن التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية ارتكب أخطاءً ترتقي إلى جرائم حراب في بعض الأحيان كهجومه على الصالة الكبرى في العاصمة اليمنية صنعاء يوم 8 من أكتوبر 2016، وبعض  تجمعات الأفراح في شمال اليمن، فإن التقرير الأممي حمّل التحالف القدر الكثير من الجرائم.

لقي تقرير المفوض للأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عن اليمن استهجان واستنكار التحالف العربي وكذلك الحكومة الشرعية في اليمن، فقد بدا وكأنه بيان سياسي من الطراز الأول يسعى لإدانة التحالف العربي، وهو ما يشير إلى أن الحوثيين أو ما ينوب عنهم سواء منظمات حقوقية دولية أم عربية ممولة من إيران أو من بعض أطراف إقليمية أخرى، ساهمت في صياغة هذا التقرير وعكس وجهات نظر المليشيات الحوثية تجاه مختلف القضايا، وإظهارهم أمام الرأي العالمي أنهم مظلومين وأصحاب حق، وهو ما يعني أن هناك تقدمًا كبيرًا أحرزته المليشيات الحوثية على الصعيد الدبلوماسي واستطاعت أن تهمش الدبلوماسية الشرعية التي يقودها وزير الخارجية اليمني الجديد خالد اليمني التي بدت في عهده الدبلوماسية اليمنية معاقة.

التقرير الذي ضم 44 صفحة، يعج بالملاحظات التي تقوض من مصداقيته ومهنيته ومن ذلك التساهل في إطلاق الأوصاف والتسميات من قبيل وصف مليشيات الحوثي الموالية لإيران بسلطة الأمر الواقع وزعيمها عبد الملك الحوثي بقائد الثورة

ركز التقرير على قضايا يفترض أنها من آثار ونتائج الانقلاب الحوثي لكنه أغفل الحديث عن جرائم الحوثي، وذهب لنسج قصص روجتها وسائل الإعلام الحوثية والإيرانية عن التحالف العربي والحكومة الشرعية، وهذا يعني أن هناك اختلافًا واضحًا بين التحالف العربي أو قصورًا في التواصل مع تلك المنظمات لوضعهم في الصورة الحقيقة لليمن في عهد المليشيات الحوثية الموالية لإيران.

وهو ما استغله الحراك الدبلوماسي الإيراني الكبير لملء الفراغ الذي تركه التحالف وعكس التقارير السابقة التي كانت تخدم التحالف والحكومة اليمنية الشرعية وتحويلها لصالح الحوثيين، وهو ما يعني أن القرار الأممي 2216 بات على المحك نتيجة التقارير الدولية التي تلوح إلى أهمية إنهاء الأزمة السياسية في اليمن والسماح للحوثيين كسلطة أمر واقع بحكم اليمن.

حقيقة فإن التقرير الذي ضم 44 صفحة، يعج بالملاحظات التي تقوض من مصداقيته ومهنيته ومن ذلك التساهل في إطلاق الأوصاف والتسميات من قبيل وصف مليشيات الحوثي الموالية لإيران بسلطة الأمر الواقع وزعيمها عبد الملك الحوثي بقائد الثورة والحكومة الشرعية بقوات الرئيس هادي، وهي مسميات يطلقها إعلاميون محايدون، وليس مؤسسة دولية تعترف بشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وتعتبر المليشات الحوثية جماعة انقلابية، وهذا ما يثير العديد من علامات الاستفهام عن السبب في إطلاق مثل تلك المسميات.

الغريب في الأمر أن الحكومة اليمنية والمعنيين في هذا التقرير اكتفوا ببيانات هزلية، ولم ينظموا مؤتمرات صحفية دولية لاستبيان الحقيقة وإدانة مثل هكذا تقرير، حتى لم تكلف الحكومة اليمنية بدعوة وزراء حقوق الإنسان العرب أو وزراء خارجية الدول العربية للاجتماع لبحث هذا التقرير وإدانته، كونه مؤشرًا خطيرًا يقوض من شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ويمكّن للحوثيين الاستيلاء على البلاد.

الوضع العسكري 

منذ انطلاق العملية العسكرية لتحرير الساحل الغربي لليمن (محافظة وميناء الحديدة) من قبضة المليشيا الحوثية الموالية لإيران، منتصف شهر يوليو 2018 وحتى توقفها لأكثر من أربع مرات متتالية بضغط أممي للسماح للمبعوث الأممي مارتن غريفيث بإقناع الحوثيين بتسليم المحافظة دون قتال، لم يطرأ على العمليات العسكرية أي مستجدات يمكن من خلالها أن تضغط على المليشيات الحوثية بالقبول بشروط التحالف العربي والحكومة الشرعية أو بتنفيذ القرار الأممي 2216 فيما يخص الأزمة اليمنية، سوى الاشتباكات المتقطعة بمديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة وانطلاق جبهات جديدة في محافظة صعدة شمال العاصمة اليمنية صنعاء والمعقل الرئيسي لجماعة الحوثيين.

ففي الساحل الغربي، حالت الضغوط الأممية الكبيرة على التحالف العربي وخصوصًا الإمارات العربية المتحدة التي تقود المعارك هناك، من استمرار التقدم نحو مدينة وميناء الحديدة وضغطت لتخفيف الاشتباكات هناك، وهو ما مكن الحوثيين من استعادة صفوفهم وثقتهم بعد أن كانوا منهارين كليًا وفرّت كبار القيادات الحوثية من محافظة الحديدة.

تجري المعارك الآن في مديرية الدريهمي البوابة الجنوبية لمحافظة الحديدة كإسقاط من باب الواجب، مع أن القوات المشتركة قادرة على إنهاء المعركة في غضون أسابيع وبوتيرة عالية دون توقف، وهذا ما كشف حقيقته حينما تقدمت تلك القوات إلى مطار الحديدة

توقف العمليات العسكرية هناك، مكن الحوثيين من استعادة أجزاء من مطار الحديدة الذي كان التحالف العربي قد سيطر عليه بالكامل، إضافة إلى عودة مشرفي وقيادات حوثية إلى الحديدة، واستغلالهم توقف العمليات العسكرية في تلغيم المباني السكنية وحفر الخنادق داخل مدينة الحديدة، إضافة إلى التعزيزات العسكرية التي تصلهم بشكل شبه يومي، وهذا ما قد يصعب على التحالف العربي وخصوصًا قوات المقاومة المشتركة (المقاومة التهامية وحراس الجمهورية وألوية العمالقة) من تحرير المحافظة بعد انتهاء المشاورات السياسية التي دعت إليها الأمم المتحدة طرفي النزاع عنوة، نتيجة استعداد الحوثيين للقتال جيدًا في تلك المناطق وزرع الألغام في كل مكان، إضافة إلى أنهم منعوا المواطنين من النزوح إلى مناطق خارج الصراع من أجل استخدامهم كدروع بشرية.

وتجري المعارك الآن في مديرية الدريهمي البوابة الجنوبية لمحافظة الحديدة كإسقاط من باب الواجب، مع أن القوات المشتركة قادرة على إنهاء المعركة في غضون أسابيع وبوتيرة عالية دون توقف، وهذا ما كشف حقيقته حينما تقدمت تلك القوات إلى مطار الحديدة، ونتيجته انهارت كل قلاع وحصون المليشيات الحوثية، ولولا الضغط الأمريكي والدولي لكانت الآن الحديدة من ضمن المحافظات التي تم تحريرها.

عندما تكون الأمور متاحة لقوات المقاومة المشتركة التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة أو حصلت على الضوء الأخضر لتحرير محافظة الحديدة، فإن القوات المشتركة لن تقاتل في الدريهمي التي جعلها الآن التحالف العربي مجرد استنزاف للحوثيين وقيادتهم، وإنما سيتحرك وفق خطة أخرى، وهي نحو شرق المحافظة، ابتداءً من مديريات ومفارق الجراحي وزبيد والحسينية وبيت الفقيه والمنصورية والمراعة وصولاً إلى كيلو 16 الرابط بين صنعاء والحديدة، وبهذه العملية ستعزل القوات المشتركة الحوثيين داخل الحديدة، وستمنع الإمداد العسكري والغذائي عنهم، وهو ما يسهل من سقوط محافظة الحديدة دون خسائر في الأرواح والبنية التحتية.

وفي محافظة صعدة شمال العاصمة اليمنية صنعاء الحدودية مع المملكة العربية السعودية والمعقل الرئيسي لمليشيات الحوثية، انطلقت عملية عسكرية هناك من أربعة محاور للوصول إلى مركز محافظة صعدة، بدأت من كتاف والبقع شرقًا اللتين تبعدان عن مركز مديرية صعدة 58 كيلومترًا، ونصفها طريق صحراوي، وكذلك المحور الثالث من شمال صعدة وتحديدًا من مديرية باقم.

إضافة إلى انطلاق عملية عسكرية من الجنوب الغربي لمحافظة صعدة وتحديدًا من مديرات رازح وشداء والظاهر، والأخيرة أعلن الجيش الوطني اليمني السيطرة عليها.

التحركات العسكرية في تلك المناطق تعد ذات بعد إستراتيجي وتخطيط عسكري، إذا استمرت على نفس الوتيرة في التقدم حتمًا ستعلن خلال أشهر قليلة القوات الوطنية تحريرها والوصول إلى معقل عبد الملك الحوثي في جبال مران العتيدة والعنيدة.

لكن الملفت أن القوات الوطنية التي أعلنت السيطرة على مديرية الظاهر بالكامل، لم تبرز لقطات تليفزيونية لمركز المديرية، وإنما اكتفت بالإعلان عبر خبر عاجل، وهو ما يعني أنها قد تكون حققت اختراقًا نحو المديرية لكن تم إجبارهم على العودة.

المملكة العربية السعودية خاضت الحرب تحت مسمى أكون أو لا أكون، فالمعركة بالنسبة لها معركة حياة أو موت، كونها تدرك أنها أصبحت مطوقة من الشمال (العراق) و الجنوب (اليمن) والغرب (البحرين)

فالسيطرة على مديرية الظاهر، يعني سقوط الملاحيظ والاقتراب من مران وساقين وحيدان التي يواجد فيهن العديد من الترسانة الصاروخية والعسكرية ومعداتها المختلفة، وهو ما يعني أيضًا الوصول إلى مركز التمويل العسكري للجماعة الحوثية وقطع رأس الأفعى هناك، وقد يشكل ذلك هزيمة معنوية كبيرة للمليشيات الحوثية، والسطيرة على مثل هذه المناطق ستعجل من هزيمة الحوثيين.

لكن ما يخشى من ذلك هو أن تتوقف تلك العمليات العسكرية بفعل التحركات الأممية التي تريد تمكين الحوثيين من حكم اليمن، وربما هناك مصالح لها في تثبيت أركان هذه المليشيات في جنوب المملكة العربية السعودية التي خاضت الحرب تحت مسمى أكون أو لا أكون، فالمعركة بالنسبة لها معركة حياة أو موت، كونها تدرك أنها أصبحت مطوقة من الشمال (العراق) والجنوب (اليمن) والغرب (البحرين)، وهي نفس خطة الهلال الشيعي التي رسمها قيادات إيران أو الشيعة على وجه الخصوص لإسقاط آل سعود والاستحواذ على مكة المكرمة.