في نهاية الأسبوع الثالث من أغسطس/آب الماضي، وفي مواجهة عاصفة جديدة في البيت الأبيض، حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من عواقب جمّة ستلحق بالأسواق الاقتصادية إذا تمّ عزله.
فبعد إدانة رئيس حملته الانتخابية السابق بول مانافورت، والإقرار بالذنب من قبل محاميه السابق مايكل كوهين، ظهرت تكهّنات بأن ترامب قد تتم مقاضاته، خاصة إذا سيطر الديمقراطيون على الانتخابات النصفية للكونغرس (ومجلس الشيوخ وحكام الولايات) في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وفي لقائه مع قناة فوكس نيوز، في 23 أغسطس/ آب، قال ترامب: “سأقول لكم، إذا ما تم إقصائي، أعتقد أن الأسواق ستنهار. أظن أن الجميع سيتحولون إلى فقراء للغاية”.
ورغم نبرته الواثقة في تصريحه آنف الذكر، إلا أن محلّلين اقتصاديين شكّكوا بإمكانية حدوث ما حذر منه ترامب، ورأوا أنه بالغ في تصريحه، لكنهم قالوا في الوقت نفسه، إنّ هناك ضربة قوية تنتظر سوق الأوراق المالية إذا واجه ترامب الاتهامات الموجهة إليه.
وتوقع سام ستوفال، المحلل الاستراتيجي في شركة “سي أف آر إيه” (CFRA)، العالمية المستقلة لأبحاث الاستثمار، أن تنخفض الأسهم بنسبة 5 إلى 10 بالمئة، وحتى إلى 20 بالمئة، إذا تمّت مقاضاة ترامب، ولكنه استدرك بقوله: “إننا لا نعتقد أنها ستؤدي إلى حالة ركود، ومن ثم لن تسفر عن هبوط في الأسواق”.
أسواق الأسهم في أفضل حالاتها
يواصل الاقتصاد الأمريكي في الفترة الأخيرة أداءه الجيد، وقبل أسبوع وصل مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500)، الذي يضم أسهم أكبر 500 شركة مالية أمريكية من بنوك ومؤسسات مالية، إلى مقربة من أعلى رقم له على الإطلاق، وسجّل أطول فترة صعود له من خلال الاستمرار تسع سنوات كاملة دون أي تراجع كبير.
جيست قال في حديث لوكالة فرانس برس، إن ترامب نفسه ليس المحرك الرئيسي لاستمرارها لأن الكونغرس يدعمها أيضًا، وأشار إلى أن “من المفترض أن يكون تصريح ترامب لا غنى للأسواق عنه، فهو في الواقع مجرد مصادفة”
ورغم أن تلك المدة شملت معظم فترة رئاسة الرئيس السابق باراك أوباما، فقد نسب ترامب الفضل في تقدّم سوق الأسهم إلى التخفيضات الضريبية وتخفيف الإجراءات الحكومية التي فرضها، الأمر الذي وافقه فيه تشارلز جيست، أحد مؤرخي وول ستريت، فالسياسات هذه أفادت الأسهم.
لكن جيست قال في حديث لوكالة فرانس برس، إن ترامب نفسه ليس المحرك الرئيسي لاستمرارها لأن الكونغرس يدعمها أيضًا، وأشار إلى أن “من المفترض أن يكون تصريح ترامب لا غنى للأسواق عنه، فهو في الواقع مجرد مصادفة”، مضيفا أن “الأمر صحيح بالنسبة لترامب ولعدد من أسلافه أيضًا”.
تاريخيًا، كيف تعاملت الأسواق مع احتمالات عزل الرئيس؟
في عام 1974، كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ينتظر محاكمته خلال أيام، والتي استبقها باستقالته من منصبه بعد فضيحة “ووترغيت”، وقد ارتبطت هذه الفترة بتدهور اقتصادي بعد طفرة صعود في أسعار النفط.
وفي نهاية عام 1998، كانت أسواق الأسهم تحت ضغط شديد عندما تمت محاكمة الرئيس بيل كلينتون على فضيحته الجنسية مع مونيكا لوينسكي، بعد التدهور الاقتصادي في روسيا بسبب شركة “إدارة رأس المال طويلة الأمد” (LTCM) التي فشلت في وقت لاحق، لكن الأسواق استردت عافيتها لاحقًا، وسجلت أرقامًا قياسية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 1998 قبل تبرئة كلينتون من قبل مجلس الشيوخ في فبراير/ شباط من عام 1999.
قلق من ردة فعل ترامب نفسه
أسوأ سيناريو قد يواجهه ترامب، هو أن تتم إقالته بعد محاكمة ومساءلة وتصويت حاسم من قبل مجلسي النواب والشيوخ، ثم سيخلفه نائبه مايك بينس، الذي يُرجح أن يكون داعمًا للسياسات الضريبية والتنظيمية الصديقة للسوق مثل ترامب، وربما يُفضل أيضًا سياسات ترامب التجارية التي كانت تقلق وول ستريت.
أجندة “أمريكا أولًا” التجارية التي أطلقها ترامب، هي خطوة غامضة أخرى، لا يُعرف هدف الرئيس منها: “هل يريد تعزيز استراتيجية تُشتّت الانتباه عن السياسات المحلية، أو السماح بتعريفات جمركية بنسبة 10 إلى 25 بالمئة من 200 مليار من البضائع الصينية؟
لكن محاكمة ترامب بحد ذاتها قد تُلحق الضرر بالاقتصاد في حال تضررت الشركات والمستهلكون على السواء، فالمستثمرون لا يعرفون كيف سيرد ترامب بإجراءات قد تضر قطاعات ديناميكية أخرى في السوق، فقد يتخذ خطوات جذرية مثل سابقته في انتقاد رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم بول لرفعه أسعار الفائدة، وهو خروجٌ عن القاعدة التي تمنع رؤساء الولايات المتحدة من التعليق على سياسة بنك الاحتياطي الفدرالي، والتي أدت في حينها إلى انخفاض كل من الدولار والأسهم.
ورأى جون نورماند، المحلل في مؤسسة “جي بي مورغان تشيس”، أن أجندة “أمريكا أولًا” التجارية التي أطلقها ترامب، هي خطوة غامضة أخرى، لا يُعرف هدف الرئيس منها: “هل يريد تعزيز استراتيجية تُشتّت الانتباه عن السياسات المحلية، أو السماح بتعريفات جمركية بنسبة 10 إلى 25 بالمئة من 200 مليار من البضائع الصينية؟ وتبدو كلتا الحالتين متوقعة بوجود صانع قرار زئبقي”.
الإعلام شيء والاقتصاد شيء آخر
خلافًا لوسائل الإعلام التي انشغلت بقضيتي مانافورت وكوهين، لم تتأثر كل الأسواق الأمريكية بهما مثل وول ستريت، في حين انخفض مؤشرا “داو جونز” وربح مؤشر “ناسداك”، وعلّق نيكولاس كولاس مدير شركة “داتا تريك” للأبحاث على ذلك بقوله إن بعض المحللين توقعوا أن يكون احتمال محاكمة ترامب 45 بالمئة، وهذه النسبة غير مسبوقة، إلا أنّ هناك استطلاعات أخرى تشير إلى رفض غالبية الأمريكان لمُقاضاة الرئيس.
وأشار كولاس إلى انّ الأسواق لا تقلق كثيرًا بشأن هذه المسألة من وجهة نظر استثمارية، ولا يرجح أن تلتفت كثيرًا إلى ما سيحدث في واشنطن في الشهور المقبلة، وقال: “خلافًا لموجة الرّعب التي سادت عناوين الأخبار في وسائل الإعلام، فالأمور تسير في سياقها الطبيعي”.