الهجوم اللاذع الذي شنه علي الحاج الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي في السودان، على الحزب الحاكم خلال الأيام الماضية، أثار تساؤلات عديدة في أوساط الشارع السوداني، لا سيما أن المؤتمر الشعبي لا يزال موجودًا وشريكًا أصيلًا في الحكومة الحاليّة التي تشكلت عقب حوار بين الحزب الحاكم وعدد من أحزاب المعارضة استمر لـ3 سنوات.
علي الحاج اتهم المؤتمر الوطني بأنه أكبر خطر ومهدد للبلاد، واتهم كوادره بالتخريب والعمل ضد الرئيس عمر البشير، كما حمل الحزب الحاكم مسؤولية الأزمات التي تمر بها البلاد، داعيًا “المؤتمر الوطني” إلى تغيير سلوكه حتى لا يتم تجاوزه في المستقبل.
وزاد الأمر غموضًا تصريحات أخرى مفاجئة أدلى بها مسؤول الانتخابات في الحزب إبراهيم الكناني الذي أكد أن المؤتمر الشعبي سيدفع بمرشح رئاسي في مواجهة مرشح الوطني. وللتذكير يقود مشاركة المؤتمر الشعبي في حكومة السودان الحاليّة نائب الأمين العام إبراهيم السنوسي الذي يشغل تنفيذيًا منصب مساعد رئيس الجمهورية، إلى جانب وزيران اتحاديان هما وزير الصناعة موسى كرامة ووزير التعاون الدولي إدريس سليمان، فضلًا عن تمثيل الحزب في البرلمان وحكومات الولايات (الأقاليم).
سنحاول في هذه المقالة التعرف على أسباب الهجوم المتواصل الذي تشنه قيادات المؤتمر الشعبي على شريكها الأكبر، وهل بات الحزب على وشك تقديم مرشح رئاسي في مواجهة عمر البشير؟
هجوم ليس الأول من نوعه
التصريحات التي أدلى بها الحاج الأسبوع الماضي خلال حفل معايدة لم تكن الأولى من نوعها، فقد هدد في يونيو/حزيران الماضي بالانسحاب من الحكومة السودانية التي يمتلك المؤتمر الوطني أغلبية مقاعدها التنفيذية والتشريعية، واعترض الأمين العام على تمرير قانون الانتخابات إلى مجلس الوزراء وإجازته دون مشاورة الأحزاب التي شاركت في الحوار الوطني، وعلى تعيين رئيس المفوضية وأعضائها مباشرة من الرئيس البشير، كما هاجم الطريقة التي يتم فيها انتخاب حكام الولايات عبر المجالس التشريعية الولائية وليس بالانتخاب المباشر من سكان الولاية. وقال علي الحاج محمد إنه لم يجرِ أي تغيير في الوجوه والسياسات، مشددًا على ضرورة إحداث تغيير وإشراك حقيقي لكل القوى وفق ما نصت عليه مخرجات الحوار الوطني.
كثرت نقاط الخلاف بين الحزبين في الآونة الأخيرة، وللمفارقة فإن المؤتمر الوطني والشعبي كانا حزبًا واحدًا حتى وقوع الانشقاق الأكبر بين إسلاميي السودان عام 1999
كما دأب أعضاء آخرون بالمؤتمر الشعبي على توجيه الانتقادات شديدة اللهجة لشريكهم الأكبر في حكم السودان، ومن بين هؤلاء كمال عمر النائب بالمجلس الوطني (البرلمان) إذ اعتبر الأخير صدور قرار جمهوري بتشكيل 5 مجالس سيادية بأنه نسفٌ لمخرجات الحوار الوطني، ووصفها (المجالس) بأنها أخطر تجاوز في الجانب الدستوري، وشدد على إنها حولت مجلس الوزراء الى مجلس ظل بلا صلاحيات أو إمكانات في مقابل المجالس السيادية التي تضم وزراء يمثلون المؤتمر الوطني. وانتقد عمر – الذي يقود كتلة الشعبي بالبرلمان ـ عدم فعالية آلية مخرجات الحوار، وشدد على أن خمولها أصبح مدخلًا لوجود تجاوزات لمخرجات الحوار والتنصل عن تنفيذها.
أبرز ملفات الخلاف بين الشعبي والوطني
كثرت نقاط الخلاف بين الحزبين في الآونة الأخيرة، وللمفارقة فإن المؤتمر الوطني والشعبي كانا حزبًا واحدًا حتى وقوع الانشقاق الأكبر بين إسلاميي السودان عام 1999 وتأسيس المجموعة المنشقة حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الراحل حسن الترابي، إلا أن الحزبين عادا وتقاربا بعد نداء الحوار الذي أطلقه البشير عام 2014 وبموجبه شارك الشعبي في الحكومة الأخيرة، ومن أهم نقاط الخلاف بين المؤتمَريْن:
1- ترشيح البشير: تشكل مسألة اعتزام عمر البشير الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة نقطة الخلاف الأبرز بين الشعبي والوطني، فالأخير يتجه إلى تعديل النظام الأساسي للحزب ودستور البلاد من أجل إعادة ترشيح الرئيس البشير مرة أخرى في انتخابات 2020، وبينما باركت معظم الأحزاب المنضوية تحت لواء “الحوار” إعادة ترشيح البشير لم يعلق المؤتمر الشعبي رسميًا حتى الآن، بل تتواتر أنباء عن وجود نية للحزب للدفع بمرشح للرئاسة أو مساندة مرشح آخر في مواجهة البشير.
يرى قادة المؤتمر الشعبي أن الحكومة تنصلت عن بنود الحوار الوطني وأهمها إصلاح أجهزة الدولة وتكوين آلية قومية جامعة لصياغة دستور جديد ودائم للبلاد
2- مشاركة السودان في حرب اليمن: منذ البداية لم يوافق الشعبي على مشاركة الجيش السوداني في تحالف “عاصفة الحزم” باليمن، وكثيرًا ما صرحت قياداته بأن القتال إلى جانب التحالف العربي لا علاقة له بأمن الحرمين الشريفين، وأن المشاركة في حد ذاتها غير دستورية في الأساس لأن البرلمان لم يوافق عليها، ومؤخرًا طالب الأمين العام للشعبي علي الحاج بعودة القوات من اليمن فورًا، وجاءت تصريحاته متزامنة مع نشر الحوثيين لصور جثث قالت جماعة الحوثي إنها لجنود سودانيين قتلوا في أرض اليمن.
3- خلافات بشأن تطبيق مخرجات الحوار الوطني: يرى قادة المؤتمر الشعبي أن الحكومة تنصلت عن بنود الحوار الوطني وأهمها إصلاح أجهزة الدولة وتكوين آلية قومية جامعة لصياغة دستور جديد ودائم للبلاد، إلى جانب الوصول إلى حكم راشد يُحتكم فيه لخيار الشعب ويحترم فيه القانون والحقوق وتكفل فيه الحريات العامة.
إيجابيات مشاركة الشعبي في الحكومة
وجود حزب المؤتمر الشعبي في الحكومة السودانية الحاليّة التي تعرف بحكومة الحوار الوطني لم يخلُ من إيجابيات رغم ضعف المشاركة التنفيذية والبرلمانية للشعبي وهيمنة الوطني على قرارات الدولة، وتتمثل أهم الإيجابيات في المحاور الآتية:
1- نادَى الشعبي وزعيمه الراحل حسن الترابي في جلسات مؤتمر الحوار بأهمية الاعتراف بالتنوع والتعدد الثقافي في السودان، إضافة إلى احترام وحماية حقوق الإنسان وحرية الفكر والاعتقاد وحرية التعبير والتنظيم والتجمع والمشاركة في الحياة العامة، والحكم الفيدرالي في مستوياته الثلاثة الاتحادي والولائي والمحلي، كما طالب حزب المؤتمر الشعبي ضمن مبادرة لأحزاب الحوار بإطلاق سراح المعتقلين احتجاجًا على زيادة أسعار الخبز مطلع العام الحاليّ، وهي أمور تحققت بشكل جزئي.
2- عندما اندلعت الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران 2017 كانت الحكومة السودانية أقرب إلى معسكر دول الحصار من قطر لكثرة الزيارات التي قام بها الرئيس البشير إلى السعودية والإمارات وتناغم مواقفه معهما، لكن قيادات الشعبي الموجودة في الحكومة ضغطت البشير لأجل الحفاظ على الحياد على الأقل، حتى إن نائب الأمين العام إبراهيم السنوسي الذي يشغل منصب مساعد البشير أحرج الحكومة عندما أطلق تصريحات قوية ندد فيها بموقف دول الحصار من قطر ومشيدًا بمواقف الدوحة وما قدمته للسودان، معتبرًا الدفاع عنها في هذه الأزمة نوع من أنواع رد الجميل.
3- وبالقدر نفسه أسهمت تحركات المؤتمر الشعبي السياسية وتصريحات قياداته في ضمان التزام الحكومة السودانية باتفاقها مع الرئيس رجب طيب أردوغان الخاص بإدارة جزيرة سواكن لفترة محددة، وهو القرار الذي أثار عاصفة ضد الخرطوم من السعودية والإمارات ومصر.
هل سيقدم الشعبي منافسًا للبشير؟
يرى المحلل السياسي وليد دليل أن المنتفعين وأصحاب المصالح من القيادات الحكومية السبب الأول في خراب ودمار السودان، مذكرًا بعبارة قالها علي الحاج عندما هاجم الأخير الفساد في الحزب الحاكم وحمله مسؤولية تفشي الفساد والمفسدين.
واستبعد دليل في حديث خاص لـ”نون بوست” إقدام الشعبي على ترشيح منافس للبشير، معتبرًا أن الخطوة ترقى لأن تكون انتحار سياسي، ويضيف “الخلاف على ترشيح عمر البشير معروف حتى داخل غرف المؤتمر الوطني المغلقة”، مؤكدًا أن بعضًا من قيادات الشعبي وافقوا سرًا على التمديد للبشير مقابل ضمان استمرار مصالحهم.
تصريحات الحاج ربما تعكس وجود تبرم غير معلن واحتجاج على التهميش الذي يعاني منه الحزب بجانب استفراد الشريك الأكبر بكل القرارات السياسية والتنفيذية دون استشارة المؤتمر الشعبي
لن نبتعد كثيرًا عن إفادات وليد دليل – أحد الكوادر الإسلامية المعروفة في السودان – ونتفق معه في خطورة اتخاذ قرار تقديم مرشح باسم الحزب لرئاسة الجمهورية، فالخطوة لن تكون سهلة لأن مواجهة من يمتلك سلاحي السلطة والمال أقرب للانتحار كما ذكر محدثنا، إلى جانب وجود عدد مقدر من قيادات الشعبي يرفض المشاركة في الانتخابات من الأساس لأنهم يعتقدون أن مشاركتهم ستمنح شرعية للحزب الحاكم، بها يدعي أنه فاز في الانتخابات بعد منافسة مع أحزاب أخرى.
أما تهديد الشعبي المستمر بالانسحاب من الحكومة التي لم يتبق من أجلها سوى عام ونصف تقريبًا فنعتقد أن ذلك لا يعدو أن يكون رسائل سياسية لبعض الكوادر المتشددة في الحزب الحاكم التي تعمل على إعاقة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.
ولكن ما يحيرنا كمراقبين أن هجوم الحاج الجديد جاء بعد أيام قليلة من تصريحات مثيرة للرئيس البشير قال فيها “نحن حركة إسلامية كاملة الدسم، ولسنا حزبًا علمانيًا”، وهي تصريحات فُهِمت على أنها مغازلة من الرئيس لكوادر الإسلاميين بمختلف انتماءاتهم الحاليّة
إلا أن تصريحات الحاج ربما تعكس وجود تبرم غير معلن واحتجاجًا على التهميش الذي يعاني منه الحزب بجانب استفراد الشريك الأكبر بكل القرارات السياسية والتنفيذية دون استشارة الشعبي، بما في ذلك قرار تعديل النظام الأساسي للحزب من أجل إبقاء البشير رئيسًا بعد انتخابات 2020.
الخلاصة أن عامة السودانيين لا يعتقدون بوجود فرق بين المؤتمر الشعبي أو الوطني، فكلاهما متهمان لدى الشعب بأنهما ينحدران من مدرسة سياسية وفكرية واحدة، وأنهما شريكان بالسياسات الخاطئة في تدمير اقتصاد السودان وانتشار الفساد منذ انقلاب الإنقاذ فجر 30 من يونيو/حزيران من 1989.