ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد أن نددت الحكومة التونسية بسوء تصرف في حقل النفط المسمى “حلق المنزل”، أصبحت قضية استغلال هذا الحقل النفطي في قلب سلسلة الإقالات التي هزت وزارة الطاقة يوم 31 آب/ أغسطس المنقضي. فما هي حقيقة هذه الواقعة؟ تُسلط صحيفة جون أفريك الضوء على تفاصيلها.
أدت سلسلة الإقالات الأخيرة في تونس إلى اضطراب قطاع الطاقة. ففي 31 آب/ أغسطس الماضي، أقال رئيس الحكومة ما لا يقل عن خمسة مسؤولين في وزارة الطاقة وهم؛ وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، خالد قدور، وكاتب الدولة للمناجم، هشام الحميدي، فضلا عن المديرين العامين للمحروقات وللشؤون القانونية، والرئيس المدير العام للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، “إيتاب”. وفي هذا الصدد، سيتم فتح تحقيق على مستوى الوزارة ستُشرف عليه كل من هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية وهيئة الرقابة العامة للمالية. وقد عادت صحيفة “جون أفريك” على الأسباب الحقيقية والنتائج الأولية لهذه القضية.
الأسباب التي تقدمت بها الحكومة
وفقا للتوضيحات التي قدمتها الحكومة، تعود موجة الإقالات هذه إلى قضيتين رئيسيتين، تتعلق أولاهما بكاتب الدولة للمناجم، هشام الحميدي، الذي ندد طرف عراقي، كان وسيطا في عمليات شراء الأسمدة الفوسفاتية، بتورطه في قضية فساد. وأثبتت تسجيلات تم تقديمها إلى أحد قضاة التحقيق تورط الحميدي وغيره من المسؤولين الحكوميين (رفيعي المستوى) في هذا الملف.
أفادت حكومة يوسف الشاهد في الفترة الأخيرة أنها أول من تفطن إلى التجاوزات في هذه القضية. كما اعتبرت أن شركة “توبيك” تستغل هذا الحقل بطريقة غير قانونية
أما القضية الثانية، التي يلفها غموض أكبر من الأولى، فترتبط بمنح امتياز استغلال حقل “حلق المنزل” النفطي، المتواجد في إحدى المناطق الساحلية لولاية المنستير، لشركة “توبيك”، على الرغم من انتهاء مدة عقد الاستغلال منذ سنة 2009. ولتبرير قرارها الصادر يوم 31 آب/ أغسطس، أشارت رئاسة الحكومة إلى سوء تصرف وزارة الطاقة وارتكابها لتجاوزات قانونية. لكن، لم يتم تأكيد أي شيء بعد.
قضية “حلق المنزل”
تم منح امتياز الإستغلال لمدة 50 سنة لشركات “أو آل أف” و “أو إم في” و”رويال داتش شل” سنة 1979، قبل أن تمنحه هذه الشركات بدورها لشركة “توبيك” سنة 2006، وفقًا لأحكام مجلة المحروقات الصادرة سنة 1999. وقد صرح مختص في المحروقات أن “النوعية الرديئة للنفط الخام وكمية إنتاجه المنخفضة (ثمانية مليون برميل، أي ما يُعادل 2 بالمائة من الاحتياطيات الوطنية) جعلت هذا الحقل يُعد اكتشافًا لا يمكن استغلاله في مجال التسويق أو التجارة في نهاية المطاف”.
مع ذلك، وبعد أن استلمت هذا الموقع، وضعت شركة “توبيك” خطة لتطويره وبدأت تستعد لبدء عملية استغلاله سنة 2013. آنذاك، لم يُعارض أي طرف هذا الأمر. ولكن، تنص مجلة المحروقات لسنة 1999 على أن امتياز الإستغلال صالح لمدة 30 وليس 50 سنة. وقد أطلقت اللجنة الاستشارية للمحروقات بوزارة الطاقة مشاورات بشأن هذه القضية المثيرة للجدل سنة 2011. ووفقا للنتائج التي توصلت إليها هذه اللجنة، سيظل عقد امتياز استغلال هذا الحقل صالحا إلى حدود سنة 2029.
في سنة 2015، تم إبلاغ رئاسة الحكومة والمصالح المعنية بهذا الأمر. لكن، أفادت حكومة يوسف الشاهد في الفترة الأخيرة أنها أول من تفطن إلى التجاوزات في هذه القضية. كما اعتبرت أن شركة “توبيك” تستغل هذا الحقل بطريقة غير قانونية، موضحة أن عقد الامتياز قد انتهى منذ سنة 2009. في هذه الحالة، كان يتوجب على “توبيك”، كما تفعل بقية الشركات المستثمرة الأخرى، المطالبة بتمديد فترة صلاحية العقد.
التناقضات
على الرغم من ذلك، لم تستطع حكومة الشاهد تجاهل هذا الملف. ويندرج حلق المنزل، التي تُقدر قيمته بحوالي 310 مليون دينار، ضمن المشاريع التي عرضتها الحكومة في سنة 2016 على المشاركين في مؤتمر المستثمرين “تونس 2020”. وفي شهر تموز / يوليو 2017، استأنفت الشركة نشاطاتها، دون أن يكون قد تم تقديم أي اعتراض لا إلى وزارة الطاقة ولا إلى بلدية بوفيشة.
من بين 59 امتياز استغلال تم منحه لعدد من الشركات منذ الخمسينيات، تمتلك شركة “إيتاب” حصصاً في 35 عقد امتياز استغلال للمحروقات.
علاوة على ذلك، ندد المتحدث باسم الحكومة، إياد الدهماني، بعدم مشاركة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية “إيتاب”، المسؤولة عن إدارة الاستكشاف والإنتاج النفطي نيابة عن الدولة التونسية، في هذا المشروع. وتعتبر الحكومة مشاركة هذه المؤسسة إلزامية. وفي هذا السياق، أفاد كامل بن ناصر، وزير الصناعة والطاقة والمناجم السابق، أن “هذه المؤسسة المشرفة على الأنشطة البترولية اعتادت تصنيف حلق المنزل ضمن الحقول النفطية التي لا تدر أرباحا هامة”. ومن بين 59 امتياز استغلال تم منحه لعدد من الشركات منذ الخمسينيات، تمتلك شركة “إيتاب” حصصاً في 35 عقد امتياز استغلال للمحروقات.
النتائج
بدأت “القضية” الآن تتخذ منحاً سياسيًا، يسير نحو تسييس ملف كان يمكن أن يكون محور تحقيق إداري بسيط، بدل مسألة سوء تصرف. لكن، بما أنه يرغب في البروز كبطل المعركة ضد الفساد، يتصرف الشاهد باندفاع، كما لا تعكس قراراته سوى القليل من الفطنة. فمن خلال تفكيك قطاع الطاقة وضم وزارته إلى وزارة الصناعة، بسبب عدد من الخلافات وفقاً لخالد القدور، زرع يوسف الشاهد الشك بخصوص طريقة إدارته. كما أنه غذّى أزمة ثقة عامة، شملت المستثمرين الأجانب، المدعوين يوم 18 أيلول / سبتمبر إلى مؤتمر دولي سيُعقد في تونس العاصمة للتشجيع على الاستثمار في تونس.
بعد أن تمت زعزعة صورة البلاد والحكومة، من خلال تحميل المسؤوليات لمذنبين مزعومين، هل يُعد الشاهد مدركا حقا لمدى تأثير قراراته؟ ولا شك أن مجلس نواب الشعب سيُسائل حتما رئيس الحكومة، الذي يستعد لعرض قانون المالية لسنة 2019 على هذا المجلس.
الصحيفة: جون أفريك