يعتبر مهرجان “أنا عراقي.. أنا أقرأ” من أكبر المهرجانات التي تحث على القراءة والاهتمام بها في العراق، فقد أقيم المهرجان ببغداد في موسمه السادس، وفي مدينة الموصل بموسمه الأول، وامتاز هذا العام بتوزيع عشرات الآلاف من الكتب في شتى الاختصاصات والمجالات، فقد أخذت ظاهرة المهرجانات الثقافية في الآونة الآخيرة بالازدياد في المجتمع العراقي، وأصبحت القراءة بما يشبه العادة، وقد تثمر هذه الجهود بعد سنوات بتحول القراءة إلى ثقافة مجتمعية تنعكس على السلوك العام.
تساعد المهرجانات الداعمة للقراءة والثقافة على إنضاج الوعي في المجتمع العراقي بكل تأكيد، ويقول في هذا الشأن الباحث جاسم السدر إن “القراءة نشاط عقلي تفاعلي يتم بين متلقٍ شغوف وكاتب سكب خلاصة رحيقه الفكري مجسدًا في أحرف وكلمات وجمل يطلق عليه كتاب، القراءة تمنحنا القابلية أن نرى ما حولنا بصورة تختلف جذريًا عما عهدناه سابقًا أو كما يراها الآخرون”.
وقال السدر: “مفكرون وفلاسفة وكتاب وشعراء عراقيون وغيرهم، تغزلوا كل بطريقته مع معشوقه الكتاب ووصفوا لذة القراءة وبهجة المتعة والنشوة الفكرية التي تمنح أرواحهم سموًا ورقيًا وعقولهم تمددًا وسعة بما لا يستطيع قلم أو بيان أن يصف عمق تأثيره في الفاعلية والعطاء والمشاركة”.
“المهرجانات الثقافية للقراءة خطوة رائدة وفرصة ثمينة لتعزيز القراءة في مجتمعاتنا عبر نقلها من فعل ترفي لا يستمر طويلاً إلى ممارسة ثقافية وفكرية تعيد برمجة الأشخاص”
وفي نفس السياق أوضح السدر أن المهرجانات الثقافية للقراءة التي تقام سنويًا على سعة خريطة العراق تعبير مجتمعي لشريحة الشباب وجماهير القراء عن فرحهم وسرورهم بالإقبال الكبير والشغف المنقطع النظير الذي أولاه مجتمعنا مؤخرًا للتعامل الثقافي مع الكتاب لما له من تأثير نوعي على إعادة تشكيل عالم الأفكار وهندستها من جديد بما يسهم في بناء واقع مختلف ومستقبل آخر.
“تعد المهرجانات الثقافية للقراءة تسويقًا مجتمعيًا لفعاليات القراءة للخروج من خانة النخبوية الضيقة إلى الفضاء الاجتماعي العام، ففي أفياء الحدائق الخضراء وعلى أنغام الموسيقى العذبة تتوهج عناوين الكتب المتنوعة، بسمات امتنان تضيء وجوه مؤلفيها الذين رحلوا ولم يخطر ببالهم يومًا أنه سيأتي وقت تحظى مؤلفاتهم بكل هذا الاحتفاء”، يقول السدر.
في نفس السياق، أوضح الناشط محمود كداوي أن لهذه النشاطات الثقافية أهمية كبيرة في تعزيز الثقافة وحب القراءة واحترام الكتاب في العقل الجمعي العراقي، وبالأخص للأطفال لأن لهم في هذه المهرجانات نصيبًا كبيرًا من الفعاليات، ولقد رأينا بعض نتائج تلك النشاطات كتحول القراءة إلى موضة بين بعض الشباب ولعلها خطوة في الاتجاه الصحيح”.
صورة من فعاليات المهرجان في مدينة الموصل
أبرز فعاليات المهرجان
لم يختصر المهرجان بكونه منبرًا للخطابة والمحاضرات، بل كانت له فعاليات أخرى، ففي بغداد أوضح أيوب حسين مدرب الإعلام الإلكتروني، أن المهرجان عرض مجموعة من الكُتب تجاوز عددها الأربعين ألف كتاب وزعت مجانًا للحضور. وأضاف أيوب أن المهرجان وزع في بغداد أكثر من 500 قرص يحوي مئات الكتب الإلكترونية المحملة من مكتبة الشهيد عمار الشابندر.
صورة فيها اسم الشهيد عمار الشابندر
أما في ميسان فقد أوضح الناشط المدني صائب الشامخ أن التحضيرات للمهرجان تمت قبل شهر تقريبًا في بغداد، وتم التحاق أكثر من 50 متطوعًا بالمهرجان. وأكد الشامخ قائلاً: “أسدل الستار عن المهرجان يوم أمس، وكان الحضور باهرًا، فقد امتلأت حدائق الرصيف المعرفي بالحضور المتنوع”.
أما في الموصل فقد أفاد الناشط عمر السالم أن المهرجان كانت له فعاليات مميزة وجميلة، فقد قدم فريق ما بعد الظلام مسرحية عن أهمية الكتاب، وكيف أن قوى الشر والظلام حاربت الكتاب، وساعدت على انتشار الجهل، وقد تم توزيع 10 آلاف كتاب على المشاركين.
بوصلة الثقافة في المجتمع العراقي ضعيفة ومشتتة التوجه لأن أغلبية المجتمع يقرأ ليس لتثقيف نفسه والخروج بأفكار جديدة وكسر النمطية المجتمعية القديمة وخلق قوة تأثيرية تصحيحية تغير مسار حياة المجتمع التي تحكمه القبلية
وأضاف السالم “المهرجان امتاز بالحضور النوعي، فقد امتاز بحضور العوائل المهتمة بالقراءة والثقافة، وكان على مستوى عالٍ من التنظيم والإدارة، وأشاد الحضور بالجهود المبذولة”. مؤكدًا: “المهرجان كان بمثابة الحلم، واليوم أصبح واقعًا وحقيقةً، فقد كنا أيام احتلال داعش للموصل نقيم مهرجانات في أربيل، ولكن عيني دائمًا كانت على الموصل، وهذه المهرجانات بدايةٌ لانتشار الثقافة وبعدها التطور بالمجتمع”.
صورة المهرجان في محافظة ميسان
في ظل الفعاليات المستمرة.. إلى أين تسير الثقافة في المجتمع العراقي؟
اهتمام كبير بالفعاليات الثقافية في العراق، وعلى مستويات مختلفة في أرجاء البلاد كافة، مكتبات ومهرجانات وشوارع ثقافية، ولكنّ القراءة والثقافة لها نتاج على مستوى الوعي والسلوك، وفي هذا السياق أوضح الكاتب الصحفي عماد الشمري قائلاً: “بوصلة الثقافة في المجتمع العراقي ضعيفة ومشتتة التوجه لأن أغلبية المجتمع يقرأ ليس لتثقيف نفسه والخروج بأفكار جديدة وكسر النمطية المجتمعية القديمة وخلق قوة تأثيرية تصحيحية تغير مسار حياة المجتمع التي تحكمه القبلية والأفكار الساذجة التقليدية والخرافات والمعتقدات الخاطئة”.
وختم الشمري بالقول: “إلى الآن الثقافة لم تكسر هذه القيود وتحدث تغير حقيقي يرفع من شأن المجتمع وتجدد قيمه، وحتى تحدث الثقافة تغيرًا حقيقيًا لا بد من توجيهها وليس تركها عشوائية دون أي ضوابط ومعايير”.