في عالمنا العربي الممتد من أور وبابل شرقًا وحتى مغارة دار السلطان على الساحل الأطلنتي غربًا، ومن بلاد آشور شمالاً وحتى مملكة سبأ جنوبًا تفترش الآلاف من الآثار والمعالم الحضارية والشواهد التاريخية جغرافية البلاد لتحكي قصة شعوب هذه المنطقة، وتشكل جزءًا أصيلاً من هويتها المجتمعية والثقافية وركيزة أساسية في أي انطلاق حضاري مستقبلي لها.
هذه النقاط المتناثرة والمتشابكة عبر التاريخ تشكل بمجموعها اللوحة الحضارية لشعوب المنطقة، لوحة تتعرض للتآكل والتلف يومًا بعد آخر، بسبب الحروب والدماء تارة، والسرقة والإهمال تارة أخرى.
رغم أن السرقة والإهمال ليسا جديدين على آثار منطقتنا لكن عملية التخريب الممنهج والتدمير نتيجة الحرب في السنوات الأخيرة، جعلتنا نفقد حضارتنا بوتيرة متسارعة جدًا ومخيفة تجعل الجيل القادم أمام مدن بلا معالم وبلاد بلا شواهد وأرض بلا شواخص.
بعض الحضارات الرائعة والمميزة على هذه الأرض مثل حضارة الفيوم في أرض النيل لا يعرفها أغلب الناس ولم تؤثر في المجتمع المصري كما أثرت الحضارة الفرعونية، ليس لأن حضارة الفيوم غير مميزة ولكن لأن شواهدها الحضارية وأبنيتها المعمارية لم تعد موجودة على الأرض ليشاهدها الناس
هذا الفقد خطير ويجعل المجتمع لا يمتلك جذورًا تربطه بالأرض ولا حضارةً ينتمي لها، وقد تختفي تلك القوة النفسية التي تربط الإنسان بأرضه وتدفعه للبناء والإعمار فيها، الأمر الذي يحول المجتمع أيضًا لعجينة يمكن تشكيلها كما يحب المتسلط، فالحضارة وشواهدها ومعمارها الشامخ تعتبر جزءًا صلبًا في كيان الشعوب وبإزالتها تكون الشعب أكثر ضعفًا وأسهل أن تنتمي للمتغلب دون بصمتها الخاصة أو ثقافتها ومساهمتها الحضارية في البشرية.
نسعى في هذا الملف لأن نضع إصبعنا على عمق الجرح لننبه لخطورة ترك الجراح تنزف أو تلتهب وتتقرح، وإنما يجب تقطيب الكلم لوقف النزيف، وتضميد الجراح للحفاظ على الجسد، فالفقد الذي حصل في العراق واليمن وسوريا وفلسطين وليبيا والصومال والسودان ولبنان يجعلنا ندق ناقوس الخطر ونقول علينا أن نوقف تدمير أحد أعمدة قوتنا.
رغم ما تمر به المنطقة من فقد للقيمة الأساسية “الإنسان” عبر القتل والتهجير والتهميش والتجهيل، فإننا نؤمن أن الشعوب ستخرج عاجلاً أم أجلاً من عنق الزجاجة، لكن بعد خروجها ستحتاج لركائز تنطلق منها وركيزة الحضارة والتاريخ منطلق مهم لمستقبل أفضل
بعض الحضارات الرائعة والمميزة على هذه الأرض مثل حضارة الفيوم في أرض النيل لا يعرفها أغلب الناس ولم تؤثر في المجتمع المصري كما أثرت الحضارة الفرعونية ليس لأن حضارة الفيوم غير مميزة، لكن لأن شواهدها الحضارية وأبنيتها المعمارية لم تعد موجودة على الأرض ليشاهدها الناس.
أرضنا التي تشكل جزءًا محوريًا من العالم القديم، بداية من الإنسان القديم الصياد مرورًا بظهور أول التجمعات البشرية على شكل قرى زراعية على ضفاف الأنهار ثم تشكيل نواة الحضارات البشرية الأولى، فأهدت هذه المنطقة الحرف الأول للبشرية والعجلة الأولى والمكتبة الأولى والقانون الأول، حيث أسهمت الحضارات السومرية والأشورية والفرعونية والفينيقية، مرورًا بالحضارات العربية الإسلامية الأموية والعباسية وحتى الدول الحديثة، بتغيير شكل الأرض وتقديم الإسهامات التي تعتبر الركائز للكثير من العلوم والتقدم الحديث الذي يسود كوكب الأرض.
رغم ما تمر به المنطقة من فقد للقيمة الأساسية “الإنسان” عبر القتل والتهجير والتهميش والتجهيل، فإننا نؤمن أن الشعوب ستخرج عاجلاً أم آجلاً من عنق الزجاجة، لكن بعد خروجها ستحتاج لركائز تنطلق منها وركيزة الحضارة منطلق مهم لمستقبل أفضل، لذلك من المهم الحفاظ على نقاط قوتنا قدر المستطاع والتركيز على زوايا غابت وأصوات ضاعت نتيجة ارتفاع صوت المدفع والرصاص فقط! وهذه محاولة سيساهم فيها عدد من كتاب البلاد العربية وليحمل فيها أحفاد تلك الحضارات قصص فقدهم لأجزاء من شواخص بلادهم وآثارها عبر مقالات ستنشر للعالم تحكي وجهًا آخر من أوجه معاناتنا العربية.