ترجمة وتحرير: نون بوست
“هل تعلم أن في سوريا لا تحلق الطيور فقط في السماء؟ فهناك الكثير من الأجسام المعدنية الضخمة التي ترسل لنا الموت من السماء كل يوم”. في الواقع، تحوم هذه الصورة القاتمة التي رسمها مخرج الأفلام الوثائقية السوري، حسام عبد الغني، الحائز على جوائز عدة، في مقال كتبه بعنوان “112 سؤالا حول الإنسانية في سوريا” فوق إدلب، المقاطعة التي يسيطر عليها المتمردون، والتي تستعد القوات الحكومية السورية لشن هجوم عليها.
لم تتوان الأمم المتحدة، ولا البابا، وحتى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن توجيه النداءات المطالبة بإيقاف حمامات الدم في سوريا. من جانبه، طلب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من موسكو وطهران منحه المزيد من الوقت لإقناع أكبر عدد ممكن من عناصر “هيئة تحرير الشام”، المرتبطة بتنظيم القاعدة، بالتخلي عن خوض هذه المعركة والاستسلام بشكل فعلي.
علاوة على ذلك، من المرجح أن يكشف اجتماع حاسم بين أردوغان ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس الإيراني، حسن روحاني، الذي سيُعقد في طهران في السابع من أيلول/ سبتمبر، عن الوقت الذي تركته تركيا متاحا لكبح جماح الجهاديين الذين قاموا فيما مضى بنقل الرجال والأسلحة بحرية عبر الحدود السورية التركية.
تحذر العديد من المنظمات الإنسانية من احتمال تعرض الملايين من الأرواح للخطر وتدفق موجة جديدة من اللاجئين إذا ما واصل النظام المضي قدما نحو شن الهجوم الشرس الذي يخطط له
حتى اللحظة الراهنة، لم تجد هذه النداءات أي آذان صاغية. فقد تعهد قادة “هيئة تحرير الشام” بمواصلة القتال حتى الموت، في حين أفاد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن “الجيش العربي السوري يستعد “لتطهير مهد الإرهاب” في إدلب. ومن جانبه، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مكتب إعلامي يتخذ من المملكة المتحدة مقرا له، أنه “بعد مرور ثلاثة أسابيع من الهدوء، نفذت الطائرات الروسية 30 غارة على حوالي 16 منطقة يسيطر عليها المتمردون في غرب إدلب، وجبال محافظة اللاذقية وسهل الغاب”.
بناء على ذلك، تحذر العديد من المنظمات الإنسانية من احتمال تعرض الملايين من الأرواح للخطر وتدفق موجة جديدة من اللاجئين إذا ما واصل النظام المضي قدما نحو شن الهجوم الشرس الذي يخطط له. ومن المتوقع أن يشمل هذا الهجوم تنفيذ ضربات جوية وتطبيق استراتيجية الحصار، ناهيك عن استخدام الأسلحة الكيميائية التي باتت أسلوبا عسكريا معهودا للنظام لانتزاع الأراضي من المتمردين.
كما من المحتمل أن تكون تركيا وجهة الكثير من السوريين، وهي التي سمحت منذ بداية الصراع في سنة 2011، بتدفق أكثر من 3.5 مليون لاجئ إلى أراضيها. لكن، أرهق اللاجئون كاهل الاقتصاد التركي، الذي شهد الكثير من الأزمات في السنوات الأخيرة. فقد خسرت الليرة التركية حوالي 40 بالمائة من قيمتها مقابل الدولار، وارتفع معدل التضخم إلى 17 بالمائة سنويا. ومع انهيار الشركات الصغيرة والمتوسطة بسبب الديون التي لا تقدر على سدادها، ارتفعت معدلات البطالة. وقد ساهم ذلك في تفاقم غضب الأتراك تجاه السوريين، الذين يُنظر إليهم على أنهم يسرقون الوظائف التركية في حين أنهم في واقع الأمر يتم استغلالهم كيد عاملة رخيصة.
نتيجة لذلك، اكتسح وسم “يا سوريون عودوا إلى دياركم” حسابات الأتراك على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، منذ ما يقرب من 48 ساعة وحتى اللحظة الراهنة، فضلا عن منشور آخر يقول “لا أريد إطعامك بالضرائب التي أدفعها للدولة”. لكن، ليس من الواضح ما إذا كانت المنشورات صادرة عن روبوتات تهدف إلى إحراج الحكومة بسبب سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها تركيا حيال اللاجئين السوريين الفارين من الحرب الدائرة في بلادهم، وفقا لما يزعمه بعض الصحفيين الموالين للحكومة.
لا يمكن لتركيا أن تتحمل تدفق موجة جديدة من اللاجئين التي من المحتمل أن تضم في صفوفها الكثير من الجهاديين. وفي هذه الحالة، تعد الخيارات المتاحة أمام تركيا محدودة
أما إذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن تؤثر الأطراف المحرضة المزعومة على مجريات الكثير من الأحداث في تركيا. وقد كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة إسطنبول بيلجي، برعاية صندوق مارشال الألماني، أن الموضوع الوحيد الذي يتفق عليه شعب تركيا هو الحاجة إلى عودة السوريين إلى ديارهم. وفي هذا السياق، صرح حوالي 83 بالمائة من المشاركين في الدراسة، الذين صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية (الذي يقوده الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان) بأنهم يعتقدون أنه يجب حث السوريين على مغادرة تركيا، وهي الخطوة التي أيّدها حوالي 92 بالمائة من مؤيدي حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي في البلاد.
من جانب آخر، يشير المحللون إلى أن تزايد العداء تجاه السوريين كان من بين الأسباب التي دفعت عددا كبيرا من ناخبي حزب العدالة والتنمية إلى الانضمام إلى حزب الحركة القومية اليميني المتطرف في الانتخابات البرلمانية التي عقدت في 24 حزيران/ يونيو. والجدير بالذكر أن حوالي 88 بالمائة من ناخبي حزب الحركة القومية الذي شاركوا في استطلاع الرأي الذي قامت به جامعة إسطنبول بيلجي كانوا يؤيدون عملية طرد السوريين خارج تركيا.
في سياق متصل، أكدت مديرة مجموعة الأزمات الدولية في تركيا، ديبا نيجار غوكسل، التي أجرت أبحاثا ميدانية مكثفة حول اللاجئين السوريين أن “أزمة الاستياء والسخط تجاه السوريين تتعمق”. كما أوضحت غوكسل في تصريحها لموقع “المونيتور” أنه “في جميع محافظات البلاد، حيث يستقر السوريون بأعداد كثيفة، يعاني المواطنون الأتراك من المشاكل الرئيسية التالية وهي الفصول الدراسية والمستشفيات المكتظة. فضلا عن البلديات غير القادرة على جمع القمامة بصفة مستمرة، وارتفاع احتياجات النقل العام، وتنامي أسعار الإيجار وتفاقم المنافسة في القطاع غير الرسمي في سوق العمل”.
في السياق ذاته، أردفت غوكسل أن “الشعور بانعدام الأمان في الساحات العامة يتفاقم بسبب اتجاه الشبكات الإجرامية نحو استغلال النساء والرجال السوريين في ارتكاب الجرائم على غرار السرقة، وتجارة المخدرات والدعارة. ولذلك، يوجه الأتراك أصابع الاتهام نحو السوريين بسبب مساهمتهم في الإخلال بالنظام العام والسلامة”.
سيكون للهجوم الذي سيشنّه النظام السوري، الذي يبدو ألا مفر منه الآن، التداعيات ذاتها على تركيا
من هذا المنطلق، لا يمكن لتركيا أن تتحمل تدفق موجة جديدة من اللاجئين التي من المحتمل أن تضم في صفوفها الكثير من الجهاديين. وفي هذه الحالة، تعد الخيارات المتاحة أمام تركيا محدودة. وقد أشارت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير لها تحت عنوان “إنقاذ إدلب من الدمار” إلى أن تركيا ترغب في القضاء التام على الجماعات الجهادية المتمركزة في إدلب. لكن، إذا حاولت شن هجوم على معاقل الجهاديين فيها، فإنها تخاطر بإثارة الفوضى على حدودها ووقوع أعمال انتقامية جهادية في المدن التركية.
في المقابل، سيكون للهجوم الذي سيشنّه النظام السوري، الذي يبدو ألا مفر منه الآن، التداعيات ذاتها على تركيا، حيث تنذر تحركات النظام في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في عفرين، ومنطقة درع الفرات، بحدوث ذلك. ولهذا السبب، تطالب تركيا بالحصول على المزيد من الوقت، علما وأن جهودها الرامية إلى حشد الفصائل المعتدلة من المتمردين ضد العناصر غير السورية في صفوف هيئة تحرير الشام وحلفائها، قد باءت بالفشل حتى هذه اللحظة.
من جهته، يشعر الاتحاد الأوروبي، الذي دفع مليارات من اليورو لتركيا لتصبح ملاذا لملايين اللاجئين الذين كانوا يحاولون شق طريقهم إلى أوروبا، بمدى خطورة الوضع. ومن المحتمل أن اهتمام الاتحاد الأوروبي بالوضع المالي المتعثر لتركيا نابع من مخاوفه من أن انعدام الاستقرار في تركيا من شأنه أن يقوض صفقة اللاجئين. ويجعل ذلك من المعركة من أجل إدلب بمثابة نقطة تحول في هذه الصفقة.
كما من المتوقع أن يمثل الملف السوري الموضوع الرئيسي في اللقاء الذي سيجمع بين أردوغان والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في برلين خلال الزيارة الرسمية التي من المقرر أن يؤديها الرئيس التركي إلى العاصمة الألمانية في 28 و29 أيلول/سبتمبر. وفي خضم كل المناورات الدبلوماسية، تستمر معاناة السوريين، على الرغم من تنامي ظاهرة “الملل” من الشعور بالشفقة تجاههم. وفي هذا الصدد، أفادت رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، سارة ليا ويتسون أن “وسائل الإعلام تواكب الواقع القاسي للحرب في سوريا”.
تساءل المخرج السينمائي السوري، حسام عبد الغني، الذي يعد لاجئا أيضا، حيث قال: “هل تعلم أن مدارسنا ستفتح أبوابها مرة أخرى؟ هل تعلم أننا سنعيد بناء سوريا؟ هل تعلم أن سماءنا ستصبح زرقاء في يوم من الأيام، وسيكون صباحنا دافئا ومشرقا؟”.
من خلال رسالة إلكترونية لموقع “المونيتور”، أضافت ليا ويتسون أن “ما يهم بدرجة قليلة أولئك الذين في السلطة يتمثل في ملايين السوريين الذين دُمرت حياتهم، والبلد الذي يعيش في حالة من الفوضى، وتبخر حلمهم برؤية سوريا حرة وديمقراطية. أما ما يهم أصحاب السلطة، ووسائل الإعلام التي تكتب عن الوضع السوري من منطلق الواجب، بشكل كبير، فهو التدافع من أجل السيطرة والتأثير على ما تبقى من سوريا”.
في مقال لاذع تطرق إلى الحالة البائسة التي آل إليها مصير السوريين، فضلا عن شجاعتهم، نشرته وكالة “سينابز” على موقعها الإلكتروني، التي تتخذ من بيروت مقرا لها، والتي تعتمد على شبكة واسعة من الصحفيين المواطنين، كُتب أن “السوريين أظهروا براعة لا هوادة فيها في التكيف مع كل مرحلة من مراحل الصراع البشع. بالإضافة إلى إنقاذ بقايا كرامتهم، وحس التضامن والحيوية التي أبدوها في خضم هذه الظروف المروعة”.
لكن أفضل ما قيل في هذا السياق كان من قبل المخرج السينمائي السوري، حسام عبد الغني، الذي يعد لاجئا أيضا، حيث تساءل: “هل تعلم أن مدارسنا ستفتح أبوابها مرة أخرى؟ هل تعلم أننا سنعيد بناء سوريا؟ هل تعلم أن سماءنا ستصبح زرقاء في يوم من الأيام، وسيكون صباحنا دافئا ومشرقا؟”.
المصدر: المونيتور