في خطوة غير مسبوقة بدولة خليجية، أجرت دولة قطر تعديلات جديدة في قوانين العمل والاستثمار والإقامة تصب في مصلحة المقيمين والعمال والأجانب، حيث أصدر الأمير تميم بن حمد بن آل خليفة مراسيم تقضي بحفظ حقوق اللاجئين والوافدين إليها، من أهمها حق اللجوء السياسي.
وإلى جانب القانون الذي ينظم عملية اللجوء السياسي، أصدر أمير قطر القانون رقم 10 لسنة 2018 بشأن الإقامة الدائمة في البلاد، والقانون رقم 13 لسنة 2018 الخاص بتعديل بعض أحكام القانون رقم 21 لسنة 2015 بشأن تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم في أراضي قطر.
وتأتي المصادقة على هذا القانون في سياق محلي يرتبط بظروف الحصار الذي تفرضه على قطر كل من السعودية والإمارات والبحرين، وما تتناقله وسائل الإعلام المختلفة عن تعرض مقيمين في إحدى هذه الدول لمضايقات قانونية، وما تبعها من زيادة الرسوم لتجديد إقاماتهم وإقامات من هم على كفالتهم، وهو ما دفع الآلاف منهم إلى المغادرة.
الأجانب في قطر.. قوانين جديدة
تلقى الشارع القطري مصادقة مجلس الوزراء على مشروع قانون بطاقة الإقامة الدائمة لغير القطريين بترحيب وارتياح كبيرين، بعد أن ظل القانون طيلة السنوات الماضية مثار نقاش مجتمعي مفتوح بين مختلف الفئات، خاصة فيما يتعلق بأبناء القطريات الذين كان لهم مطلب قديم بضرورة سن تشريعات تساوي بينهم وبين المواطنين القطريين.
أمير البلاد المفدى يصدر القانون رقم 13 لسنة 2018، بتعديل بعض أحكام القانون رقم/ 21/ لسنة 2015 ، بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم.
— وكالة الأنباءالقطرية (@QatarNewsAgency) September 4, 2018
كما أخذ هذا المطلب وحده حيزًا مهمًا ضمن التقارير الدورية التي أصدرتها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة قطر بالسنوات الماضية، فقد ظلت تدعو إلى تبني مقاربات شمولية في التعامل مع أبناء القطريات، وسن تشريع يحقق الأمان النفسي لهم، واعتبارهم كاملي المواطنة، لأن هذا سيعود بالفائدة على الأجيال المقبلة.
وخص القانون ثلاث فئات بالحق في التمتع بالإقامة الدائمة، وهم أبناء المرأة القطرية المتزوجة من غير قطري، وكذلك زوج القطرية غير القطري، وزوجة القطري غير القطرية، وأولاد القطريين بالتجنس، يضاف إلى ذلك أولئك الذين أدوا خدمات جليلة للدولة، وذوو الكفاءات الخاصة التي تحتاجها الدولة.
ونص القانون الخاص بالإقامة الدائمة “الغرين كارد القطري” على منحها لمَن أقام 20 سنة في قطر إذا كان غير مولود فيها، و10 سنوات للمولودين فيها، شريطة أن تكون الإقامة متتالية وسابقة على تاريخ طلب التصريخ بالإقامة الدائمة، وألا يكون المتقدم بالطلب قد غادرها لأكثر من 60 يومًا في السنة الواحدة.
يرى قانونيون وخبراء أنه يمثل قفزة تشريعية ستمكن من تعزيز المكتسبات في مجال حقوق الإنسان
وبموجب هذا القانون يكون الترخيص بالإقامة الدائمة لعدد لا يزيد على 100 شخص في السنة، ويجوز بموافقة الأمير زيادة العدد المنصوص عليه لكل سنة على حدة، وستشكل لجنة دائمة بوزارة الداخلية تسمى “لجنة منح بطاقة الإقامة الدائمة”، للنظر في طلبات منح بطاقة الإقامة الدائمة وفقًا لأحكام هذا القانون.
ومن أبرز الامتيازات التي سيحصل عليها حاملو البطاقة الدائمة، الحق في العلاج والتعليم في المؤسسات الحكومية داخل قطر، والاستثمار في جميع القطاعات بالدولة دون شريك قطري، كما يمنحون الأولوية في التعيين بعد القطريين في الوظائف العامة العسكرية والمدنية، كما تمكن البطاقة حاملها من تملك العقارات للسكن والاستثمار، وفقًا للشروط والضوابط التي يحددها قرار من مجلس الوزراء.
ويرى قانونيون وخبراء أنه يمثل قفزة تشريعية ستمكن من تعزيز المكتسبات في مجال حقوق الإنسان، ويتوق آخرون في قطر إلى رؤية تطبيق أمثل لهذا التشريع المتقدم محليًا وخليجيًا حسب رأيهم، خاصة أن مقاربته جمعت بين الجوانب الإنسانية وتطوير المنظومة القانونية في مجالي التملك والاستثمار.
وفي خطوة أخرى من شأنها تعزيز المنظومة القانونية لدولة قطر، ورفع مستوى الأداء في مختلف المجالات، عدّلت قطر أيضًا قوانين الإقامة للسماح لمعظم العمال الأجانب بمغادرة البلاد من دون الحصول على تصاريح للمغادرة من كفلائهم كما كان يحدث في السابق، وهو أمر تطالب به جماعات مهتمة بحقوق العمال منذ فترة طويلة.
يسمح القانون لمعظم العمال الأجانب بمغادرة البلاد من دون الحصول على تصاريح للمغادرة من كفلائهم
وبحسب بيان لوزير التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية عيسى النعيمي، سيكون لصاحب العمل الحق في مطالبة ما يصل إلى 5% من العاملين في مؤسسته بالحصول على أذون لمغادرة البلاد على أن يقدّم قائمة بأسمائهم إلى الحكومة القطرية مع مبررات للطلب معتمدة على طبيعة أعمالهم في المؤسسة.
وكانت قطر قد ألغت عام 2015 نظام الكفالة، ودخل القانون الذي أصدرته بشأن تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم حيز التنفيذ في ديسمبر 2016، ويلغي هذا القانون رقم (21) لسنة 2015 الذي أصدره أمير البلاد نظام الكفالة الحاليّ، ويضمن مرونة وحرية وحماية أكبر لأكثر من 2.1 مليون عامل وافد في الدولة.
ورحّبت منظمة العمل الدولية بخطوات تنظيم دخول الوافدين وخروجهم، وكذلك قانون الإقامة، وعدت المنظمة القانون الجديد دليلاً على حرص قطر على حماية العمال ورعايتهم، كما اعتبرته “خطوة مهمة” اتخذتها قطر التي تعهدت العام الماضي بتطبيق إصلاحات شاملة في أنظمة العمالة تتضمن تغييرات في نظام تأشيرات الخروج.
وأشادت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بمصادقة مجلس الوزراء القطري على مشروع قانون بطاقة الإقامة الدائمة لغير القطريين، ورأت أن هذه الخطوة سترسخ المكتسبات التي حققتها قطر في مجال حقوق الإنسان بشكل أكبر، حيث سيمنح هذا القانون للمتمتعين بأحكامه عددًا من الحقوق والامتيازات ومعاملتهم معاملة المواطنين في عدد من المجالات.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة محاولة من قطر لتشجيع أصحاب الخبرات على التوجه إليها بعد الأزمة الخليجية، وكانت الدوحة قد أعلنت بعد الأزمة الخليجية مباشرة إعفاء مواطني العديد من الدول من تأشيرة الدخول، كما أنها خطوة لدحر الانتقادات التي تكيلها لها دول الحصار فيما يتعلق بتعاملها مع مسألة العمالة الأجنبية.
تبدو القوانين في الدول المجاورة “مجحفة”، فالسلطات السعودية تمنح الإقامة ورخصة العمل للمقيم على أراضيها، لقاء رسوم تصل قيمتها الإجمالية إلى نحو 800 دولار
في المقابل، تبدو القوانين في الدول المجاورة “مجحفة”، فالسلطات السعودية تمنح الإقامة ورخصة العمل للمقيم على أراضيها، لقاء رسوم تصل قيمتها الإجمالية إلى نحو 800 دولار، فإدارة الهجرة في وزارة الداخلية السعودية تفرض على طالب الإقامة للمرة الأولى، القيام بفحوص طبية تصل قيمتها إلى نحو 400 دولار.
أما الإمارات فقد بدأت بتطبيق نظام جديد للإقامة عام 2014، فرفعت تكاليف إقامة العاملين حيث تفرض وزارة الداخلية على الراغب في الحصول على الإقامة في الإمارات، القيام بفحوص طبية في بلده كلفتها ما يقارب 500 دولار، وإعادتها فور الدخول إلى الدولة لقاء نحو 250 دولارًا”.
اللجوء السياسي.. التشريع الأول من نوعه في المنطقة
إلى جانب القوانين التي تنظم دخول وخروج الوافدين والإقامة الدائمة، أصدر أمير قطر القانون رقم 11 لسنة 2018 بهدف تنظيم عملية منح اللجوء السياسي لبلاده، وتحظر المادة 58 من دستور قطر تسليم اللاجئين السياسيين، على أن يحدد القانون شروط منح اللجوء السياسي في البلاد.
أمير البلاد المفدى يصدر القانون رقم 11 لسنة 2018، بتنظيم اللجوء السياسي. pic.twitter.com/Xf8HzaPEtk
— وكالة الأنباءالقطرية (@QatarNewsAgency) September 4, 2018
وعن تفاصيل القانون، قال مدير تحرير صحيفة “العرب” القطرية جابر المري، في لقاء تليفزيوني، إن القانون اشترط على المتقدم بطلب اللجوء السياسي ألا يكون سبق أن ارتكب جريمة حرب وألا يمارس نشاطًا سياسيًا داخل الدولة، ولا يحمل أكثر من جنسية، وفي حال خالف اللاجئ السياسي هذا القانون يحق له الذهاب إلى دولة لا تمثل تهديدًا لحياته، كما ذكر الإعلامي القطري.
ويتمتع اللاجئ السياسي في قطر بموجب هذا القانون بحماية الأجهزة السيادية في البلاد، والحصول على وثيقة سفر تمكنه من السفر إلى أي مكان، والحصول على الرعاية الصحية الكاملة، على أن تُشكَّل لجنة من وزارة الداخلية القطرية وبعض الجهات المنوط بها لاستقبال طلبات اللجوء السياسي.
النظر إلى القوانين الجديدة التي أصدرها أمير دولة قطر، في الـ4 من سبتمبر، قد لا يكون ممكنًا، بعيدًا عن الأزمة الخليجية التي دخلت عامها الثاني، حيث يقول مراقبون إنها مرتبطة بتعامل الدوحة مع المعارضين السعوديين والإماراتيين والبحرينيين الذين يفرّون إليها، وكان تسليمهم أحد المطالب التي تقدمت بها الدول التي قاطعتها لحل الأزمة الخليجية.
ومنذ 5 من يونيو الماضي، قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرضت عليها حصارًا بدعوى “دعمها للإرهاب”، والتودد إلى منافستها إيران، لكن الدوحة تنفي بشدة هذه الاتهامات، وتتهم رباعي الحصار بالسعي إلى “فرض الوصاية على قرارها الوطني”.
يتحدث حقوقيون عن أن الدول الخليجية تستغل اللاجئين لأسباب سياسية أكثر منها إنسانية
ويتحدث حقوقيون عن أن الدول الخليجية تستغل اللاجئين لأسباب سياسية أكثر منها إنسانية، على سبيل المثال، وفيما وُصف وقتها بمحاولة قطرية لمصالحة السعودية، سلّمت الدوحة المعارض السعودي محمد العتيبي إلى الرياض في 25 من مايو 2017، بحسب ما أكدته منظمة “هيومن رايتس ووتش”، وكان العتيبي قد فر إلى قطر في مارس من العام الماضي، على خلفية اتهامات سعودية له متصلة بعمله في مجال حقوق الإنسان، واعتبرت المنظمة وقتها أن إعادة قطر له تنتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية.
وفي يناير الماضي، قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن بلاده رفضت تسليم زوجة معارض إماراتي لدولة الإمارات، وبحسب ما قاله الوزير القطري، فإن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد أرسل مبعوثًا إلى أمير قطر وطلب منه تسليم السيدة، لكن الأمير رفض ذلك، وأضاف أن أمير قطر أبلغ المبعوث الإماراتي بأن المرأة ليست مطلوبة في جرم جنائي، وتسليمها “مخالف للدستور القطري وللقانون الدولي الإنساني وللأخلاق والتقاليد العربية”، على حد تعبيره، لكن لم تؤكد الإمارات هذه الرواية ولم تنفها.
وفي واقعة أخرى، روت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تقرير لها، تفاصيل لجوء الشيخ راشد بن حمد الشرقي إلى قطر صبيحة يوم 16 من مايو/أيار الماضي، وفضحه الضغائن العائلية بين حكام الإمارات، حيث كان من المفترض أن يصبح راشد بن حمد وليًا للعهد في الفجيرة، لكن علاقته السيئة بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد منعت ذلك.
ومنذ الأزمة الخليجية، تهتم وسائل الإعلام في دول الأزمة الخليجية بتغطية أي تصريحات لمعارضي أي من هذه الدول، كما تستضيف بعضهم على شاشاتها، وهو ما لم يكن يحدث، على الأقل بهذه الوتيرة، في السنوات التي سبقت الأزمة الخليجية.
لماذا لا تمنح دول عربية أخرى حق اللجوء السياسي؟
جابر بن ناصر المري @JnAlMarri عن قانون اللجوء السياسي:
– لجنة مشكلة من الداخلية وبعض الجهات هي المنوط بها تقديم اللجوء
– من شروطه (ألا يكون سبق وارتكب جريمة حرب – لا يحمل أكثر من جنسية – ألا يمارس نشاطًا سياسيًا داخل الدولة)
– سيكون له وثيقة سفر وستتم حمايته ويحظي بالرعاية الصحية pic.twitter.com/tcmdig9wIs
— صحيفة العرب (@AlArab_Qatar) September 4, 2018
رحّبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة قطر بقانون تنظيم اللجوء السياسي، ووصفته بأنه يضع دولة قطر موضع السبق والريادة في منطقة الخليج والمنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، “حيث يعد هذا التشريع الأول من نوعه في المنطقة”.
ويرجع انعدام اللجوء السياسي في دول الخليج إلى ارتباطه ارتباطًا وثيقًا بالنظام السياسي للدولة من جانبي طالب اللجوء ومانحه، وقد يفسر ذلك انعدامه في بعض الدول العربية أيضًا، حيث تكبت الحريات وتقيد، وتغيب الحقوق السياسية فيها ويجرم الحديث بشأنها، وبالتالي تقل وتيرة اللجوء السياسي إليها، بل ويتجه مواطنوها إلى البلد الذي يأويهم وأسرهم ويوفر لهم الملاذ الأمن من البطش والاضطهاد.
وعادة ما تتجه أنظار طالبي اللجوء السياسي إلى الدول ذات الأنظمة الديمقراطية، لاعتقادهم الجازم أن ديمقراطية النظام السياسي هي الضمانة الأساسية لهم الذي يقيهم شرور الاضطهاد وقضبان المعتقلات، حيث تتضاءل فيه احتمالات استخدامهم ورقة للمساومات السياسية وتحقيق المكاسب.
الدساتير العربية قلما تعالج موضوع حق اللجوء السياسي صراحة، رغم أهميته، ربما لخشيتها من اتجاه أنظار طالبي اللجوء صوبها
كما أن الدساتير العربية قلما تعالج موضوع حق اللجوء السياسي صراحة، رغم أهميته، ربما لخشيتها من اتجاه أنظار طالبي اللجوء صوبها، إذ غالبًا ما يكون منح هذا الحق سبًبا لإحراجها أمام دولة طالب اللجوء، فموقف دول الحصار من تيارات الإسلام السياسي وثورات الربيع العربي خير دليل على ذلك.
ويعرّف اللجوء السياسي وفقًا للقانون الدولي أنه الحماية التي توفرها الدولة لمواطن أجنبي ضد دولته الأصلية، ولا يعتبر هذا الحق إجباريًا لتحقيقه في حالة المطالبة به، أي أن للدولة الحق في الموافقة عليه أو رفضه.
ويُمنح اللجوء السياسي، للقادة المنشقين عن حكوماتهم أو جيوشهم والناشطين السياسيين والدبلوماسيين والحقوقيين والصحافيين والكتاب والمدونين، ويشترط في هؤلاء أن يكونوا ملاحقين من حكوماتهم الرسمية فقط بسبب آرائهم السياسية والحقوقية، وكذلك ممن سبق لهم أن تعرضوا للتعذيب والسجن بسبب توجهاتهم السياسية أو دفاعهم عن حقوق لإنسان.
ويحظى اللاجئون السياسيون بمجموعة من الامتيازات يتميزون بها عن ملتمسي اللجوء الإنساني، حيث يحق لهم الحصول على الحماية الأمنية تجنبًا للاغتيال، ويحصلون على جنسية البلد المضيف في مدة أقل من اللاجئين الإنسانيين، ويستفيدون من مساعدات مالية أعلى قيمة، لكنهم يمنعون من زيارة بلدانهم الأصلية قبل حصولهم على الجنسية.