في ظل التداخل التكنولوجي الكبير في تفاصيل حياتنا، أصبح اعتمادنا اليومي يرتكز على المنصات الذكية وما تقدمه لنا من خدمات سريعة ودقيقة لنا، ومن أهمها تطبيقات وسائل النقل التي نجحت بشكل سريع في لفت أنظار المستخدمين إلى أدائها الذاكي ونجاحها في تخطي الأزمات المرورية في دول كثيرة حول العالم، خلال ساعات الذروة وحالات الطقس السيئة والطرق المعزولة.
بدأت هذه الفكرة من شركة “أوبر” الأمريكية التي غيرت مفهوم النقل العام؛ مركزةً على ما يريده الناس خلال تحركاتهم وتنقلاتهم من مكانٍ إلى آخر، ولذلك قدمت لهم الأمان والأمانة والسرعة والنظافة بطريقة عصرية وملائمة لتوقعاتهم، وبعد نجاحها في كسب انتباه الناس، ظهرت عدة شركات أجنبية في دول أخرى مثل الصين وتركيا، إضافة إلى المنطقة العربية التي شهدت خروج عدة مشاريع ريادية لحقت بهذه الموجة، أكثرها شهرة وقدمًا شركة كريم الإماراتية، ولكن في هذا التقرير نستعرض أجدد هذه الشركات الناشئة في دول عربية أخرى.
“تكسي ريم” في العراق
تأسست هذه الشركة العام الماضي ٢٠١٧ في العاصمة العراقية بغداد؛ موفرةً خدمة نقل ذات مستوى عالٍ من الأمان والسرعة والراحة، لكنها تعمل حاليًا فقط داخل بغداد على أمل أن تتوسع رحلاتها إلى المحافظات الأخرى، ومع ذلك فقد استطاعت أن توظف عددًا لا بأس به من الشباب العراقي خلال الركود الاقتصادي التي تعيشه البلاد بسبب الأزمات السياسية والحروب المتتالية على أراضيها.
تتميز هذه الخدمة العراقية بكثرة الخيارات المتوفرة أمام العميل، إذ يمكنه اختيار نوع السيارة وحجمها والطريق الذي تسلكه، وكل ذلك بأسعار مناسبة ومعقولة، بحسب ما يرى ذلك العراقيون.
تصميم التطبيق وبرمجته تمت بأيدٍ عراقية شابة ما يجعلها أكثر تخصصًا وتلائمًا مع حاجة المجتمع والسوق العراقي
وفيما يتعلق بمنافسة الشركات الأجنبية الأخرى مثل “أوبر” في العراق، يقول الرئيس التنفيذي للشركة عبد العليم حميد إنه “بالرغم من كثرة التطبيقات التي تعالج خدمة التاكسي الذكي والمتوفرة في متاجر الهواتف الذكية، لكن القليل منها من يقدم أفكارًا متميزة ومعالجات غير تقليدية تتناسب مع طبيعة ومتطلبات السوق العراقي، فمن هنا جاءت فكرة تقديم تطبيق ريادي للمستخدم العراقي يمتاز بالسهولة ومرونة الاستخدام”، مشيرًا إلى أن تصميم التطبيق وبرمجته تمت بأيدٍ عراقية شابة ما يجعلها أكثر تخصصًا وتلائمًا مع حاجة المجتمع والسوق العراقي.
“تكسي دهاوي” في الصومال
عانت هذه البلاد لسنوات طويلة من الحروب والنزاعات السياسية والأزمات الإنسانية، وبالرغم من ذلك نجحت الصومال في تخطي كثير من الصعاب السياسية والاقتصادية والتنموية والتعليمية، كما أدخلت نفسها إلى فضاء التكنولوجيا بسرعة كبيرة أيضًا. وضمن هذا التطور التكنولوجي، ظهرت في الصومال شركة نقل عبر تطبيق ذكي هذا العام، وهي “دهاوي” والتي تعني بالعربية “تيسير”. وكغيرها من التطبيقات الحديثة تعرض هذه الخدمة معلومات السائق كاملة وتعتمد على خريطة الطريق التي يمكنها مشاركتها أيضًا مع الأصدقاء والأقارب لزيادة مستوى الأمان.
كما يميزها الأسعار المنخفضة والأحجام المختلفة التي تناسب جميع العائلات بمختلف أعداد أفرادها، كما تقول الشركة. وبحسب الإحصائيات الأولية فإن نحو 7 آلاف مواطن بدأوا في استخدام هذا التطبيق، وتنقل نحو 500 شخص يوميًا في جميع أنحاء العاصمة مقديشو.
لكن هذا المشوار لا يخلو من التحديات، إذ تجد السيارات هناك صعوبة في تحديد بعض المناطق والشوارع في العاصمة، عدا عن الاتهامات التي تتعرض لها الشركة بسبب تهديدها لوجود سيارات الأجرة التقليدية، والعربات الشعبية الأخرى مثل “التوك توك” والباصات الصغيرة “مكروبوس”.
“تطبيق ترحال” في السودان
بدأ هذا المشروع في عام 2016 على يد مجموعة من الشباب السوداني الذين اجتمعوا لمدة شهر كامل لبلورة الفكرة ودراسة السوق السوداني ومدى تقبله وتفاعله مع هذه الفكرة، وعندما تم تنفيذ هذه الخطة حظي التطبيق بإقبال وتفاعل كبير من المجتمع السوداني، ويؤكد ذلك أحد مؤسسي المشروع محمد الزاكي قائلًا: “تم تحميل التطبيق من قبل ألفي مستخدم في أقل من شهرين من إطلاق المشروع”.
وكغيرها من المشاريع الناشئة، واجه تطبيق “ترحال” عدة تحديات وصعوبات مختلفة، كان أهمها قلة السيارات المشتركة في البداية، إذ ابتدأ المشروع بـ 3 سيارات فقط، فلم تستطع الشركة الموازنة ما بين الطلب والعرض، ولكنها تدريجيًا كسبت حوالي 150 سيارة جديدة خلال العام الأول واستطاعت أن تخدم أكبر شريحة ممكن من العملاء.
تعرضت “ترحال” إلى تهديدات خطر التوقف عن العمل بعدما قالت النقابة العامة أن هذه السيارات تزيد من الازدحامات المرورية وتستنزف وقود الدولة، عدا عن أنها غير مرخصة
وبالرغم من أن تكسي “الترحال” يعتبر الحل المثالي للطقس الحار في السودان والطريقة الأضمن لاختصار وقت الانتظار تحت الشمس بسبب سياراتها المكيفة والمريحة، إلا أن الدولة تعطي الأولوية للمركبات العامة على حساب سيارات النقل الخاصة والذكية، فلقد تعرضت الشركة إلى تهديدات خطر التوقف عن العمل بعدما قالت النقابة العامة إن هذه السيارات تزيد من الازدحامات المرورية وتستنزف وقود الدولة، عدا عن أنها غير مرخصة، لذلك بقي مستقبلها محصورًا بقرارات الهيئة النقابية السودانية التي قد تلغيها بسبب منافستها لسيارات الأجرة التقليدية وتسببها في حدوث مشاكل أمنية، بحسب وصفها.
يعمل في “ترحال” نساء أيضًا يقدمن خدمة التنقل الخاصة للمرأة السودانية
من المثير للإهتمام في هذا التطبيق أيضًا، أنه وفر خدمة باسم “ترحال نواعم” لتشغيل النساء السودانيات كسائقات مساهمات في توسيع المشروع، وبالرغم من نظرة المجتمع الاستنكارية لهذه الوظيفة إلا أن الشركة استطاعت أن توفر فرص عمل لنحو 10 آلاف امرأة، ما يدلل على التفاعل الكبير مع هذه الميزة من قبل المجتمع السوداني، وهو مجتمع محافظ بطبيعة الحال، وستجد فكرة كهذه إقبالًا كبير من النساء السودانيات، وهي أن يستقلن سيارة أجرة تقودها إمرأة وليس رجلًا.
إلى ذلك، وبالرغم من عدم وجود أرقام واضحة ودقيقة حول رؤوس أموال هذه الشركات الناشئة أو أرباحها، إلا أنها تعد خطوة جوهرية بالنسبة إلى المنطقة العربية في فضاء التكنولوجيا وتحديدًا قطاع النقل الذكي، ومن المهم الإشارة إلى أن عالم الأعمال والتقنية يحمل فرصًا هائلة لكل ريادي بغض النظر عن الظروف السياسية والاقتصادية في أي بلدٍ.