يعود التصعيد مجددًا إلى مناطق ريف حلب الشمالي بسبب الصراعات بين فصائل الجيش الوطني نتيجة التحالفات المتغيرة، هذه المرة جاءت الشرارة من بيان عن وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة يقضي بحل لواء “صقور الشمال”.
قرار حل هذا الفصيل، الذي يعمل ضمن صفوف الجيش الوطني، أثار موجة من الاصطفافات الفصائلية في شمال وشرق حلب ضد قرارات وزارة الدفاع، مما أدى إلى تصعيد عسكري يلوح باندلاع مرحلة جديدة من الصراع بين الفصائل المتنافسة.
ورغم أن قرار حل “صقور الشمال” جاء في إطار إعادة هيكلة الجيش الوطني، إلا أن انضمامه إلى صفوف “الجبهة الشامية”، التي تُعد من أبرز فصائل الشمال السوري منذ تأسيسها عام 2014، فتح الباب لتصعيد بين تحالفين متنافسين.
التحالف الأول يضم “الجبهة الشامية” و”صقور الشمال”، في مواجهة تحالف “القوة المشتركة”، الذي يضم فرقتي “الحمزة” و”السلطان سليمان شاه” بالإضافة إلى وزارة الدفاع، ما ينذر بمواجهة جديدة على النفوذ والموارد في منطقة عفرين، المعروفة باسم “غصن الزيتون”.
تقليص وإعادة هيكلة
في 17 سبتمبر/أيلول الجاري، أصدرت وزارة الدفاع بيانًا أعربت فيه عن امتنانها لجهود لواء صقور الشمال، معلنةً حله، وتكليف القوى البشرية والمعدات اللوجستية التي يمتلكها ضمن مؤسسات وفصائل مختلفة، وكلفت نائب وزير الدفاع العميد، عدنان الدياب، قائدًا عامًا خلال مرحلة الدمج مع فصائل أخرى، عوضًا عن القائد العام، حسن خيرية، نتيجة تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المشفى.
بيان حل لواء صقور الشمال من قبل وزارة الدفاع ضمن الحكومة السورية المؤقتةبيان الوزارة أرجعت قرار الحل إلى إعادة هيكلة الجيش الوطني وفق خطة إصلاحية شاملة منذ عامين، وكشف مصدر عسكري، أن الخطة الإصلاحية تهدف إلى حل الفصائل العسكرية ذات الأعداد القليلة، بينما تستهدف الخطوة التالية الفصائل ذات الأعداد الكبيرة، بهدف التخلص من الحالة الفصائلية المبنية على أساس عائلي ومناطقي ضمن فصائل الجيش الوطني.
وقال المصدر، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ”نون بوست”: إن “الخطة تهدف إلى تشكيل جيش وطني واقعي وحقيقي عبر تحويل الفصائل العسكرية إلى فرق تعداد كل منها بين 1500 و2000 عنصر، بحيث لا يبقى للفرق صلة عضوية ببعضها إلا عبر رئاسة الأركان أو وزارة الدفاع، أما الفيالق ستكون شكلية، كون الفرق هي الفاعل الأساسي على الأرض”.
وأضاف أن “وزارة الدفاع طلبت من فصائل عدة حل نفسها والانخراط ضمن فصائل أخرى بينها لواء الشمال ولواء صقور الشمال، وفرقة المعتصم التي طُلب منها أيضًا الانضمام إلى فرقة الحمزة، لكنها فضلت الانضمام إلى الجبهة الشامية، دون البت في موضوعها حتى اللحظة”.
وجاء قرار هيكلة الجيش الوطني بناءً على اجتماع عسكري ضم قادة الفصائل في غرفة عمليات حوار كلس، وهي غرفة عمليات عسكرية تدير تركيا من خلالها مناطق نفوذها في ريف حلب الشمالي.
وتمتد الخطة الإصلاحية لعدة أشهر، حسب المصدر الذي استبعد تسليم الضباط المنشقين عن نظام قيادة الفرق العسكرية، وإنما “هي محاولة تنظيمية تبدو صعبة جدًا في ظل الخلافات الفصائلية المبنية على المصالح والموارد والنفوذ الجغرافي المناطقي”.
وتسعى تركيا عبر وزارة الدفاع إلى تقليص عدد الفصائل العسكرية في الجيش الوطني، وجعلها ضمن أربعة أو خمس تشكيلات عسكرية رئيسية، أبرزها: الجبهة الشامية والقوة المشتركة وفرقة السلطان مراد وحركة التحرير والبناء، حسب مصادر تحدثت إلى موقع “تلفزيون سوريا”.
تمرد.. وصدام وشيك
لم يلقَ قرار وزارة الدفاع بحل لواء “صقور الشمال” قبولاً لدى قائده، حسن خيرية، الذي سارع إلى إعلان اندماجه ضمن صفوف “الجبهة الشامية”، بعد اجتماع عاجل مع قائد الفصيل، أبو العز سراقب، في القيادة العامة بالقرب من معبر باب السلامة الحدودي والذي رحب بانضمام “الصقور” إلى فصيله.
بدوره، أعلن خيرية تمرده على قرار وزارة الدفاع، بعد أن اتضح أن الهدف منه هو توزيع كوادر ومعدات اللواء اللوجستية على عدة فصائل، من بينها “فرقة السلطان مراد”، و”القوة المشتركة”، بالإضافة إلى “ألوية حرس الحدود”، مما يعني إقصاء قيادة الفصيل الحالية من المشهد.
أثارت خطوة الاندماج ردود فعل قوية من قبل عدة فصائل، وخاصة فرقتي “الحمزة” و”السلطان سليمان شاه” (العمشات)، اللتين أعلنتا الاستنفار في قطاعاتها بمدينة عفرين، في المقابل، عززت “الجبهة الشامية” مواقعها العسكرية على مداخل مدينة أعزاز وصولاً إلى كفر جنة بريف حلب، فيما قام لواء “صقور الشمال” بتعزيز مواقعه في عفرين، بهدف الحفاظ على المناطق التي يسيطر عليها.
منذ الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول الجاري، تشهد المنطقة حالة من الاستنفارات والتعزيزات العسكرية المتواصلة، مع قطع الطرقات الواصلة بين عفرين وأعزاز وإدلب، ما أدى إلى نصب حواجز عسكرية، وسط رسائل متبادلة بين الأطراف تخللتها اشتباكات محدودة وإطلاق نار متبادل، خاصة بعد رصد تحركات “القوة المشتركة” التي بدأت في رفع سواتر ترابية حول مقارها العسكرية.
إلى جانب ذلك، سعى كل طرف إلى تسويق روايته الخاصة عبر وسائل الإعلام الرديفة، مما زاد من حدة التصعيد بين الفصائل المتنازعة.
ورُصدت تحركات عسكرية تركية في منطقة عملية “غصن الزيتون”، حيث نشر الجيش التركي دبابات على معبر الغزاوية، الذي يفصل بين مناطق سيطرة “الجيش الوطني” في شمال وشرق حلب، ومناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” في إدلب، بالإضافة إلى منطقة كفر جنة، مما يزيد من غموض المشهد الميداني.
ووفقًا لمصادر متطابقة، عقد الجانب التركي اجتماعًا مع ممثلين من “الجبهة الشامية” في حوار كلس، بهدف دفعهم للامتثال لقرارات وزارة الدفاع، إلا أن “الشامية” رفضت التراجع عن قرار انضمام “صقور الشمال”، مؤكدة أن اللواء أصبح جزءًا لا يتجزأ من مكوناتها، وأنها لن يتخلى عن عناصره، ولن تترك الفصيل فريسة للفصائل التي تسعى للتخلص من أحد الفصائل الوطنية الثورية.
وأرجع العميد ومدير مركز رصد للدراسات الاستراتيجية، عبد الله الأسعد، سبب الحشود والتوترات العسكرية إلى عدم رضى الفصائل في تقبل القرارات التنظيمية من وزارة الدفاع، لأن “حب النفوذ والسيطرة الجغرافية على الموارد ما زال موجودًا، والفصائل تبحث عن الأجدر والأقدر على القيادة بما يخص القوة والمصلحة، وليس الهيكل التنظيمي”.
وقال الأسعد خلال حديثه لـ”نون بوست”: إن “تركيا ترغب في جعل هيكلة الجيش الوطني بعيدًا عن المناطقية والقربة والمحسوبيات والعشائرية، وهذا ما يجب بالفعل على أساس انتماء وطني سوري، دون السماح للفصائل بالانضمام لبعضها الآخر دون علم وزارة الدفاع، حتى لا تكون هناك تشكيلات عسكرية قوية على حساب الأخرى”.
وأضاف: “مسألة تعيين قائد الفصيل يجب أن تكون بقرار من وزارة الدفاع، أو رئاسة الأركان، وليس بيد مجموعة مناصرة تدعم بقاء قائد دون إمكانية أن يقود الفصيل شخص آخر، وهذا ليس من صفات أي جيش، لأنه يجب أن يكون هناك قيادة موحدة كرئاسة الأركان وعلى كل تشكيل أو قطعة عسكرية الالتزام بالقرارات الصادرة عنها وعن الوزارة”.
واستبعد العميد التصعيد العسكري بين الفصائل، لأن جميعها تبحث عن التهدئة، لكن الأفعال الميدانية على الأرض غير مبشرة ضمن المدى المنظور، مؤكدًا أنه على المدى البعيد يجب أن يكون لدى “الجيش الوطني” استراتيجية عسكرية واضحة تهدف إلى التصدي لنظام الأسد بالدرجة الأولى، وكل ما يجري هي تصرفات لا انضباطية وغير عسكرية ضمن مكونات الجيش.
تاريخ العداء
يسيطر لواء “صقور الشمال” على قطاعات واسعة ضمن منطقة عملية “غصن الزيتون”، ما يعني أنه فرصة مهمة للجبهة الشامية، ويعد بوابةً بهدف استعادة القطاعات العسكرية التي خسرتها قبل عامين لصالح فرقة السلطان سليمان شاه (إحدى فصائل القوة المشتركة) بعد دعم غير مباشر من “هيئة تحرير الشام”، ما أدى إلى انسحاب الفيلق الثالث/الشامية إلى منطقة أعزاز.
وبدأت حالة العداء بين “المشتركة” و”الشامية” عقب حادثة اغتيال الناشط الإعلامي أبو غنوم وزوجته في مدينة الباب شرق حلب منتصف العام 2022، وثبوت تورط فرقة الحمزة في قضية الاغتيال، والتي استغلتها الأطراف الفصائلية في إطار التنافس الداخلي على النفوذ والموارد الاقتصادية.
إلى جانب تمردها على قرارات وزارة الدفاع بشأن انضمام “صقور الشمال”، أبدت “الجبهة الشامية” معارضة صريحة للعديد من القرارات التركية، خاصة فيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وهو ما وفر فرصة للقوة المشتركة لمواجهة “الشامية” ومحاولة سحب النفوذ منها في عفرين.
وكانت “الشامية” رفضت التوقيع على افتتاح معبر أبو الزندين مع مناطق سيطرة النظام السوري خلال يونيو/حزيران الماضي، رغم موافقة بقية فصائل الجيش الوطني على الطلبات التركية، مما شكل تحديًا واضحًا للسياسة التركية، وأدى إلى توتر بين الفصائل.
وتفاقمت الأوضاع بعد اجتماع مطار غازي عنتاب، حيث اتهم رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، كل من “الشامية” وحركة التحرير والبناء، بالتحريض على التظاهرات ضد افتتاح المعبر.
ورغم هذه المعارضة، يرى مراقبون أن نشوب اقتتال بين الفصائل العسكرية في الشمال السوري لا يصب في مصلحة تركيا، إذ سيؤدي إلى انطباع سلبي حول قدرتها على السيطرة على فصائل الجيش الوطني، مما يضع أنقرة في موقف حرج أمام الدول الفاعلة في الملف السوري، مثل إيران وروسيا.
وتسعى تركيا إلى التوصل لاتفاق يمنع المواجهة بين الفصائل، من خلال دفع “الشامية” إلى التخلي عن لواء “صقور الشمال”، وحله بالكامل، بينما تدفع وزارة الدفاع والقوة المشتركة نحو تنفيذ القرارات التنظيمية الصادر عنها.
وتعتبر “الشامية” من أكبر وأقدم التشكيلات الفصائلية شمال حلب، وتمتلك حاضنة شعبية واجتماعية، فضلًا عن انضمام كل من تجمع الشهباء، وأحرار الشام – القطاع الشرقي (أحرار عولان) إلى صفوفها مجددًا بعد عامين من العداء، ما وسع سيطرتها وصولًا إلى ريف منطقة الباب شرق حلب.
أما القوة المشتركة عملت على توسيع نفوذها في منطقة عملية “غصن الزيتون” عبر نشر الحواجز العسكرية وتدريب كوادرها البشرية على الأسلحة والمعدات اللوجستية، بعد غياب “الشامية” خلال العامين الماضيين.
نهايةً.. يبدو الصراع الفصائلي متجذر ضمن مكونات الجيش الوطني شمال حلب، لا سيما أن التطورات الأخيرة تمهد إلى مرحلة جديدة من الصراع تقود المنطقة إلى اقتتال فصائلي طويل الأمد في حال لم تستعد الفصائل العسكرية وعيها في توجيه جهودها وقواها البشرية واللوجستية في سياق مبادئ الثورة السورية.