يقف العالم اليوم مشدوها أمام ما تنقله الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي من صور وأخبار عن الأوضاع المتصاعدة في مدينة البصرة جنوب العراق. وكيف لا تحدث الصدمة عند المتلقي والكل يعرف ما هي البصرة.. إنها عروس الخليج.
إنها “سلة الاموال” إن صح التعبير، وكيف لا تكون كذلك وهي تطفوا على بحر من النفط وفيها تعمل العشرات من الشركات العالمية الخاصة بقطاع البترول، وإليها تهفوا أفئدة العاملين من مختلف بقاع العالم للحصول على فرصة عمل داخلها على الرغم من أن أغلب شبابها عاطلون عن العمل! وهذه قد تكون من المفارقات الغربية العجيبة.
لا أريد التحدث هنا عن الأسباب الكثيرة التي أدت الى تفجر الأوضاع الأخيرة في المحافظة الجنوبية، لكن أريد هنا تسليط الضوء على زاوية لم يتطرق لها إلا القليل. صحيح ان البصرة مثلها مثل أي مدينة عراقية تعاني منذ فترة الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي وعانت كثيرًا من الأهمال مثل بقية المدن خلال فترة الاحتلال ولحد الآن من الفساد والمحسوبيات، ولكن في رأيي فإن البصرة تخوض مع كل ذلك حربًا أخرى مخفية ولا تقل ضراوة عن الفساد وتغول المليشيات والأحزاب الطائفية، هذا الخطر متمثل في جيران البصرة من الدول الخارجية.
المستفيد الداخلي كلنا نعرفه ولا يكاد يخطئه الصغير قبل الكبير، ولكن في نفس الوقت فإن المستفيد الداخلي هو مجرد أداة بيد مستفيد أكبر خارجي
من المستفيد من عدم نهوض البصرة؟
المستفيد الداخلي كلنا نعرفه ولا يكاد يخطئه الصغير قبل الكبير، ولكن في نفس الوقت فإن المستفيد الداخلي هو مجرد أداة بيد مستفيد أكبر خارجي، وبكل تأكيد إن هذا الأخير هو جارة السوء إيران، ولكن هل ايران وحدها المستفيد من هذا الامر؟
في حقيقة الأمر هناك مستفيد آخر من عدم عودة البصرة عروسًا تزهو بطلتها على شاطئ الخليج، ذلك أن هذه العودة لو حصلت فعلاً فستشكل خطرًا اقتصاديًا كبيرًا عليه، لذلك التقت مصلحته مع مصلحة إيران في هذا الامر وحتى إنهم عملوا معًا على تخريب إقتصاد البصرة.
بات معلومًا لدى الجميع أن دولة الإمارات تخوض منذ العام 2010 حربًا غير معلنة مع العديد من الدول، هدفها السيطرة على الموانئ والمرافئ المهمة في قارتي آسيا وإفريقيا
هذا الطرف هو دولة الامارات العربية المتحدة، وقد يستغرب الكثير من هذا الكلام وأنا أقول لك لا تستغرب، فقط إذهب وابحث عن تقارير تهريب نفط البصرة إلى الإمارات! من الذي هرّب؟ ومن الذي تسلم شحنات النفط في الموانئ الإماراتية؟ ومن الذي كان يحمي المهربين طوال طريق الصهاريج المحملة بالنفط من الحقول إلى ميناء أم قصر؟ ومن الذي أمّن خروج هذه الشحنات من الميناء العراقي؟
بات معلومًا لدى الجميع أن دولة الإمارات تخوض منذ العام 2010 حربًا غير معلنة مع العديد من الدول، هدفها السيطرة على الموانئ والمرافئ المهمة في قارتي آسيا وإفريقيا وخصوصًا الموانئ الموجودة في شرقي قارة إفريقيا وجنوب غرب آسيا، هدف الإمارات من هذه السيطرة هو تعطيل عمل تلك الموانئ من أجل تقوية الموانئ الإماراتية ولكي تبقى الإمارات هي الأقوى في المنطقة في عملية الاستيراد والتصدير لدول المنطقة، الأمر الذي يوفر لها عشرات المليارات سنويًا. وحقيقة، عودة البصرة عروسًا على الخليج أمر تخشاه دبي وأبوظبي كثيرًا لأنه سيخلق لهما منافسًا كبيرًا قد ينتزع منهما الصدارة، والبصرة قادرة على ذلك.
البصرة اليوم تعيش وضعًا حساسًا للغاية، خصوصًا بعد فرض العقوبات الدولية على إيران
يضاف إلى ذلك رغبة إيران والإمارات في استمرار أوضاع البصرة على ما هي عليه بسبب رواج تجارة النفط المهرب خصوصًا مع فترة دخول داعش للعراق وما تبع ذلك من أحداث وظهور المليشيات المسلحة الطائفية الموالية لطهران وفرض سيطرتها على الشارع وخصوصًا في المحافظات الجنوبية.
البصرة اليوم تعيش وضعًا حساسا للغاية خصوصًا بعد فرض العقوبات الدولية على إيران، حيث أن المليشيات باتت تعتمد بشكل كبير على عمليات تهريب النفط من المحافظة إلى الموانئ الإماراتية للحصول على الأموال بعد أن انقطع التمويل الإيراني بسبب العقوبات.
بناءًا على ذلك، البصرة اليوم لم تعد مشكلتها محلية بل إنها أصبحت عقدة دولية تتلاقى فيها مصالح العديد من الدول، ويتشابك على أرضها الكثير من الأعداء، بينما يبقى المواطن البصري متفرجًا على خيرات أرضه وهي تنهب أمام عينه من غير أن يملك حولاً أو قوة لمنع ذلك، سوى التظاهر للمطالبة بحقوقه المسلوبة، وإذا تظاهر فسيجد فوهات البنادق مسددة نحو رأسه.