ترجمة وتحرير: نون بوست
في خريف 2016، توجه الجنود السوريون الموالون لبشار الأسد بدعم من الغارات الجوية الروسية والميليشيات المدعومة من إيران، نحو حلب، واستولوا في نهاية المطاف على المدينة التي يقطنها ما لا يقل عن 200 ألف شخص، مخلفين وراءهم دمارًا ومزيدا من المعاناة. وفي شهر شباط/ فبراير من هذه السنة، حاصروا منطقة الغوطة الشرقية خارج دمشق وقصفوها إلى حين خضوعها، ليخلفوا وراءهم مرة أخرى الخراب في منطقة يبلغ تعداد سكانها 400 ألف شخص.
إن حصيلة القتلى في ارتفاع مستمر، حيث تشير معظم التقديرات التي يتم الاستشهاد بها على نطاق واسع إلى أن عدد القتلى بلغ نصف مليون. ولكن لا يمكن الحسم والتأكد من هذه التقديرات نظرا لتوقف الأمم المتحدة عن تسجيل عدد الضحايا منذ سنوات. ولكن المعارك الدائرة في سوريا وما تسببت فيه من ترويع ومعاناة للسكان لا يضاهي ما سيحدث بعد ذلك من فظائع. فقوات الأسد، المدعومة بالغارات الجوية الروسية، التي تحيط بإدلب في الشمال الغربي السوري، تستعد لشن هجوم ضد آخر معقل للمعارضة في المنطقة، التي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين شخص.
حيال هذا الشأن، أكدت مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة تعنى بمراقبة النزاعات، أن حوالي ثلث المدنيين في إدلب قد فروا من مناطق نزاع أخرى في سوريا. وقد حذرت الأمم المتحدة من أن القتال يمكن أن يشرد ما يصل إلى 800 ألف شخص. وحاليا، تستضيف تركيا حوالي 3.5 مليون لاجئ سوري، ما يجعلها البلد الأول الذي يستقبل اللاجئين السوريين أكثر من أي بلد آخر في العالم.
أضافت منى يعقوبيان الخبيرة في الشؤون السورية في معهد السلام بالولايا المتحدة أن الأعداد الكبيرة من المدنيين وغياب مكان يأويهم يضع حياتهم على المحك خلال المعارك الوشيكة
أمام تنامي مشاعر الإحباط تجاه اللاجئين على الصعيد المحلي وتراجع الاقتصاد، أغلقت أنقرة حدودها مع سوريا. وفي مقابلة معها، صرحت منى يعقوبيان، الخبيرة في الشؤون السورية في معهد السلام بالولايات المتحدة الأمريكية، بأن قرار غلق الحدود التركية السورية “سيكون أكثر كارثية من أي شيء آخر شهدناه حتى الآن” في النزاع السوري.
في سياق متصل، أضافت يعقوبيان أن الأعداد الكبيرة من المدنيين وغياب مكان يأويهم يضع حياتهم على المحك خلال المعارك الوشيكة، “ومع الأخذ بعين الإعتبار كل الحسابات، أعتقد أنه لا يمكن ردع النظام والحيلولة دون استعادته لهذه المنطقة. لذلك نحن نتوقع شن هجوم وحشي بشكل خاص من جانب النظام السوري المدعوم من قبل الروس”.
في مقابلة أخرى، أخبرني الخبير في شؤون سوريا في معهد واشنطن أندرو تابلر أنه من المهم مراقبة كيفية حدوث الهجوم: “هل يركز فقط على بعض الطرق الشريانية؟ هل يدفع أبعد من ذلك؟ هذا هو الجانب الأصعب، لأنه يعيش في إدلب حوالي ثلاثة ملايين شخص، ويتمركز فيها الكثير من المتطرفين أيضًا”.
يوم الأربعاء، صرحت وزارة الدفاع الروسية بأن طائراتها الحربية قصفت يوم الثلاثاء أهدافًا تابعة لجبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة سابقا والتي أصبحت الآن جزءًا من هيئة تحرير الشام، وهي ائتلاف من الجماعات الإسلامية، في إدلب. وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن طائراتها لم تستهدف مناطق المدنيين، على الرغم من أن الروس في الماضي قالوا إن المدنيين الذين قتلوا في سوريا كانوا إرهابيين.
نادراً ما يميز الأسد وحلفاؤه بين الإسلاميين والمجموعات المعتدلة عندما يشنون حربهم على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون والتي يتواجد فيها عادة أعداد كبيرة من المدنيين
من المرجح أن تتم مناقشة مسألة المناطق المدنية يوم الجمعة عندما يجتمع قادة روسيا وإيران وتركيا في إيران. وعلى حد تعبير الكرملين، “سنُسخر المزيد من الجهود المشتركة لضمان تطبيع الوضع في سوريا على المدى البعيد، ولن تكون الولايات المتحدة جزءا من هذه العملية”.
بعد أيام من مد وجزر بين الرئيس دونالد ترامب ووزارة الخارجية الروسية، شن الروس الغارة الجوية. وفي تغريدة نشرها يوم الأحد الماضي، قال الرئيس الأمريكي إن الأسد “لا يجب أن يتهور ويهاجم محافظة إدلب”، محذراً من أنه سيكون لهذه الخطوة “عواقب إنسانية وخيمة”. ولكن ترامب نفسه، الذي وثقت تغريداته وتعليقاته تشكيكه في تدخل الجيش الأمريكي في شؤون دول أخرى، لم يتوان سابقاً عن استخدام القوة عندما تمت مواجهته بصور توثق معاناة السوريين. ففي نيسان/ أبريل من سنة 2017 و2018، ضربت الولايات المتحدة أهدافًا في سوريا بعد استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية.
لكن المتحدث الرسمي باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أعرب عن رفضه للتغريدة التي نشرها ترامب، وعلق عليها قائلاً: “إن مجرد التحدث مع إطلاق بعض التحذيرات، دون الأخذ بعين الاعتبار للتداعيات السلبية الخطيرة للوضع برمته في سوريا، لا ينم عن مقاربة كاملة وشاملة للأمر”. في الأثناء، يؤكد الرئيس بشار الأسد والحكومة السورية أنهما يخوضان حربا ضد الإرهاب. ومن بين الجماعات المتمردة الكثيرة التي تحارب في إدلب؛ هيئة تحرير الشام، وهو التحالف الذي يقوده الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا. ويكاد يكون من المؤكد أنه عندما يتحدث كل من روسيا والأسد عن الإرهابيين، فإنهم يعنون بذلك هيئة تحرير الشام، لكنهم أيضا يطلقون هذه التسمية على أي جماعة تقاتل ضد نظام الأسد.
الدور العسكري للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا محدود، حيث يتمركز حوالي 2000 جندي أمريكي في شمال البلاد جنبا إلى جنب مع مقاتلين أكراد لمحاربة تنظيم الدولة في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة تقديم مساعدات لإعادة إعمار سوريا
في حقيقة الأمر، نادراً ما يميز الأسد وحلفاؤه بين الإسلاميين والمجموعات المعتدلة عندما يشنون حربهم على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون والتي يتواجد فيها عادة أعداد كبيرة من المدنيين. ويوم الثلاثاء، قال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، للصحفيين إنه يتفق مع روسيا حول مخاوفها بشأن “الإرهاب المنبثق من شمال وشمال غرب سوريا … الأمر الذي يجب إيلائه أهمية قصوى… ونحن نأمل أن يتم حل هذا الأمر دبلوماسياً”. وأضاف بومبيو أن “الحل لهذه الأزمة لا يكون بتعريض حياة كل هؤلاء المدنيين الأبرياء للخطر وخلق أزمة إنسانية. نحن نعرب عن قلقنا الدائم من إمكانية استخدامهم للأسلحة الكيميائية لمحاولة نيلهم لأهدافهم العسكرية”.
تجدر الإشارة إلى أن الدور العسكري للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا محدود، حيث يتمركز حوالي 2000 جندي أمريكي في شمال البلاد جنبا إلى جنب مع مقاتلين أكراد لمحاربة تنظيم الدولة في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة تقديم مساعدات لإعادة إعمار سوريا وحوافز أخرى على الرغم من قطعها لبعض المساعدات. وقد أوضح تابلر أن التغريدات التي نشرها ترامب يوم الأحد الماضي تكشف أن الولايات المتحدة متمسكة بإتمام مهمتها في سوريا.
في هذا الصدد، قال تابلر: “إن الولايات المتحدة لديها تأثير على الوضع في سوريا، لكنها لا تملك نفوذا مطلقا”، مضيفا أنه “من الصعب التأثير على نتيجة الحرب ما لم تكن على استعداد لاستخدام القوة العسكرية. ويتمثل الاختلاف الكبير بين هذه الإدارة [والإدارة السابقة] في أنها ترغب في استخدام قوة عسكرية محدودة، خاصة فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية”.
قالت منى يعقوبيان: “إن مهمة السيطرة على إدلب لن تكون سهلة. فهناك ما يقدر بسبعين ألف متمرّد في ساحة الحرب لن يقوموا بالاستسلام بسهولة … وهؤلاء الأشخاص لن يكونوا مستعدين للتفاوض أو الاستسلام. لذلك، سيقاتلون حتى النهاية”
من جانبها، تواصل روسيا إصرارها على إنكار أن قوات الأسد قد استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد المتمردين والمدنيين على الرغم من الأدلة التي تبين عكس ذلك. بالإضافة إلى ذلك، ترفض موسكو التكهنات التي تنبأ بوجود خطط حثيثة لاستخدام الأسلحة الكيميائية في إدلب. عند هذه النقطة، لنفترض عدم وجود هذه الأسلحة الكيميائية في سوريا، يكفي أن روسيا والحكومة السورية قد استخدمتا الأسلحة التقليدية وسببتا معاناة منقطعة النظير في جميع أنحاء سوريا. إن العديد من تلك العمليات العسكرية، على غرار معركة حلب والغوطة الشرقية، استغرقت شهورا عديدة، ومن المتوقع ألا يختلف الأمر في إدلب.
في شأن متصل، قالت منى يعقوبيان: “إن مهمة السيطرة على إدلب لن تكون سهلة. فهناك ما يقدر بسبعين ألف متمرّد في ساحة الحرب لن يقوموا بالاستسلام بسهولة … وهؤلاء الأشخاص لن يكونوا مستعدين للتفاوض أو الاستسلام. لذلك، سيقاتلون حتى النهاية”. وفي نهاية المطاف، لا يعد انتصار الأسد في إدلب إشارة على انتهاء الحرب الأهلية السورية التي دامت أكثر من سبع سنوات. وفي أفضل الأحوال، يمكن القول إنه هزم التمرد المسلح، لكن الصراع في سوريا تحول الآن إلى حرب إقليمية بالوكالة، تشمل إيران وتركيا وروسيا وغيرها.
كما أخبرتني يعقوبيان أن “هذا هو آخر معقل للمتمردين في سوريا. إذاً، يشير سقوطه، من نواحٍ عديدة، إلى دق ناقوس الخطر الذي ينبأ بخسارة الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة المناهضة للأسد”. لكنها أردفت قائلة: “بسبب وجود أطراف أخرى فاعلة تشارك الآن في الحرب السورية، فإن هناك صراعات أخرى ستتواصل”.
المصدر: الأتلانتيك