أكتب داخل قفص المحاكمة في قضية “فض رابعة”، وذلك قبل دقائق من إسدال الستار وإصدار ما يسمى بالأحكام، فالبراءة والإعدام كلاهما باطل ولا محل لهما عند العقلاء من الإعراب، فالقصة معروفة.. بدأت بالخيانة والبطلان في 3/7 (2013) حتى وصلنا الآن إلى أقصى درجات الفشل ومراحل الهذيان، ويظل أنصع ما في المشهد المصري هو هذه الدماء التي سالت من الآلاف منذ 25 يناير مرورا بميدان رابعة وحتى الآن، وكأن لسان حالها يقول “أتموا الثورة لله”.
إن حياة الأمم وبقاء الشعوب هو المنعة والمقاومة.. لا في دفقة واحدة بل بدفقات، ولا في محاولة وحيدة بل سيل من المحاولات، وانظروا معي كيف استشف داهية من دواهي العرب هذا الأمر وماذا قال عن سر البقاء؟! فقد قال أحد الصحابة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس فقال له عمرو أبصر ما تقول، قال أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك.
أنادي كل مصري حر أبي مهيب الجناح.. نداء القريب لا البعيد، فأقول: اخلع عنك ثياب المظلوم!، فهذه هي البداية
إن مواجهة الظلم ومقاومة الاستبداد جزء أصيل من حركة الحياة، فالله خلق الكون على مبدأ الزوجية (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) الذاريات (49)، فلا يزال الصراع بين الحق والباطل، والعدل والظلم، ما بقيت السماء والأرض، وتعاقب الليل والنهار، وكلما خرجت الزفرات من صدور الفاسدين، ترددت الأنفاس بين ضلوع المجاهدين.
وأنادي كل مصري حر أبي مهيب الجناح.. نداء القريب لا البعيد، فأقول: اخلع عنك ثياب المظلوم!، فهذه هي البداية.. أن تعيش بثوب الغالب لا المغلوب.. أن تنطلق كصخر جلمود لا أن تنحني بظهر مجلود.. أن تبسط كفك عاليا، فالعليا خير من السفلى. أن تسري الروح في الجسد حاملة الفأل الصالح لا أن تتعزى بعين الفاجر والمستبد والطالح.. هذا قليل من كثير تجلى بعد 25 يناير، فلماذا نعود إلى الوراء؟!.. “أتموا الثورة لله”.
لا.. لا لن أقبل أبدا بولاية ظالم.. (لا تقولوا للمنافق سيدنا؛ فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم) “حديث حسن”، فندائي.. أن نستمر.. أن نبقى.. أن نواصل.. على ما بدأناه وسرنا فيه وخضنا من أجله كل هذه المسيرة للوصول إلى حكم رشيد، قال الشافعي: (إني رأيت وقوف الماء يفسده.. إن سال طال وإن لم يسل لم يطب).
أعلم أن ما قدم من تضحيات هو كثير، واعلم أن كثيرا ممن فشلوا لم يدركوا كم كان النجاح قريبا منهم عندما استسلموا!!.. “أتموا الثورة لله”.
هذه بضع كلمات سطرتها وعهدي إليكم بأنني من أجل مرضاة ربي، فلن أهدأ أبدا.. وللخائن نهاية سوء… لله در القائل (ومن يتحرش بالردى يكرع الردى.. زعافا ومن يستنبث النار يحرق) والسلام.
المصدر: عربي 21