في حديثه لقادة الإنجيليين بصالة الدولة للطعام بالبيت الأبيض، رسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء الـ27 من أغسطس الماضي، صورة سوداوية لما ستكون عليه الولايات المتحدة إذا خسر الجمهوريون سيطرتهم على الكونغرس في الانتخابات النصفية نوفمبر المقبل، وقال: “الديمقراطيون سيقلبون كل ما قمنا به، وسيفعلون ذلك بسرعة وعنف”.
وحسب مقطع صوتي سجّله شخص حضر الكلمة ونشرته صحيفة نيويورك تايمز، حذر ترامب من حركة “أنتيفا” (Antifa) العسكرية اليسارية المضادة للفاشية التي وصفها بـ”العنيفة” وقال إن أعضاءها “سينهون كل شيء على الفور”، وقد رفض نائب المتحدثة باسم البيت الأبيض هوغان غيدلي توضيح ما عناه الرئيس بذلك.
تعود جماعة “أنتيفا” أو “مناهضة الفاشية” إلى حركات إيطالية مناهضة للفاشية ظهرت عام 1919، لكنها برزت في الولايات المتحدة بعد انتخاب ترامب رئيسًا، وهي حركةً عفويةً مناهضةً للعنصرية لا إدارة لها، يرتدي أعضاؤها أقنعةً سوداء، وتهدف لكبح جماح التهديدات العنصرية التي زادت منذ انتخاب ترامب رئيسًا، لكن سلوكهم لم يخل من العنف والتهديد أيضًا.
تشهد الولايات المتحدة في الـ6 من نوفمبر المقبل، انتخابات نصفية لإعادة ملء جميع مقاعد مجلس النواب الأمريكي وعددها 435، و35 من أصل 100 مقعد في مجلس الشيوخ، واختيار 39 حاكمًا لولايات، بالإضافة إلى انتخابات لمناصب على مستوى الولايات والمستوى المحلي.
جمع الرئيس ترامب في تلك الأمسية نحو 100 من أكثر أنصاره حماسًا بين قادة وقساوسة الإنجيليين، وسُمِحَ للصحفيين بالاستماع إلى عدد من تصريحاته التي تحدث فيها عن الحرية الدينية والإجهاض والبطالة بين الشباب
يتطلع الديمقراطيون في الانتخابات المقبلة إلى إنهاء الأغلبية الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ، فيما يسعى الجمهوريون للحفاظ على وجودهم وتعزيزه في المجلسين والولايات، وفي هذا الإطار يأتي حشد الرئيس ترامب للإنجيليين الذين منح 81% من ناخبيهم أصواتهم له في انتخابات عام 2016.
وكعادته، استغل ترامب الفرصة مرة أخرى لاستخدام شبح العنف على أيدي خصومه السياسيين، ولإشعال نار الانقسامات الفكرية في البلاد، من خلال حديثه عن مجموعة أنتيفا التي تتعرض للفاشيين على الإنترنت وفي الشوارع.
وتجدر الإشارة إلى أن ترامب علّق على أحداث العنف العنصري التي وقعت العام الماضي في شارلوتسفيل في ولاية فرجينيا، بأن “اللوم يقع على الطرفين“، مساويًا بين المتظاهرين المناهضين للفاشية والنازيين والمتطرفين البيض، ولا ننسى تحذيره في ربيع عام 2016، من وقوع أعمال شغب إذا لم يحصل على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة.
ترامب يدعو القساوسة إلى حملة سياسية على منابرهم
جمع الرئيس ترامب في تلك الأمسية نحو 100 من أكثر أنصاره حماسًا بين قادة وقساوسة الإنجيليين، وسُمِحَ للصحفيين بالاستماع إلى عدد من تصريحاته التي تحدث فيها عن الحرية الدينية والإجهاض والبطالة بين الشباب، وأشار إلى اقتباس محفور على موقد الغرفة للرئيس الثاني للولايات المتحدة جون آدمز يقول: “أدعو الله أن يمنح أفضل البركات لهذا البيت”.
ما إن تم إخراج الصحفيين وكاميرات التليفزيون إلى خارج الصالة، انتقل ترامب إلى مخاوف أكثر واقعية، فطالب القادة الإنجيليين باستخدام منابرهم لمساعدة الجمهوريين في الفوز بالانتخابات النصفية
لم يُضيّع ترامب الفرصة للإشارة إلى دوره المُهمّ، باعترافه للقيادة الإنجيلية بأن قاعدته التصويتية المحافظة قد لا تظهر في صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة للمرشحين الجمهوريين لأنه ليس على قائمة الاقتراع في نوفمبر، وقال: “أعتقد أننا نقوم بعمل جيد جدًا، وأعتقد أننا مشهورون، لكن هناك سؤال حقيقي عما إذا كان الناس سيصوتون إن لم أكن في قائمة الاقتراع، وأنا لست في قائمة الاقتراع”.
ولكن ما إن تم إخراج الصحفيين وكاميرات التليفزيون إلى خارج الصالة، انتقل ترامب إلى مخاوف أكثر واقعية، فطالب القادة الإنجيليين باستخدام منابرهم لمساعدة الجمهوريين في الفوز بالانتخابات النصفية، وقال: “أريدكم أن تتأكدوا من أن الناس سيصوتون، لأنهم إن لم يقوموا بذلك، فإننا سنتجه إلى عامين تعيسين، وسنعيش وقتًا عصيبًا وحينها ستكون انتخابات واحدة، انتخابات واحدة فقط تفصلكم عن خسارة كل ما حصلتم عليه”.
وفي خضم حديثه، تفاخر ترامب بتمكنه من التخلص من “تعديل جونسون“، وهو قانون الضرائب لعام 1954 الذي هدد منظمات دينية كالكنائس بفقدان الإعفاء الضريبي إذا أيدوا أو عارضوا المرشحين السياسيين، وقال: “القادة الدينيون مُنِعُوا من التعبير عن آرائهم بموجب ذلك التعديل”، وأضاف: “ربما يكون ذلك هو السبب في ركودكم، أعتقد ذلك حقًا لأنكم لا تستطيعون التحدث، فقد أسكتوكم، لكنكم لم تعودوا ممنوعين من الكلام بعد الآن”.
“القائد الأعظم للمسيحية” يعيد الدين إلى السياسة
ذكّر الرئيس الحضور في كلامه بلقائه بعشرات القساوسة في برج ترامب في نيويورك خلال حملة عام 2016، عندما علم لأول مرة عن تعديل جونسون، وبتعهّده لهم بأنه سيعارض التعديل و”سيُحاربه بقوة” حال وصوله إلى الرئاسة، وقال: “أعلم أن هذه المجموعة أحبتني حقًا”.
القادة الدينيون غالبًا ما يتحدثون بشكل صريح عن السياسة، حتى إن كان عليهم التوقف عند اقترابهم من مساندة مرشحٍ ما رسميًا، تجاهل ترامب تلك الحقيقة عندما تحدث للإنجيليين، وحثهم على استخدام ما وصفه بحريتهم الجديدة في التعبير
في الحقيقة، فشل ترامب في تحقيق هذا الوعد، لأن إلغاء هذا التعديل الوارد في القانون احتاج إلى تحرك من الكونغرس، ولكنه وقع أمرًا تنفيذيًا في مايو عام 2017 يقضي بتوجيه دائرة الإيرادات الداخلية إلى عدم التشدد في ملاحقة القضايا المتعلقة بتأييد الكنيسة للمرشحين أو تقديمها لتبرعات سياسية.
أشار خبراء قانونيون إلى أن دائرة الإيرادت الداخلية نادرًا ما عملت في قضايا كهذه ضد الكنيسة، والقادة الدينيون غالبًا ما يتحدثون بشكل صريح عن السياسة، حتى وإن كان عليهم التوقف عند اقترابهم من مساندة مرشحٍ ما رسميًا، تجاهل ترامب تلك الحقيقة عندما تحدث للإنجيليين، وحثهم على استخدام ما وصفه بحريتهم الجديدة في التعبير لدعم حملات الجمهوريين من منابرهم، وقال: “لديكم أناس يعظون تقريبًا 200 مليون شخص أو 150، بهذه الحدود حسب عن أي أحد نتحدث، وفي غير أيام الأحد 100 إلى 150 مليون شخص”.
مازح ترامب الحضور بإشارته إلى ما وصفه به القسيس روبرت جيفريز – وهو قسيس إنجيلي من مدينة دالاس قال ذات مرة إن اليهود سيذهبون إلى الجحيم – ونقل عنه قوله: “ربما لا يكون (ترامب) إنسانًا كاملًا، لكنه القائد الأعظم للمسيحية”، وقال ترامب مثيرًا تصفيق الحاضرين: “أتمنى أن أكون قد أثبتُّ ذللك، أعني الجزء الثاني لا الجزء الأول”.
بعد أن أنهى الرئيس كلامه دعا عددًا من القادة الدينيين للتحدث على المنصة، كما يفعل غالبًا مع الجماعات الصديقة، فانهالت عليه الثناءات من المنصة، وقال أول المتحدثين من الزعماء الدينيين: “أعظم ما قلته للرئيس إننا هنا اليوم لنقول لك سيدي الرئيس، ولك أيتها السيدة الأولى ميلانيا، ولكم يا إيفانكا وجاريد، إننا نحبكم ونؤمن بكم”، وأضاف مشيرًا إلى ابنة الرئيس إيفانكا ترامب وزوجها جاريد كوشنر: “إنكما تقومان بأمور مدهشة جدًا”.
وأضاف أن هجمات الخصوم السياسيين على الرئيس ترامب أحبطت القساوسة، وقال: “إننا اليوم في هذا الاجتماع، نجثو جميعًا على أقدامنا لندعو لأجلك، لأننا لا نستطيع تخيل الألم، أنتم بشر، وعندما يكذب الناس باستمرار، ويتهمون باستمرار، ويهاجمون باستمرار، فإن ذلك يؤلم”.
وأشار كاهنٌ ثانٍ صعد للمنصة إلى أن “هناك عددًا قليلًا منا من الأشخاص الملونين هنا في الغرفة، العديد منا تعرضوا للضرب والطلقات النارية لأننا نقف إلى جانب هذا الرئيس”، وأضاف: “لدينا الآن محارب في المقدمة على استعداد للوقوف والقتال، آمين. سيدي، إنني أشيد بك على شجاعتك، إنه أمر مدهش، لذلك، دعونا نقاتل وسنفوز، ليبارككم الرب”.