“ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم”. لم يكن يدري الداعية سلمان العودة أن التغريدة هذه التي كتبها، على خلفية الأزمة الخليجية، ستفضي به إلى السجن بل إلى “القتل تعزيرًا”، حسبما طالبت النيابة العامة السعودية، الثلاثاء الماضي، خلال محاكمة سرية وصفها كثيرون بأنها تشبه محاكمات العصور الوسطى التي تجرد فيها السلطة المتهم من حقوقه كافة.
ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك..اللهم ألف بين قلوبهم لمافيه خير شعوبهم
— سلمان العودة (معتقل) (@salman_alodah) September 8, 2017
وقد اعتقلت السعودية، العودة، في سبتمبر 2017، برفقة عدد كبير من الدعاة والمفكرين، وسرد نجله عبد الله تفاصيل الاعتقال، مؤكدًا أن الشرطة قيدت يديه ورجليه، وغطّت عينيه، ثم وضعته بسيارة مظلمة كأنها القبر، ثم نقلته بعدها بطائرة وهو على وضعه المقيّد والمغطّى بالكامل، وذكر أن ظروف حبسه السيئة في سجن الحائر تسببت في تدهور وضعه الصحي.
وعلى عهدة العودة، ظل الشيخ مقيد اليدين والرجلين في زنزانة ضيقة لفترة طويلة في أشهر الاعتقال الأولى، وكان الطعام يُقدم له في كيس لإذلاله وإهانته، وقد كان يضطر لفتح الأكياس بأسنانه.
تهم ساذجة
أكد حساب معتقلي الرأي – المهتم بالاعتقالات السياسية بالسعودية – على موقع “تويتر” أن النيابة العامة داخل المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض (هيئة قضائية تتولى النظر في محاكمة الموقوفين والمتهمين في قضايا الإرهاب وقضايا أمن الدولة والجرائم المرتبطة بها) وجهت إلى “العودة” 37 تهمة مختلفة، وطالبت بقتله تعزيرًا.
علّق الباحث الإسلامي عصام تليمة على هذه الاتهامات، قائلًا: “تأسيس منظمة للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم تهمة تستوجب القتل، في بلد أحد أهم مصادر رزقه رعاية الحرمين الشريفين، ومنها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم”
ومن ضمن هذه التهم، التي وصفها عديد من المتابعين بـ “الساذجة” و”المضحكة”:
-
الإفساد في الأرض بالسعي المتكرر لزعزعة بناء الوطن وإحياء الفتنة العمياء وتأليب المجتمع على الحكام وإثارة القلاقل والارتباط بشخصيات وتنظيمات وعقد اللقاءات والمؤتمرات داخل وخارج المملكة لتحقيق أجندة تنظيم الإخوان الإرهابي ضد الوطن وحكامه.
-
الدعوة لتغيير الحكومة السعودية وتبنيه ذلك بإشرافه على “ملتقى النهضة” الذي يجمع الشباب كنواة لقلب الأنظمة العربية وانعقاده عدة مرات في عدة دول بحضور مفكرين ومثقفين وإلقائه محاضرات محرضة.
-
الدعوة والتحريض للزج بالمملكة في الثورات الداخلية ودعم الثورات في البلاد العربية من خلال ترويجه لمقاطع تدعم الثورات ونقل صورة عما تعانيه الشعوب واستثماره الوقت في التركيز على جوانب القصور في الشأن الداخلي وإظهار المظالم للسجناء وحرية الرأي.
-
الانضمام لتجمعات واتحادات علمية دينية مخالفة لمنهج كبار العلماء المعتبرين، وتقوم على أسس تهدف لزعزعة الأمن في البلاد والوطن العربي ودعم الثورات والانشقاقات والصمود ضد الحكومات، مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
-
تأليب الرأي العام وإثارة الفتنة وتأجيج المجتمع وذوي السجناء في قضايا أمنية بالمطالبة بإخراج السجناء على منصات إعلامية.
-
إنشاء منظمة النصرة في الكويت للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وصف عبد الله العودة، نجل الداعية سلمان العودة والباحث في جامعة جورج تاون، التهم التي وجهتها النيابة العامة السعودية لوالده بأنها “سخيفة وتافهة وملفقة”
وقد علّق الباحث الإسلامي عصام تليمة على هذه الاتهامات، مستنكرًا إياها وخاصة الاتهام الأخير المتعلق بإنشاء منظمة للدفاع عن الرسول، قائلًا: “تأسيس منظمة للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم تهمة تستوجب القتل، في بلد أحد أهم مصادر رزقه رعاية الحرمين الشريفين، ومنها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وملكها يلقب بخادم الحرمين، فلا أدري هل الدفاع عن أحد الحرمين ونبيه صلى الله عليه وسلم جريمة؟”.
نجل العودة يرد
وصف عبد الله العودة، نجل الداعية سلمان العودة والباحث في جامعة جورج تاون، التهم التي وجهتها النيابة العامة السعودية لوالده بأنها “سخيفة وتافهة وملفقة”، كما أكد أن “النيابة العامة تمارس التوحش بحق والده، في الوقت الذي يتحدثون فيه عن تنظيم الدولة وإدارته للتوحش”.
وفيما يتعلق بالتهمة الخاصة بانتماء والده للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي تصنفه السعودية منظمة إرهابية، ذكر أن التصنيف جاء بعد الأحداث وليس قبل انضمام العودة إليه.
وتطرق العودة كذلك إلى تهم أخرى توجهها السلطات السعودية لوالده تتعلق بوصف الحكومة بالاستبداد، إلى جانب أنه لم يبلغ السلطات عن رسالة وصلته على هاتفه الجوال تنتقد السلطات! وأشار العودة إلى أن التهم التي وُجهت إلى والده فجعت أهل بيته، وإنهم يعيشون الآن لحظات حساسة للغاية.
دشن عبد الله العودة هاشتاغ “النيابة تطالب بقتل الشيوخ”، مؤكدًا أن النيابة العامة بعد طلبها قتل والده تعزيرًا، طالبت كذلك بقتل الشيخ عوض القرني والدكتور علي العمري تعزيرًا
وقد توعد العودة ملفقي الاتهامات قائلًا: “باسم الوالد الشيخ سلمان العودة، وعلى خلفية اتهامات النيابة العامة، فأننا نوجه رسالة مهمة لكل من يبتذل رمي التهم جزافًا بما لم يثبت، أننا سنلاحقه بكل الطرق القانونية والمشروعة عاجلًا وآجلًا بإذن الله تعالى”.
وقد دشن العودة هاشتاغ “النيابة تطالب بقتل الشيوخ”، مؤكدًا أن النيابة العامة بعد طلبها قتل والده تعزيرًا، طالبت كذلك بقتل الشيخ عوض القرني والدكتور علي العمري تعزيرًا، وطالبت بسجن البقية الذين يحاكمون بمدد طويلة جدًا تصل إلى 25 عامًا، وقد علق على ذلك بقوله: “هناك توحش غير مسبوق ضد رجالات العلم والإسلام”.
سلمان العودة ليس إرهابيًا
عقب ساعات من تداول نبأ محاكمة العودة، ومطالبة النيابة العامة السعودية بقتله تعزيرًا، انتشر هاشتاج “سلمان العودة ليس إرهابيًا” كالنار في الهشيم، في معظم الدول العربية، متصدرًا قوائم الأكثر تداولًا، وانطلقت آلاف التغريدات المدافعة عن العودة، والمهاجمة لسياسات الأسرة السعودية الحاكمة ضد الدعاة والمفكرين.
تضامن عربي واسع
أعلنت شخصيات سياسية من مختلف دول الوطن العربي تضامنها مع العودة ضد تسلط السلطات السعودية. الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف علق على الاتهامات الموجهة ضد العودة قائلًا: “هذه تهم يفخر المرء بها لآخر عمره، ويفخر نسله بعده لعشرة أجيال، ولكن هيهات أن يفهم الصهاينة العرب والدب الداشر ذلك”.
وغردت الناشطة اليمنية توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام: “سلمان العودة ليس إرهابيًا.. الذين يحاكمونه هم الإرهابيون والمستبدون والطغاة”.
وأدان الكاتب الفلسطيني رضوان الأخرس اتهامات العودة، قائلًا: “ما سمعنا منه إلا خيرًا ولا نشهد له إلا بالخير، ونعرفه بكلماته وكتاباته الداعية إلى الإحسان ومكارم الأخلاق، ولا ننسى مواقفه الطيبة والأصيلة مع فلسطين ومع المظلومين، ونحسب أنه في كرب عظيم فاللهم كن معه ولا تجعل للظالمين عليه سبيلًا”.
الإعلامية الجزائرية وسيلة عولمي غردت قائلة: “النيابة العامة في السعودية توجه 37 تهمة متعلقة بالإرهاب ضد الشيخ سلمان العودة وتطالب بقتله تعزيرًا.. هل يعقل أن يُقتل من قال يومًا ما “اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم!”
فيما قال الأكاديمي الموريتاني محمد المختار الشنقيطي: “إذا لم يتحرك العقلاء والحكماء من داخل الأسرة السعودية الحاكمة، ومن عامة الشعب السعودي، ثم من جميع المسلمين في أرجاء العالم، تحركًا عاجلًا وحاسًما لوقف هذا المسار الأهوج الخطير، فإن السعودية مقبلة على انفجار دموي، سيكون كارثة عليها وعلى الأمة الإسلامية كلها”.
الإعلامية الجزائرية وسيلة عولمي شاركت في حملة التدوين المدافعة عن العودة، وغردت قائلة: “النيابة العامة في السعودية توجه 37 تهمة متعلقة بالإرهاب ضد الشيخ سلمان العودة وتطالب بقتله تعزيرًا.. هل يعقل أن يُقتل من قال يومًا ما “اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم!”.
وقالت الكاتبة الأردنية إحسان الفقيه: “سلمان العودة ليس إرهابيًا، بل من أوصى بقتله ليُرهب المجتمع ويُروّعه، ومن برّر ذلك المطلب وجمّله وغلّفه بالقداسة لمجرد أن المزاج السياسي للنظام الحاكم يُقرّه، فهو الإرهابي المجرم ونسأل الله أن ينتقم منه ويكتب عليه الترويع والخوف والذل والهوان”.
وأبدى الأكاديمي الفلسطيني عبد الله معروف مما يحدث للعودة قائلًا: “هل جن هؤلاء؟! ألم يجدوا غير العالِم العامل العاقل د. سلمان العودة حتى يتهموه بـ37 تهمة ويطلبوا له الإعدام؟ ألا يوجد بينكم عاقل؟! سلمان العودة ليس إرهابيًا، بل هو أعقلكم وأفضلكم وأحسنكم وأكثركم وسطيةً وفهمًا وحِلمًا.. ما هذه اللوثة التي تجتاح هذه البلاد؟!”.
حملات دولية للإفراج عن العودة
في 17 من يناير الماضي، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا بشأن العودة بمناسبة مرور 5 أشهر على اعتقاله وحبسه انفراديًا، وطالبت السعودية بالإفراج الفوري عنه
خلال عام العودة الأول في المعتقل، أصدرت عدة منظمات حقوقية دولية، بيانات وتقارير، طالبت خلالها السلطات السعودية بالإفراج عنه.
ففي 7 من يناير الماضي، أدانت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية اعتقال العودة، وقالت سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط بالمنظمة: “لا بد أن تفشل جهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإصلاح الاقتصاد والمجتمع في السعودية، إذا كان نظام العدالة يحتقر سيادة القانون عبر الاعتقالات والعقوبات التعسفية، ليس هناك أي مبرر لمعاقبة أقارب المحتجزين دون إظهار أدنى دليل أو اتهام يتعلق بارتكابهم تجاوزات”.
وتابعت: “إذا أراد محمد بن سلمان أن يظهر أن حقبة جديدة واعدة بدأت في السعودية، فالخطوة الأولى هي إطلاق سراح الناشطين والمعارضين الذين لم توجه إليهم تهمة معترف بها، ولم ينبغِ أن يُسجنوا أصلًا”.
وفي 17 من يناير الماضي، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا بشأن العودة بمناسبة مرور 5 أشهر على اعتقاله وحبسه انفراديًا، وطالبت السعودية بالإفراج الفوري عنه.
وقالت سماح حديد مديرة الحملات في الشرق الأوسط بالمنظمة: “بعد خمسة أشهر على اعتقاله لمجرد أنه مارس الحق في حرية التعبير، يظل العودة محتجزًا في ظروف قاسية وغير إنسانية، دون اتهامه رسميًا أو تقديمه إلى المحاكمة”، وأضافت: “يجب أن تضمن السلطات تلقيه العلاج الطبي الضروري، وأن تسمح له بالاتصال بعائلته ومحاميه، وفوق ذلك كله أن تفرج عنه من الحجز”