قال أحد النحاتين الهايتيين: “غير أننا نعلم أنه لا طائل من البكاء على الموتى، لكن، لا يستطيع من بقي منا على قيد الحياة الاستمرار في العيش ما لم تكن لدينا ذاكرة تحفَظ الماضي”.
ليس غريبًا أن تمر الأوطان بمحن كثيرة، تنتج ربما بسبب فعل عدو خارجي تارة، أو بسبب فعل عدو داخلي تارة أخرى، وربما تتسبب تلك المحن بقتل الحرث والنسل، وتؤثر على جميع موارد شعوب تلك الأوطان، وهذا ما وثقه تاريخ الإنسانية كثيرًا، والممتد لعشرات الآلاف من السنين، لكن سرعان ما تسترجع تلك الشعوب عافيتها، وتعوض ما خسرته في تلك المحن الأليمة، معتمدةً في ذلك على تاريخها وتجاربها، ويدفعها لاستعادة نجاحها السابق، الإرث التاريخي الذي يحتفظ به شعبها، من شواهد ورموز وتاريخ الأجداد الذي يشهد بالزهو والألق الذي كانت تعيشه شعوبهم، فيشكل اندفاعه قوية للنهوض مرة أخرى متناسين ألم تكل المحن.
لكن الذي لم نشهده في تاريخ الإنسانية إلا ما ندر، أن يتم اغتيال تراث الشعوب ومحو إرثها التاريخي، ليحولها إلى شعوب كأنها لم تكن، لا تراث لها تفتخر به، ولا توثيق لإسهاماتها بالحضارة الإنسانية.
هذه الجريمة تفوق كل الجرائم، ولم يوثق لنا التاريخ هكذا نوعٍ من الجرائم، سوى ما اقترفته الولايات المتحدة مع السكان الأصليين لأمريكا، وما فعله الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، والمؤسف أن شعبنا العراقي قد اُبتلي بهاذين النوعين من الأنظمة المستبدة، أولهما الاحتلال الأمريكي البربري، والثاني الكيان الصهيوني الذي كان وراء الدفع لاحتلال العراق، وهو من ساهم بقوة لتحطيم كل ما يتعلق بالتراث العراقي أو سرقته، ساعدهما في ذلك الأمر، النظام الإيراني بدوافع طائفية في ظاهرها ودوافع قومية فارسية في حقيقتها.
التراث الثقافي لا يتكون من التراث المادي المؤلف من مواقع وهياكل وأطلال ذات قيمة أثرية أو تاريخية أو دينية أو ثقافية أو جمالية فحسب، وإنما يشمل أيضًا تراثًا غير مادي يضم التقاليد والأعراف والممارسات والمعتقدات الجمالية والروحية
التراث العراقي الذي يعتبر أعم وأشمل في توصيف إرث الشعب العراقي، ذلك لأن التراث من حيث معناه هو كل ما خلفه السلف من آثار علمية وفنية وأدبية، سواء مادية كالكتب والآثار وغيرها، أم معنوية كالآراء والأنماط والعادات الحضارية المنتقلة جيلاً بعد جيل، مما يعتبر نفيسًا بالنسبة لتقاليد العصر الحاضر وروحه، وهو يمثل تأكيدًا على العلاقة العضوية بين الماضي والحاضر، وتأكيدًا على الارتباط الروحي مع الماضي، ويعتبر أساسًا لتكامل الهوية الوطنية، ناهيك عن بُعده العالمي كأساس لتكامل الهوية الانسانية.
وفي ذلك تقول المقررة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية كريمة بنون: إن التراث الثقافي لا يتكون من التراث المادي المؤلف من مواقع وهياكل وأطلال ذات قيمة أثرية أو تاريخية أو دينية أو ثقافية أو جمالية فحسب، وإنما يشمل أيضًا تراثًا غير مادي يضم التقاليد والأعراف والممارسات والمعتقدات الجمالية والروحية واللغات العامية والتعبيرات الفنية والفلكلور، كما أن المحفوظات والمخطوطات والمكتبات العلمية، تشكل أداةً بالغة الأهمية في الحفاظ على جميع جوانب الحياة الثقافية، ومع الأسف كل ذلك طاله التدمير والتخريب المتعمد الكلي أو الجزئي في بلدنا العراق.
جنود أمريكان في المتحف العراقي بعد غزو العراق في 2003
ماذا فعلت الولايات المتحدة في التراث العراقي؟
لم يخل تاريخ العراق من الحروب على مختلف مراحله، منذ تأسيس الدويلات والإمبراطوريات في وادي الرافدين مرورًا بالعهد الأموي والعباسي والمغولي وصولاً للاحتلال البريطاني في بداية القرن الماضي، وحديثًا مر العراق بعدد من الحروب المدمرة ماديًا وبشريًا، وصولًا إلى تغير نظام الحكم، ناهيك عن الحروب الداخلية والانقلابات العسكرية، وكل تلك الأحداث لها مساهماتها في تدمير جزء من التراث العراقي.
لكن الذي حدث مؤخرًا فاق كل تلك الأحداث، فرغم علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن الأولى في تدمير وسرقة التراث العراقي بما يشبه عملية اغتيال للتراث العراقي، في أثناء وبعد احتلالها للبلد عام 2003، لكنها كانت أكثرها عمقًا وتأثيرًا، فقد سبقتها لذلك بريطانيا حينما دخلت بغداد محتلةً للعراق عام 1917، يشهد عليها في ذلك ما تزدان به المتاحف الأوروبية من القطع الأثرية العراقية، بفضل ما كان يفعله قناصل بريطانيا في بغداد والموصل والبصرة، وما الولايات المتحدة إلا وريثة لتلك الدولة الاستعمارية.
بعد الغزو، استولت القوات الأمريكية على الأرشيف اليهودي العراقي ونقلته خلسة إلى نيويورك
كانت النية مبيته لذلك قبل غزو الولايات المتحدة للعراق، كشفته المعلومات التي أفادت بأن مجموعة من المتخصصين بالآثار من جامعة كامبردج لديهم خطة للاستيلاء على آثار عراقية محددة، بعد أن تغزو الولايات المتحدة الأمريكية العراق، وغايتها من ذلك الحصول على الأرشيف اليهودي العراقي.
لقد كانت الطائرات الأمريكية في أثناء الغزو تحاول تدمير كل المعالم التاريخية حتى لو كانت لا قيمة عسكرية لها، فقد دمرت قصر الزهور رغم أهميته التاريخية، وأحرقوا المكتبة الوطنية وسرقوا المتحف العراقي والمتاحف الأخرى عقب الاحتلال مباشرة.
وبعد الغزو، استولت القوات الأمريكية على الأرشيف اليهودي العراقي ونقلته خلسة إلى نيويورك، ثم استولت على كنز النمرود الذي كان موجودًا في أحد أقبية البنك المركزي العراقي ويحوي قطع ذهبية أثرية لا تقدر بثمن.
وفي شهادة لأحد المتخصصين العراقيين في الآثار، قال إن المخابرات الإسرائيلية نقبت في آثار بابل، لسرقتها وتزويرها لصالح التاريخ العبري، وعمليات سرقة الآثار ما زالت جارية على قدم وساق في كل أنحاء العراق حتى الآن، واستولى الموساد على أكبر مكتبة يهودية أثرية في العراق، كانت تضم تحفًا نادرة من كتب التوراة والتلمود والقبالة والزوهار، المكتوبة على لفائف البردي وجلد الغزال، التي بقيت في العراق منذ السبي البابلي لليهود، وكل تلك السرقات حدثت في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق الذي لم يكتف بقتل حاضر شعبه، وإنما أيضًا سرق واغتال ماضيه وحضارته.
وليس من الصعب أن نعرف أن “إسرائيل” من تقف وراء سرقة هذا الأرشيف باعتبارها المستفيد الأول من سرقته، فسعيها للحصول على أرشيف اليهود في العراق هو لتأكيد فرضيتها التي تدعي أن اليهود بناة برج بابل مثلما هم بناة الأهرامات في مصر، ما يجري من عملية تدمير وسرقة للتراث العراقي ذو خلفية توراتية وموقف عدائي تاريخي تعج به التوراة والتلمود في إشارة لسبي اليهود على يد القائد نبوخذ نصر.
دخل النظام الإيراني على مسرح الأحداث في العراق وبقوة، بفضل الاحتلال الأمريكي الذي فشل في السيطرة على الشعب العراقي بعد إسقاط النظام العراقي، وكان لتبادل المنافع بين الاحتلالين الأمريكي والإيراني أثر كبير في إنقاذ الأمريكان من الورطة التي وقعوا بها
رفضت الولايات المتحدة إعادة جُل الآثار المسروقة من العراق وضمنها الوثائق التاريخية التي تتعلق باليهود، ولم تعيدها حتى الآن، وما رجع من تلك الآثار رجع تالفًا مثل قيثارة أور التي سرقت من المتحف العراقي وأُعيدت مقطعة الأوتار ودون الذهب المرصعة به، وإناء الوركاء الذي سرق أيضًا من المتحف العراقي وأُعيد إلى المتحف متضررًا.
تفجير تمثال أبو جعفر المنصور في بغداد على يد مجهولين بسبب دوافع طائفية
ماذا فعل النظام الإيراني بالتراث العراقي؟
دخل النظام الإيراني على مسرح الأحداث في العراق وبقوة، بفضل الاحتلال الأمريكي الذي فشل في السيطرة على الشعب العراقي بعد إسقاط النظام العراقي، وكان لتبادل المنافع بين الاحتلالين الأمريكي والإيراني أثر كبير في إنقاذ الأمريكان من الورطة التي وقعوا بها، وأثر كبير وبالغ على الشعب العراقي الذي دفع ثمن ذلك من دماء شبابه.
لم يكتف النظام الإيراني بالسيطرة على القرار السياسي والعسكري في العراق، إنما تعمد طمس معالم العراق التاريخية والتراثية ظنًا منه أنه يستطيع بذلك محو تاريخ العراق وإعادة تشكيله وفق رؤيته الطائفية، وبمعنى أدق (وفق رؤيته القومية الفارسية التوسعية)، فقد عمد طمس هوية العراق العربية الإسلامية واستبدالها بهوية فارسية طائفية تتوافق مع الفكرة الأيدلوجية التي يحملها، ليثبت للعالم أن العرق ما هو إلا جزء من إمبراطورية فارس.
ذلك لأن تدمير التراث عندهم جزء من الهندسة الثقافية التي يسعون بواسطتها إلى تغيير الحقائق والتقاليد جذريًا، وبذلك يمحون كل ما لا يتفق مع رؤيتهم، وهم يحاولون محو الذاكرة من أجل إنشاء روايات تاريخية جديدة لا تترك بديلاً عن رؤيتهم، هذه الانطلاقة الأيدلوجية للنظام الإيراني جعلته يطمس ويدمر كل معلم تاريخي أو تراثي يتناقض مع تلك الرؤية، وعمل من خلال أدواته الفاعلة في العراق على تنفيذ تلك الخطط، بدءًا من تصفية العلماء العراقيين ورجالات الدولة الذين يمكن الاعتماد عليهم بإعادة بناء العراق، وليس انتهاءً بتحطيم وسرقة الرموز التاريخية والتراثية العراقية المنتشرة بالبلد.
الخبير العراقي في شؤون التراث الدكتور إحسان فتحي: يجب الحفاظ على موروث الأجداد واصفًا له بأنه ذاكرة المكان، لافتًا النظر إلى عدد من المواقع التي هُدمت مثل الباب الشرقي وباب المعظم والمدرسة المأمونية ومستشفى نامق باشا
بغداد التي جعلها الاحتلال الإيراني منقسمة طائفيًا، عمِلَ بممارسات طائفية طالت التراث العراقي، وتعرضت النصب والتماثيل في بغداد لحملات تدمير واسعة من الحكومة الطائفية الموالية له، مثل تمثال “اللقاء” الذي صممه الفنان الدكتور علاء بشير، ونصب “النصر” الذي إزالته حكومة المالكي، وتدمير تمثال الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وتخريب تماثيل ضباط ثورة مارس/آذار عام 1941، وسرقة تمثال عبد المحسن السعدون وسط بغداد، ومحاولات لتدمير نصب الشهيد في شارع فلسطين بجانب الرصافة، أضف إلى ذلك هدم بيوت البغداديين التي بنيت منذ ثلاثينيات القرن الماضي، أو تحويلها لشقق سكنية بائسة ضمن خطة تهدف لمحو الذاكرة العراقية بطريقة ممنهجة، فوراء هذه الأعمال أسباب طائفية وسياسية غير خافية على أحد.
الخبير العراقي في شؤون التراث الدكتور إحسان فتحي الذي طالب بالحفاظ على موروث الأجداد واصفًا إياه بذاكرة المكان، لافتًا النظر إلى عدد من المواقع التي هُدمت مثل الباب الشرقي وباب المعظم والمدرسة المأمونية ومستشفى نامق باشا والغرباء وترامواي الكرخ الأعظمية، وجامع معروف الكرخي وقصر الزهور، وحمل أمانة بغداد مسؤولية طمس معالم الكثير من الأماكن التاريخية كسوق الصفارين والعديد من الخانات والحمامات التي اختفت، وأضاف أنه خلال السنوات العشرة المقبلة لن تجد أي بيت بغدادي تراثي.
مرقد وجامع النبي يونس في الموصل بعد تفجيره من قبل تنظيم الدولة “داعش”
دور المنظمات الإرهابية في تدمير التراث العراقي
لم يكن الاحتلال بوجهيه الأمريكي والإيراني فقط هما من حطما التراث العراقي، إنما كان للمنظمات الإرهابية المدعومة من نفس دول الاحتلال، دور مهم في تخريب هذا التراث، مدينة الحضر مثلًا التي تعتبر من أقدم الممالك العربية في العراق، تعرضت لتهديم وتلف بعض أجزائها من عناصر “داعش”.
متحف الموصل الذي تأسس عام 1952، ويعتبر أحد أهم المتاحف بالعراق، ويأتي بالمرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد المتحف العراقي في بغداد
ومدينة الحضر موقع تاريخي أضافتها الأمم المتحدة إلى قائمة التراث العالمي الذي يجب الحفاظ عليه، استخدم المسلحون هذا الموقع الأثري كأماكن لتخزين الذخيرة، واستغلوا قرب موقعها من الموصل لتجهيز السيارات المفخخة فيها، وإرسالها إلى الموصل لمحاولة صد تقدم القوات المهاجمة، كما دمر مسلحو تنظيم “داعش” آثار منطقة النمرود بواسطة الجرافات، وهي موقع أثري يبعد مسافة 30 كيلومترًا جنوب مدينة الموصل، وأظهر شريط فيديو مسلحي التنظيم وهم يحطمون تماثيل وتحفًا أثرية في متحف مدينة الموصل، بالإضافة إلى تحطيم تماثيل أثرية في موقع “بوابة نرغال” الأثرية.
علمًا بأن المناطق التي كانت الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة تحوي 1800 موقع من أصل 12 ألف موقع أثري في العراق، ولك أن تتخيل كم الدمار والسرقات التي حصلت في هذه المواقع الأثرية، كانت السرقات التي قام بها تنظيم الدولة يستخدمها في تمويل عملياته العسكرية، ولعل أحد أبرز الآثار التاريخية في مدينة الموصل العراقية التي تعرضت للتدمير على أيدي تنظيم الدولة، هو جامع النوري الكبير الذي بني في القرن السادس الهجري، واشتهرت باسم الحدباء بسبب ميلان مأذنته، علمًا أن مقاطع فيديو انتشرت لاحقًا وتبين أن القوات الحكومية من دمرت هذا الجامع ومأذنته الحدباء.
متحف الموصل الذي تأسس عام 1952، يعتبر أحد أهم المتاحف بالعراق، ويأتي بالمرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد المتحف العراقي في بغداد، ومع أنه تعرض خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 لعمليات سرقة ونهب واسعة ومنظمة، فلم يسلم أيضًا من التخريب المتعمد لعناصر التنظيم حينما استولوا على كامل مدينة الموصل، ونشر عناصر تنظيم الدولة تسجيلات فيديو لعدد من المسلحين وهم يحطمون الآثار القديمة في داخل المتحف.
لم يكتف عناصر هذا التنظيم الإرهابي بما فعلوه في المواقع الأثرية، إنما اقتحموا مكتبة الموصل التي تضم نحو 8000 من الكتب والمخطوطات النادرة واستولوا على 2500 كتاب منها وأحرقوهم.
العراق الذي يمتلك كمًا هائلًا من التراث والآثار التي تعود بعضها إلى أكثر من 5000 سنة قبل الميلاد، لا بد أن يكون له قوانين تحميه من التدمير والتلف والإهمال
وفي أثناء ومباشرة بعد حرب سنة 2003 قامت مجاميع عديدة بالتخريب والسرقة موجهة أساسًا ضد التراث والمعتقد والطائفة، كتفجير تمثال المنصور وتخريب وحرق دار الكتب والوثائق الوطنية، وتفجير شارع المتنبي ومرقد الإمامين في سامراء، والتفجير الذي طال شارع المتنبي في محاولة لقتل الفكر، بالإضافة إلى الغاء نصب وساحة ثورة العشرين في النجف دون أي التفاتة لما تمثله ثورة العشرين لتاريخ النجف والعراق ككل.
ولم يسلم الجامع الكبير في مدينة المقدادية التابعة لمحافظة ديالى من التدمير، حينما فجرت المليشيات الإيرانية ذلك المسجد الذي يعود إلى فترة حكم العثمانيين، بالإضافة لتفجير العشرات من المساجد داخل تلك المدينة، وكل هذا نبذة صغيرة جدًا عن الخراب المتعمد هنالك.
الأنظمة السابقة لها حصة من التدمير الممنهج للتراث العراقي
كان هناك نوع آخر من التخريب المتعمد للتراث العراقي، قامت به أنظمة أيدلوجية حكمت العراق، إما بقصدٍ نابع من محاولة إلغاء المدلول التاريخي للمادة التراثية، أو نابع من عدم الاكتراث، وعلى سبيل المثال إزالة نصب الجندي المجهول بسبب ارتباطه بنظام حكم عبد الكريم قاسم، والتحريف الذي قام به نظام صدام عندما بنى قصره على أطلال بابل التراثية، وأعاد بناء بعض جدران المدينة دون أي اعتبارات للأسلوب العلمي لترميم المباني التاريخي، واضعًا اسمه على الطابوق في أسفل الجدار.
العراق الذي يمتلك كمًا هائلًا من التراث والآثار التي تعود بعضها إلى أكثر من 5000 سنة قبل الميلاد، ذلك التراث الذي يتصف بالتنوع الإثني والثقافي والديني، وأصبح محط اهتمام عالمي واسع كونه جزءًا رئيسيًا من التراث العالمي، لا بد له من قوانين تحميه من التدمير والتلف والإهمال، بالإضافة إلى حملات التوعية التي تستهدف ساكني المناطق التي تحوي تلك الكنوز التراثية والفكرية.
ورغم القوانين محلية التي صدرت لحماية التراث في العراق، إلا أنها لم تُفعَل، واستمر التخريب والإهمال المتعمد سواءً من الأنظمة التي حكمت وتحكم الآن العراق أم من الدول التي مارست الاحتلال عليه، يجب أن تكون تلك القوانين ملزمة لجميع الأطراف سواء المحلي أم الدولي، واعتبار جرائم التدمير والإهمال المتعمد ضد التراث العراقي اعتداء على التراث العالمي والإنساني.
يجب أن تسن القوانين الدولية الملزمة التي تتيح للشعب العراقي استرجاع ما تم سرقته من الاحتلال الأمريكي، من آثار وتراث
ففي الوقت الذي فشلت فيه الحكومة العراقية الحاليّة في حماية ذلك التراث، بل وتعمدت تحطيم بعض تلك الموروثات الثقافية بحجج طائفية، لا بد من توفير الحماية الدولية لذلك التراث، لأن الحكومة الحاليّة غير مستأمنة على حمايته، والواجب أن يفرض المجتمع الدولي الحماية على المواقع التراثية وحماية الآثار التراثية من السرقة والمتاجرة بها، وإعادة المسروقات من المتاحف التي اشترتها من السوق السوداء.
كما يجب أن تسن القوانين الدولية الملزمة التي تتيح للشعب العراقي استرجاع ما تم سرقته من دولة الاحتلال الولايات المتحدة، من آثار وتراث، وفي هذا تقول المقررة الخاصة في مجلس حقوق الإنسان: “يجب أن تكون القرارات الدولية ذات الشأن بالمحافظة على الموروثات الثقافية، ملزمة لجميع الدول، وتنشأ المسؤولية الجنائية الفردية عن ارتكاب جرائم خطيرة في حق التراث الثقافي، ووفقًا لنص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تجوز المحاكمة على الهجمات التي تستهدف عمدًا المباني المخصصة للشعائر الدينية أو للأنشطة التعليمية أو الفنية أو العلمية أو للأعمال الخيرية، والمآثر التاريخية والمستشفيات، باعتبارها جريمة حرب”.