لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الرئيسي للعملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تتبنى موقفًا مساندًا ومتعاطفًا مع “إسرائيل”، وتتبع بالمقابل نهجًا مهينًا وعنيفًا تجاه القضية الفلسطينية، حيث بدا ذلك واضحًا في أكثر من مناسبة وحادثة، كان أهمها إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة “إسرائيل”.
ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية يوم أمس أن الإدارة الأمريكية ستقف دومًا مع حليفتها “إسرائيل” وستغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن بسبب إصرار السلطة الفلسطينية على محاكمة المسؤولين الإسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية، مع العلم أن الكونغرس الأمريكي أدخل عام 2015 بندًا ينص على أنه لا يجب على الفلسطينيين التأثير على قرارات المحكمة الجنائية الدولية بشأن تحقيقات تتعلق بإسرائيليين.
كما أفادت الصحيفة أن العقوبات الأمريكية ستمتد إلى القضاة والمدعين العاملين في المحكمة الجنائية، ما يعني أنها قد تمنعهم من دخول أراضيها أو تجمد أرصدتهم المودعة في البنوك الأمريكية، كما ستقوم بالأمر نفسه مع أي دولة أو شركة تتعاون مع تحقيقات المحكمة، وهو ما يدلل على “النفاق الأمريكي والانحياز الصارخ لحكومة الاحتلال الإسرائيلي” كما وصفته المنظمة.
الخناق الأمريكي على السلطة الفلسطينية.. إلى أين؟
سبق أن تداولت وسائل الإعلام العام الماضي أخبارًا عن رفض واشنطن ترخيص مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، بسبب انضمامها للمحكمة الجنائية الدولية وفتح تحقيق قضائي في الجرائم التي تنفذها “إسرائيل” في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن الخارجية الأمريكية تراجعت عن هذه الخطوة وفق قيود محددة ومرتبطة باستئناف مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والشعب الفلسطيني.
لكن الإدارة الأمريكية تبدو هذه المرة أكثر حسمًا تجاه إخلاصها لـ”إسرائيل”، فقد اتخذت سلسلة من القرارات الحادة منذ بداية العام الحاليّ تمثلت بقطع الدعم المالي لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التي تقدم خدماتها لنحو 5.9 مليون لاجئ فلسطيني بقيمة نحو 456 مليون دولار سنويًا، إضافة إلى وقفها تمويل المستشفيات في القدس، وهي سياسات منتظمة تهدف إلى تضييق الخناق على الفلسطينيين للقبول بما يعرف بـ”صفقة القرن”.
ترى المنظمة أن إلغاء المساعدات المخصصة للفلسطينيين تجاهلًا صريحًا لحقوق الفلسطينيين على اعتبار أن المساعدات المالية واجب مستحق على المجتمع الدولي الذي يتحمل مسؤولية استمرار الاحتلال الإسرائيلي
ونتيجة لهذه الإجراءات زادت حدة التوتر في العلاقات الأمريكية الفلسطينية، إذ اعتبرت المنظمة إلغاء المساعدات المخصصة للفلسطينيين تجاهلًا صريحًا لحقوق الفلسطينيين، وهذا ما نوه إليه أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة صائب عريقات الذي قال: “المساعدات المالية واجب مستحق على المجتمع الدولي الذي يتحمل مسؤولية استمرار الاحتلال الإسرائيلي لما يشكله من سد مانع أمام إمكانية التنمية والتطور الاقتصادي للمجتمع الفلسطيني”.
ومع ذلك تلاعبت أمريكا بأكثر الأوراق حساسية بالنسبة لملايين اللاجئين الفلسطينيين، إذ يقول رئيس دائرة شؤون اللاجئين أحمد أبو هولي: “القرار الأمريكي يأتي في إطار الابتزاز السياسي والضغط على القيادة الفلسطينية لتمرير صفقة القرن التي رفضتها القيادة الفلسطينية وتهدف إلى إسقاط ملفي القدس واللاجئين من مفاوضات الحل النهائي”، وهو ما ترفضه المنظمة.
وبناءً على ذلك، رأت الإدارة الأمريكية أن الحل الأمثل لهذه الأزمة هو دفن القيادة الفلسطينية والضغط عليها للانسحاب من المحكمة الجنائية، وفي حال استمرار موقفها ذاته فستقوم بتعيين بديل أكثر مرونة من قياداتها للموافقة على “صفقة القرن”، وهذا بحسب تصريح المحامي والمساند لحكومة اليمين الإسرائيلي ديفيد فريدمان الذي قال: “إذا لم يقبل عباس الانخراط في مفاوضات مع “إسرائيل” فسيتم إيجاد بديل له يملأ الفراغ الذي سيحدثه”، وهذا بالجانب إلى تأييد حكومات عربية مثل مصر والسعودية.
عزام الأحمد: “الإدارة الأمريكية تتوجه لاتخاذ سلسلة من الخطوات للضغط على السلطة، ومنها وقف المساعدات وقطع الاتصالات والعلاقات بين الجانبين”
وأكد على ذلك عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد في تصريح لصحيفة الغد الأردنية الذي قال: “الإدارة الأمريكية تتوجه لاتخاذ سلسلة من الخطوات للضغط على السلطة، ومنها وقف المساعدات وقطع الاتصالات والعلاقات بين الجانبين”، وأضاف “لا حل للسلطة الفلسطينية، وإنما ستنهار بسبب عدوان الاحتلال واستمرار الضغوط الدولية”.
من يكون بديل السلطة الفلسطينية؟
بعد أن كثرت التحديات والضغوط التي تواجهها السلطة، أشارت أمريكا في أكثر من مناسبة إلى احتمالية استبدال السلطة إذا لم تسع لإيجاد حلول جدية مع “إسرائيل”، وهذا ما أكده أيضًا المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات الذي حذر السلطة من مواقفها وسياساتها.
ووفقًا لذلك، تناقلت بعض المصادر العربية والعبرية أسماء عديدة كبديل محتمل عن عباس، وكان من أبرزها النائب المفصول من حركة فتح محمد دحلان، ورئيس الوزراء السابق سلام فياض، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج.
تناقلت بعض المصادر العربية والعبرية أسماء عديدة كبديل محتمل عن عباس، وكان من أبرزها النائب المفصول من حركة فتح محمد دحلان، ورئيس الوزراء السابق سلام فياض، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج
وجاءت هذه التكهنات بناءً على متابعة وتحليل أنشطة الأسماء الواردة في الملف الفلسطيني، وكان من الملاحظ وجود دحلان في مخيمات اللاجئين في الضفة، وضخه المستمر لمساعدات مالية للغزيين، والأمر نفسه ينطبق على الرجوب الذي أدخل نفسه في المشهد السياسي بعد أن حاول إخراج “إسرائيل” من الفيفا، ما جعل البعض يعتقد أن هذه الخطوات ما هي إلا تكتيكات مرسومة وترويجية لهم كبدائل في الوسط الفلسطيني.
أخيرًا، وبحسب مراقبين، فإن إقدام واشنطن على حل السلطة الفلسطينية، ربما يقود لموجة جديدة من الصدام والعنف في الضفة الغربية، التي اعتادت الهدوء النسبي لوقت طويل، بسبب القبضة الأمنية التي تفرضها السلطة الفلسطينية المدعومة بالمال الأمريكي والتنسيق الأمني الإسرائيلي، فهل ستتخلى كل من واشنطن و”إسرائيل” الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية الضابط لعنفوان الضفة وثورتها، حتى وإن كانوا لا يرغبون بها كليًا وبكل أدائها؟