برزت في الأشهر الأخيرة تحذيرات ومخاوف خبراء اقتصاديين ومحللين سياسيين، من تدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سياسات البنك المركزي، خاصة بعد تفاقم أزمة الليرة التركية، ورغم اختلاف قراءات الحكومة التركية والأسواق العالمية والخبراء للأزمة، فإن الطرفين اتفقا على أهمية استقلال البنك المركزي.
وفي هذا الصدد، ظهرت تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 19 من يوليو/تموز الماضي، أعرب فيها عن عدم رضاه عن سياسة مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عددًا من الرؤساء الأمريكان تدخلوا في سياسة الاحتياطي الفدرالي بصورة شبيهة بتدخل أردوغان.
يُعرف نظام الاحتياطي الفدرالي بأنه البنك المركزي في الولايات المتحدة الأمريكية، أُنشئ عام 1913 ردًا على سلسلة من المخاوف المالية، ويتركز عمله على توجيه السياسة الاقتصادية والنقدية في الولايات المتحدة، والحفاظ على استقرار النظام الاقتصادي فضلًا عن وظيفته التنظيمية.
هل تطابق موقفا ترامب وأردوغان؟
رغم بقاء الاحتياطي الفدرالي مستقلًا عن الإدارة الأمريكية، خلافًا لما قد يبدو عليه الأمر بالنسبة للبنك المركزي التركي، فقد تطابق اعتراض أردوغان وترامب على سياسة البنكين المركزيين.
وافق الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في هذا العام (2018) مرتين على رفع معدلات الفائدة، وأبقى عليها كما هي باجتماعه في شهر أغسطس/آب
يؤيد أردوغان إبقاء المركزي على معدلات الفائدة منخفضة بهدف تشجيع حركة الأسواق وتسهيل الاقتراض، وقد عارض ترامب في تصريحه بشهر يوليو قيام الاحتياطي الفدرالي برفع الفائدة، محذرًا من أن ذلك قد يُعطل الانتعاش الاقتصادي.
لم يُشكك ترامب بأهلية رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، لكنه قال إنه “غير متحمس” بشأن سياسته، وبرر موقفه في لقاء مع شبكة CNBC الأمريكية، قائلاً: “نحن نرفع (الفائدة) في كل مرة ويريدون أن نرفع المعدلات مرة أخرى، لست مسرورًا بذلك، ولكن في الوقت نفسه أنا أدعهم يفعلون ما يرون أنه الأفضل، لكنني لا أحب كل هذا العمل الذي يتداخل مع ما نقوم به”.
وافق الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في هذا العام (2018) مرتين على رفع معدلات الفائدة، وأبقى عليها كما هي باجتماعه في شهر أغسطس/آب، ووفقًا للتوقعات الحاليّة، يُتوقع أن تُرفع معدلات الفائدة مرتين أخريين قبل نهاية العام في اجتماع سبتمبر/أيلول الحاليّ.
يخشى ترامب أن تعرقل الارتفاعات في معدلات الفائدة التقدم الاقتصاد، لكن البيت الأبيض استدرك في وقت لاحق بتصريحه بأن “الرئيس يحترم بالطبع استقلالية الاحتياطي الفدرالي”، وصرح باول لاحقًا بأنه لم يعد يشعر بأي ضغوطات سياسية من البيت الأبيض، وقال: “إننا نقوم بعملنا بعيدًا عن السياسية بشكل صارم بناءً على تحليل مفصل بشفافية، كما أننا لا نأخذ أي اعتبارات سياسية في الحسبان”.
قال المسؤول السابق في الاحتياطي الفدرالي لاري ليندسي: “ذلك لم يكن تعديًا على استقلالية الاحتياطي الفدرالي، خاصة أنه صدر من ترامب، لا أعتقد أن يكون له أي تأثير على استقلالية الاحتياطي الفدرالي”
لكن الرئيس السابق للاحتياطي الفدرالي فريدريك ميشكن، قال لشبكة CNBC: “النقد ليس مرحبًا به بالضرورة، بل ربما يكون علامة خطر”، وأضاف الرئيس السابق للاحتياطي الفدرالي في مدينة دالاس ريتشارد فيشر “لا ينبغي لأي رئيس أن يتدخل في عمل الاحتياطي الفدرالي”.
ورغم ذلك، استبعد المسؤول السابق في الاحتياطي الفدرالي لاري ليندسي، أن تؤثر تصريحات الرئيس على سياسة الاحتياطي الفدرالي، وقال: “ذلك لم يكن تعديًا على استقلالية الاحتياطي الفدرالي، خاصة أنه صدر من ترامب، لا أعتقد أن يكون له أي تأثير على استقلالية الاحتياطي الفدرالي”.
لكن ترامب ليس الرئيس الوحيد الذي اعتراض على سياسة الاحتياطي الفدرالي، فأقرب موقف لرئيس أمريكي إلى موقف ترامب، الراغب بالحفاظ على معدلات الفائدة منخفضة، كان موقف الرئيس ريتشارد نيكسون عندما كان يسعى لإعادة انتخابه عام 1972، ولوى ذراع رئيس الاحتياطي الفدرالي آرثر بيرنز.
كان نيكسون يخشى من أن يؤدي رفع معدلات الفائدة إلى سخط لدى الناخبين، وضغط لذلك على بيرنز ليبقي على المعدلات منخفضة، حسبما أظهرت تسجيلات لحوار دار بينهما، قال نيكسون: “لا أريد الخروج من هنا بسرعة”، متجاهلًا مخاوف كانت تلوح بشأن وجود سيولة بأحجام كبيرة في السوق قد تؤدي إلى زيادة معدلات التضخم، ووصفها بأنها “مجرد هراء”.
ورغم إعادة انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، إلا أن معدلات الفائدة المنخفضة أدت إلى تفاقم التضخم مع استمرار نمو الاقتصاد في السبعينيات حتى بداية الثمانينيات، حينها اضطر الرئيس التالي للاحتياطي الفدرالي بول فولكر، إلى تشديد السياسة النقدية مما دفع الاقتصاد إلى حالة من الركود، لكنه ساعد أيضًا في القضاء على مشكلة التضخم ومهد الطريق أمام أقوى نمو شهده الاقتصاد الأمريكي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
نقلت صحيفة نيويورك تايمز، أن الرئيس رونالد ريغان تذمر من السياسة النقدية للاحتياطي الفدرالي عام 1982، حين اعتبر سياسة بول فولكر “غير منظمة”، رغم الإشادة الكبيرة التي حظي بها فولكر لدرجة وصفه بـ”البطل”
وفي مثال آخر عام 1998، وبعد ست سنوات من تركه منصبه، انتقد الرئيس الأمريكي جورج هربرت ووكر بوش (الأب) تردد رئيس الاحتياطي الفدرالي آلان غرينسبان في خفض معدلات الفائدة بشكل أكبر في بداية التسعينيات، مما ساعد في دفع الاقتصاد نحو الركود ومهد الطريق لخسارته في الانتخابات الرئاسية أمام بيل كلينتون عام 1992.
كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز، أن الرئيس رونالد ريغان تذمر من السياسة النقدية للاحتياطي الفدرالي في عام 1982، حين اعتبر سياسة بول فولكر “غير منظمة”، رغم الإشادة الكبيرة التي حظي بها فولكر لدرجة وصفه بـ”البطل”.