رغم كل حملات التوعية ودعوات مقاطعة المنتجات والبضائع الإسرائيلية التي تطلق في كل مكان، فإن أسواق الضفة الغربية المحتلة لا تزال تغرق بمنتجات المستوطنات بأشكالها وأنواعها المختلفة، رغم تأثيرها السلبي وخنقها للسوق الفلسطينية وتكبدها خسائر مالية فادحة.
كيف تصل بضائع المستوطنات للضفة؟ ومن يسهل وصولها للأسواق؟ وما الخسائر التي تتكبدها السوق الفلسطينية؟ وأين تأثير حملات التوعية والمقاطعة؟ أسئلة باتت تطرح بقوة في الساحة الفلسطينية، تبحث عن إجابات واضحة تفسر أسبابها ودوافعها وكذلك الأيادي الخفية التي تقف خلف مخطط إغراق الأسواق الفلسطينية بالمنتجات الإسرائيلية.
“نون بوست” فتح هذا الملف الشائك وتوصل بحسب معطيات ودلالات متوفرة من خلال قراءات المسؤولين والمراقبين، أن “إسرائيل” تقف خلف هذا المخطط الخطير، والخسائر السنوية للاقتصادي الفلسطيني تصل إلى 5 مليارات دولار أمريكي.
من يحمي المهربين؟
يقول رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك في الضفة الغربية عزمي الشيوخي: “جيش الاحتلال الإسرائيلي يتدخل لحماية مهربي بضائع المستوطنات إلى مناطق السلطة في الضفة الغربية”، مشددًا في الوقت نفسه على أن ترويج بضائع المستوطنات جريمة يحاسب عليها القانون الفلسطيني.
جيش الاحتلال يتدخل لحماية مهربي بضائع المستوطنات حين يتم الإمساك بهم من الضابطة الجمركية التابعة للسلطة في رام الله
وأوضح الشيوخي أن تجار فلسطينيين وصفهم بـ”عديمي الضمائر” يساعدون المنتجين في المستوطنات الجاثمة على الأرض الفلسطينية لإيصال منتجاتهم إلى أسواق الضفة الغربية المحتلة، وأضاف أن جيش الاحتلال يتدخل لحماية مهربي بضائع المستوطنات حين يتم الإمساك بهم من الضابطة الجمركية التابعة للسلطة في رام الله، وهذه الخطوة شجعتهم على المضي قدمًا في عملهم غير الشرعي.
وتشير التقديرات إلى وجود نحو 250 مصنعًا داخل المستوطنات في شتى مجالات الإنتاج، فضلاً عما يقارب 3000 منشأة أخرى من مزارع وشركات ومحلات تجارية متنوعة.
تنتج المستوطنات أكثر من 146 علامة تجارية في القطاعات كافة، منها نحو 40 علامة تجارية غذائية، وقرابة 50 علامة تجارية منزلية، ونحو 56 علامة تجارية لمنتجات وصناعات متنوعة.
وشدد الشيوخي أن الضابطة الجمركية بالتعاون مع جمعيات حماية المستهلك تنظم جولات ميدانية يومية وفجائية للتفتيش على المخازن والمحال والأسواق الشعبية التي تعرض منتجات المستوطنات، مؤكدًا أن الهدف من مقاطعة بضائع المستوطنات، عدم شرعنة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وكشف وجود بضائع تُهرب من المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة ومن داخل “الخط الأخضر”، إلى الأسواق المحلية تفوق سنويًا الـ5 مليارات دولار، وهذا يؤثر سلبًا على التجار والاقتصاد الفلسطيني معًا.
القانون الفلسطيني استطاع إلى حد كبير وقف دخول بضائع المستوطنات إلى الأراضي الفلسطينية
وشدد على أن الاحتلال يسعى لإغراق الأسواق الفلسطينية بمنتجاته وبضائعه وسلعه لإحداث حالة من الإرهاق للمنتجات الفلسطينية، إضافة لضعضعة الاقتصاد الفلسطيني وتدميره، مشيرًا إلى أن تلك البضائع يُمنع دخولها للأسواق العربية والأوروبية كون المستوطنات غير معترف بها ويعتبرها الغرب غير قانونية.
وعن مدى تأثير حملات المقاطعة، قال الشيوخي: “حملات المقاطعة المحلية والدولية لمنتجات المستوطنات حققت نتائج إيجابية عالية، حيث اضطرت العديد من الشركات الإسرائيلية والدولية إلى سحب استثماراتها في المستوطنات، كما أغلقت العديد من الشركات والمصانع أبوابها وسرحت موظفيها، مثلما حدث في مستوطنتي معالية أدوميم وبركان”.
وشدد على أن القانون الفلسطيني استطاع إلى حد كبير وقف دخول بضائع المستوطنات إلى الأراضي الفلسطينية، كما تم إحالة العديد من التجار المروجين إلى القضاء وأخذ المقتضى القانوني بالسجن أو الغرامة.
وذكر أن حماية المستهلك بالتعاون مع وزارة الاقتصاد توزع دليلاً إرشاديًا على المستهلكين والتجار والموزعين والمحال تتضمن قوائم بأصناف مختلفة لمنتجات المستوطنات، مشيرًا إلى أن الدليل يُحدث باستمرار ليدرج منتجات جديدة أو التي تحاول المستوطنات تغيير أسمائها لتفادي المقاطعة.
وبيّن الشيوخي أن المستوطنات تسعى للالتفاف على حملات المقاطعة الدولية لبضائعها من خلال إزالة مكان المنشأ، وتصديرها على أنها صنعت داخل “إسرائيل”.
يعتمد اقتصاد المستوطنات على الزراعة بأنواعها والصناعات الخفيفة والمتوسطة والمنتجات الكيميائية والأدوية والمبيدات الزراعية والملابس وتصنيع الفواكه والخضراوات التي تصدر كميات كبيرة منها لأسواقنا المحلية والأسواق الأوروبية والعالمية
وتضم المستوطنات خلف أسوارها العديد من المصانع والمنشآت التي حظيت بدعم ورعاية خاصة من حكومات الاحتلال المتعاقبة، وذلك من خلال رصد الموازنات لإنشاء البنى التحتية وتقديم التسهيلات، لا سيما الإعفاءات الضريبية والحوافز المالية، وفتح المجال واسعًا أمامها لاستغلال موارد الشعب الفلسطيني ونهب ثرواته.
كسر المقاطعة
حث الشيوخي المستهلك الفلسطيني على مقاطعة المنتجات الإسرائيلية كافة وليس ما تنتجه المستوطنات، والإقبال على البديل الوطني للارتقاء بالمصانع والشركات الفلسطينية، مهيبًا في ذات الوقت بالمنتجين على تحسين منتجاتهم وفق المواصفات والمقاييس كي تحظى برضى المستهلك، وأيضًا دعاهم إلى خفض الأسعار واستخدام أساليب تسويق جذابة.
ويعتمد اقتصاد المستوطنات على الزراعة بأنواعها والصناعات الخفيفة والمتوسطة والمنتجات الكيميائية والأدوية والمبيدات الزراعية والملابس وتصنيع الفواكه والخضراوات، التي تصدر كميات كبيرة منها لأسواقنا المحلية والأسواق الأوروبية والعالمية.
الجدير ذكره أن حملات مقاطعة ومكافحة بضائع المستوطنات بدأت تبرز في العام 2007، واشتدت وتيرتها عام 2010، وحققت النجاحات عقب تضافر جهود المقاطعة الشعبية والأهلية والحكومية لبضائع المستوطنات، ما دفع بـ”إسرائيل” لتعزيز ومضاعفة أعداد المراكز التجارية القائمة وزيادة رقعة انتشارها، وإنشاء مولات ومراكز تجارية على الطرق الرئيسية الواصلة بين المدن الفلسطينية، لجذب واستقطاب المستهلك الفلسطيني.
ويُعد رجل الأعمال الإسرائيلي رامي ليفي صاحب أكبر شبكة متاجر ضخمة في “إسرائيل” وداخل المستوطنات، إذ يصل عدد أفرع الشبكة إلى نحو 26 مولاً ومحلاً تجاريًا، أربعة منها على الأقل منتشرة بالقرب من المدن الفلسطينية وعلى مداخل المستوطنات المقامة على أراضي الضفة، مثل مستوطنات شعر بنيامين وميشور والمجمع الاستيطاني كفار عتصيون المقامة على أراضي بيت لحم والخليل جنوب الضفة الغربية ومستوطنة معاليه أدوميم المقامة على أراضي القدس وقرب قرية جبع حيث تقع مستوطنة معاليه مخماس.
جرمت السلطة الفلسطينية، في قرار بقانون صدر في 2010 عن الرئيس محمود عباس، التعامل مع المستوطنات واعتبر القرار منتجات المستوطنات كافة سلعًا وخدمات غير شرعية يحظر تداولها، كما يحظر تقديم سلعة أو خدمة للمستوطنات
بدوره يرى الخبير الاقتصادي جعفر صدقة، أن الهدف من إقامة تلك المراكز والمولات التجارية من المستثمرين الإسرائيليين خارج التجمعات الإسرائيلية، تمكين أي شخص فلسطيني عادي من الدخول إليها، فلا يتطلب دخول تلك المراكز التجارية أي إجراءات أمنية مشددة أو خاصة بعكس الدخول إلى المستوطنات.
وأضاف صدقة “كما أن توسط أو قرب تلك المراكز التجارية والمولات من المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية سهل من الوصول إليها، ناهيك عن كونها بعيدة عن أنظار الفلسطينيين، فمن يدخل إليها لا يدخلها تحت نظر الناس، بالتالي لا يشعر بالخجل”.
ويتابع حديثه “عليه ورغم ما يبدو من كونها مراكز ذات جدوى اقتصادية، فإنها استخدمت كأداة لكسر مسألة مقاطعة البضائع الإسرائيلية، ولامتصاص أو مقاسمة التاجر والمنتج الفلسطيني للقوة الشرائية التي بيد المستهلك الفلسطيني إن توفرت، وهو ما جعلها إحدى وسائل الإضرار بالنشاط الاقتصادي داخل المدن الفلسطينية، خاصة مع ما امتازت به شموليتها وأسعارها المنافسة والمغرية”.
وعن مدى تأثير القانون في وعي المواطنين، قال الخبير الاقتصادي صدقة: “مسألة وجود القانون أو عدمه ليست المسألة المهمة بقدر رغبة ونية ومصلحة الحكومة في التوجه نحو المقاطعة، وهناك مصلحة مادية للسلطة من التبعية الاقتصادية، إذ إن السلطة كلما قامت بالاستيراد أو جلبت بضائع من “إسرائيل”، حصلت على إيرادات ضرائبية لهذه البضائع، ودولة الاحتلال تجبي نيابة عن السلطة ضرائب البضائع المستوردة، كما تدفع للسلطة ضريبة البضائع الإسرائيلية التي تدخل أراضي السلطة، بالتالي فالمنتج المحلي لا يجلب لها مثل هذه الإيرادات، رغم ما يوفره دعم المنتج المحلي من فرص عمل وتقليل نسب البطالة”، وختم حديثه بالقول: “أعتقد أن أولوية السلطة الفلسطينية هي في زيادة الإيرادات حتى لو كان ذلك على حساب المنتج الوطني”.
وجرمت السلطة الفلسطينية، في قرار بقانون صدر في 2010 عن الرئيس محمود عباس، التعامل مع المستوطنات واعتبر القرار منتجات المستوطنات كافة سلعًا وخدمات غير شرعية يحظر تداولها، كما يحظر تقديم سلعة أو خدمة للمستوطنات.
ورغم أن قرار السلطة يحظر أيضًا العمل في المستوطنات على الفلسطينيين، فإنها، أي السلطة، لم تستطع اتخاذ خطوات صارمة بهذا الاتجاه، كونها تعجز عن توفير فرص عمل بديلة لأكثر من 20 ألف فلسطيني يعملون في المستوطنات، في ظل نسبة بطالة عالية تصل إلى 27% في الأراضي الفلسطينية.