“ليس بالضرورة أن تكون عميلاً لتخدم أعداء الوطن.. يكفي أن تكون غبيًا”، لعلك قرأت هذه المقولة من قبل، بل ولعلك استخدمتها في كتاباتك وحوارتك لإظهار مدى عمقك الفكري وأنك من اللذين منحهم الله الحنكة التي تكفل لك الإجهاز على أعدائك بدون أن يدركوا أنك انتصرت عليهم .. ها أنا أستخدم تلك المقولة أيضًا، عزيزي.. دعني أصدمك، آفة جيلنا “الزياطة”.
“الانتصار في المعارك ليس هو النجاح التام، النجاح التام هو أن تكسر مقاومة العدو بدون قتال”.. عندما تفكر في شيء أنت لا تعرفه من الأساس فإما أن تتحرى وتقرأ عنه لتصل إلى نتيجة ترضي عقلك وشهوتك الفكرية أو أنك تترك أذنك لتفكر لك بل ودعني أضيف وعينك أيضًا، كل ما نراه من مواد إعلامية في الإعلام التقليدي أو حتى الإعلام الجديد هي أفكار تبحث عن عقول تتبناها وتحولها لمشاريع فكرية نرى تطبيقاتها في المجتمع، وكل من يعاني من فراغ فكري ولا يملك مرجعية فكرية لتنقيح هذه الأفكار، سيجدها منطقية وسيتبناها إذا كان الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي هما مصدر معلوماته الوحيد، وينطبق هذا للأسف الشديد على الغالبية الكاسحة من الشعوب وخاصة شعوبنا العربية.
“حتى لو انتصر الشر فإنه لا يستقر أبدًا”.. ولأن العدو يؤمن بتلك المقولة، فعلى مدار عقود يحاول الكيان الإسرائيلي أن يقوم باحتلال الأراضي العربية، وقد نجح فعليًا في احتلال أجزاء من أوطاننا جغرافيًا، ولكنه كان يعي تمامًا أنه لن ينجح في فرض سيطرته واستقراره بدون زرع فكرة قبول وجوده على تلك الأرض ذهنيًا؛ وبالتالي كان يحاول دومًا أن يستخدم إمكانياته في الضغط على الحكومات العربية لمحاولة تمرير هذه الفكرة كأمر واقع في عقول الشعوب العربية، ولكن كل تلك المحاولات لم تكن كافية له لملئ الأفئدة على النحو الذي يريده.
“للنصر طريقان يؤديان إليه .. براعتك وحماقة عدوك”.. إحدى الصفحات التابعة لكيان الاحتلال الإسرائيلي على الفيس بوك والتي يزيد عدد متابعيها على ثلاثمائة ألف ومعظمهم من العرب تقوم بالنشر باللغة العربية وبنفس أسلوب العرب في الحديث وفي الواقع هم يتمتعون بالشمولية فيما ينشروه بين أحداث اجتماعية وأماكن سياحية وأخبار حربية وأبحاث طبية ودراسات جامعية بل وحتى نفس صِيغ التهنئة بالأعياد وأيام الجٌمع والمناسبات المختلفة التي يستخدمها العرب في حياتهم اليومية، وبلا أدنى تفكير يقوم المتابعون لتلك الصفحة بالتعليق أو بإعادة مشاركتها على صفحاتهم بالشخصية بتعليقات تهكمية أو حتى بالسباب باعتبار أن هذا يشفي غليلهم وإعطائهم شعورًا مٌفرغ من الحقيقة أن هذا انتصار نفسي على العدو، هكذا يفعل من هم بالفعل مقتنعون بشكل كامل بأن الأعداء يحاولون التقرب والتطبيع مع الشعوب العربية بشتى الطرق، أو آخرين من عامة الناس اللذين يُعتبروا الفئة الأساسية المستهدفة من قِبل القائمين على تلك الصفحة لزرع أفكار شتى في بواطن عقولهم، بل يصل بهؤلاء البسطاء الحال إلى درجة إغوار النفس فتقلب مفاهيمها ومعاييرها وتشكل لها سلوك ومعايير جديدة ويصيبهم الانبهار الداخلي حتى وإن لم يعلنوا عن ذلك مما يجعلهم مهيئين لتقبل فكرة أن الاحتلال الإسرائيلي ما هو إلا دولة جارة وصديقة وأنهم قريبون منا في العادات والتقاليد وأن جزءًا كبيرًا مما كان يسمعونه عنهم لم يكن سوى مجرد إدعاءات.
آفة جيلنا “الزياطة” .. يدرك العدو ذلك جيدًا، ولذلك يحاول بشتى الطرق تحويل تفاعل المشاركين حتى وإن كان بالسباب والتهكم لصالحه، فالهدف من أي صفحة أو حساب على مواقع التواصل الاجتماعي هو جذب أكبر عدد ممكن من المتابعين والمعجبين وبمرور الوقت وبمتابعة كافة ما تنشره تلك الصفحة سيترسخ في أذهان من يتابعونها فكرة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بل والاقتناع بأن ما يُروج عنهم كله ليس صحيحًا بالطبع مع وجود معطيات أخرى في ظل واقع أليم تعيش فيه أوطاننا العربية، ونتيجة لذلك ينتصر العدو بالرصاصات السحرية التي يزرعها في العقول.
“إذا لم تلائم الحقائق النظرية، فلتغيّر الحقائق” .. إن الحفاظ على المبادئ والمعتقدات المبنية على يقين راسخ في مواجهة محاولات الهيمنة عليها وتزييفها باتت معركة شرسة للحفاظ على وجودك الفكري قبل الجسدي، اذا كنت من ضمن المتابعين لتلك الصفحة أو صفحات مشابهة ابدأ بنفسك وارحل عنها ولا تتفاعل معها بأي شكل، بل وانصح أصدقائك بذلك أيضًا ولكن بأسلوب خالي من الدعاية الغير مباشرة، لا تعط العدو أي إيحاء بأي نصر ضئيل حتى وإن كانت نواياك التي تبعتها أفعالك تقنعك بأنك أنت من انتصرت، وبما أن الواقع يقول إنهم هم من حققوا هدفهم وجعلوك تشارك ما نشروه، فأنت إذًا من انهزمت.