ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: روهولا فاغيهي وإيجي غوكسيديف
لقد توسل إليه والداه بأن يبقى في إيران، لكن داروش موزفاري، البالغ من العمر 33 سنة، مصر على مغادرة إيران إلى تركيا ومن المحتمل أن يظل هناك إلى الأبد. وخلال العقد الماضي، امتهن خريج الهندسة المعمارية العديد من الوظائف وكان يدخر ما يجنيه للسفر. ويبدو أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي شهدتها إيران قد سرعت من تنفيذ خططه، حيث قدم استقالته لشركة البناء التي يعمل فيها. ولكن ذلك يعني أنه سيغادر البلاد بمدخرات أقل بكثير مما كان يأمل نظرا لتراجع قيمة الريال الإيراني الذي خسر ثلثي قيمته مقابل الدولار خلال هذه السنة.
في هذا السياق، صرح موزفاري بينما كان بصدد إنهاء بعض المعاملات المتعلقة بالتأشيرة في إحدى الوكالات التي تعنى بالهجرة: “بين ليلة وضحاها، خسرت مدخراتي نصف قيمتها بعد إصدار الرئيس الأمريكي تحذيرا نهائيا قبل أن ينسحب من الاتفاق النووي”. وليس داروش الإيراني الوحيد الذي قرر مغادرة أرض الوطن. وعلى الرغم من أن الإحصائيات الرسمية لم تصدر بعد إلا أن مستشاري الهجرة في إيران أقروا بأن أعداد الإيرانيين الذين قرروا تأسيس حياة جديدة خارج حدود الوطن شهدت ارتفاعا مطردا. وتعد تركيا الوجهة التالية بالنسبة للكثير من الإيرانيين الراغبين في الهجرة.
تراجع سعر الليرة التركية نحو 40 بالمائة منذ بداية السنة وسط مخاوف من تدهور السياسية المالية في البلاد ومزيد تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين أنقرة وواشنطن، لكن ذلك لم يثن الإيرانيين عن الهجرة إلى تركيا
منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، وفرار نحو مليوني إيراني إلى تركيا، باتت الحدود بين إيران وتركيا دربا معهودا بالنسبة للإيرانيين لأسباب اقتصادية ودينية واجتماعية، وخاصة عندما تشهد البلاد أزمة سياسية. ويقول كثيرون إنهم سافروا للدراسة أو أنشأوا مشاريع أو استثمروا في العقارات في هذا البلد، لأنه يوفر تعليما ذا جودة أفضل، ومواطن شغل أكثر، وفرص استثمار. وفي الآونة الأخيرة، أدت أزمة العملة إلى خلق موجة أخرى من المهاجرين، وفي المقابل سيواجه أولئك الذين يطمحون إلى مغادرة البلاد هذه المرة مشكلة اقتصادية أخرى.
العقارات التي اشتراها الإيرانيون في تركيا
لقد تراجع سعر الليرة التركية نحو 40 بالمائة منذ بداية السنة وسط مخاوف من تدهور السياسية المالية في البلاد ومزيد تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين أنقرة وواشنطن، لكن ذلك لم يثن الإيرانيين عن الهجرة إلى تركيا. وحسب معهد الإحصاء التركي “تويك”، ارتفع عدد العقارات التي اشتراها الإيرانيون في تركيا خلال السداسية الأولى من سنة 2018 إلى 944 بعد أن كان 792 في المجمل خلال السنة الماضية.
في الواقع، تتمثل الحوافز التي تشجعهم على اتخاذ تركيا وجهة لهم في التسهيلات التي تقدمها البنوك التركية على مستوى القروض، والشعور بأن أصولهم التي بدأت تخسر قيمتها في إيران، ستكون في مأمن في تركيا. وفي هذا الإطار، قال علي الذي ينحدر من أصول إيرانية ويقيم بأنقرة: “لقد اخترنا الهجرة إلى تركيا لتحظى بحياة أفضل”. وأضاف علي “لقد خسرت العملة الإيرانية قيمتها حتى مقابل الليرة التركية”، وهذا يعني أن الليرة التركية مازالت في متناول الإيرانيين أكثر من اليورو والدولار؛ ولهذا السبب “ستكون تركيا الوجهة الأولى للإيرانيين، حتى لو كانوا يريدون الهجرة إلى الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية”.
هل يمكن أن يعود الإيرانيون يوما ما إلى أرض الوطن؟
إذا بحثت في محرك البحث غوغل بالفارسية عن كيفية “شراء منزل في تركيا”، ستظهر لك عشرات الصفحات تقترح كل واحدة منها عليك طريقة لشراء منزل أو الحصول على تصريح إقامة في تركيا. وحيال هذا الشأن، قال رئيس غرفة التجارة الإيرانية – التركية في طهران، رضا كامي، إن الإيرانيين اقتنوا نحو ألف منزل وشقة في تركيا منذ ربيع السنة الحالية، وتتراوح أسعار هذه العقارات بين 50 ألف ومائتي ألف دولار، وينال الشاري تصريح إقامة بصفة أوتوماتيكية.
عدد الإيرانيين الذين يتمتعون بتصريح إقامة في تركيا.
مع ذلك، أشار كامي إلى أن أغلب العقارات التي يتم اقتناؤها موجهة في الأغلب إلى الاستثمار، “وإلى جانب القوانين غير الصارمة وغياب التأشيرة، تلعب توقعات الأشخاص بشأن إمكانية خسارة قيمة أصولهم في إيران دورا رئيسيا في اتخاذ هذا القرار”. لكن يبدو أن محسن أزرنيجاد، وهو مستشار في وكالة خاصة بالهجرة، لا يوافقه الرأي لأنه يعتقد أنه بالنسبة لجل الإيرانيين الذين يشترون العقارات في البلاد، تعتبر تركيا وطنهم. وقد أكد أزرنيجاد أن “الأشخاص يهاجرون إلى تركيا للاستقرار فيها، وقد ارتفعت وتيرة هذا النوع من الهجرة خلال الأشهر الأربع الأخيرة”. وأشار أزرنيجاد إلى أن مدينة إسطنبول ومدينة أنطاليا السياحية، وألانيا من بين أكثر المدن المفضلة لدى الإيرانيين.
يقول محسن أزرنيجاد إن أنطاليا تعد واحدة من المناطق الثلاث الأولى التي يقصدها الإيرانيون لشراء العقارات.
نظراً للمشاكل المالية التي تعاني منها تركيا، فضلا عن علاقتها المثيرة للجدل مع الولايات المتحدة الأمريكية، يرى حسان صبوري، وهو مستشار لدى شركة مختصة في الهجرة، أن هذا ليس الوقت المناسب للتخلي عن إيران. وقد صرح صبوري بأن “الأشخاص يذهبون إلى تركيا من أجل الهجرة والحياة على حد السواء، لكنني لا أنصح أي شخص ببيع جميع ممتلكاته في إيران والانتقال للعيش في تركيا، حيث أنه لا يمكن التنبؤ بعواقب هذا القرار الذي ينطوي على مخاطر كبيرة”.
“أشعر بالحرية هنا”
بالنسبة للعديد من الإيرانيين، لطالما تمحور الانتقال إلى تركيا حول فرص التعليم والتوظيف أكثر من اقتصاره على الاستثمارات. وفي مقابلة له مع موقع “ميدل إيست آي”، أفاد أحد المواطنين الإيرانيين، الذي سبق له العمل في تركيا لثماني سنوات في جمعية التضامن مع طالبي اللجوء والمهاجرين، إحدى أكبر المنظمات التي تعنى بمد يد العون للمهاجرين في تركيا، بأن عدد الإيرانيين الذين جاؤوا للمنظمة بغية تلقي المساعدة والتوجيه ازداد بنسبة 25 بالمائة خلال الأشهر الست الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أن المتحدث الإيراني اشترط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول لإجراء المقابلات الصحفية.
يمثل الطلاب الذين يقدر آباؤهم على دفع تكاليف دراستهم في تركيا فئة أخرى من المهاجرين الإيرانيين.
إلى جانب ذلك، أشار هذا المواطن الإيراني إلى أن بعض هؤلاء الإيرانيين يأتون محملين ببعض الأموال التي ادخروها بهدف العثور على عمل ما أو بدء عملهم التجاري الخاص بهم. وأضاف المتحدث قائلا: “في حال استطاعوا جني مبلغ لا بأس به من المال واستقروا في تركيا، يطلب هؤلاء الأشخاص من أقاربهم وأصدقائهم العاطلين عن العمل أو الذين لا يجنون مقداراً كافيا من المال في إيران المجيء للأراضي التركية. ويعمل بعض هؤلاء الأشخاص على افتتاح مشاريع تجارية مع شركاء أتراك، وهو ما يجعل الإجراءَات القانونية والمعاملات الورقية غاية في السهولة”.
يمثل الطلاب الذين يقدر آباؤهم على دفع تكاليف دراستهم في تركيا فئة أخرى من المهاجرين الإيرانيين. وبعد التخرج، يتسنى لهؤلاء الطلاب السعي للحصول على اللجوء في أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، ويرى المواطن الإيراني العامل في جمعية التضامن مع طالبي اللجوء والمهاجرين أن “الهجرة إلى الدول الغربية انطلاقاً من تركيا أسهل بكثير من الهجرة إليها من إيران”.
قبل سبع سنوات، كان علي واحدا من هؤلاء الطلاب، وسبق لهذا المواطن الإيراني الذي ينحدر من طهران المجيئ لتركيا من أجل الدراسة، قبل أن يتم تعيينه في إحدى المؤسسات الحكومية. ويعتبر علي واحدا من الأذريين الأتراك، وهي طائفة عرقية ناطقة باللغة التركية تتواجد بالأساس شمال غرب إيران، على طول الحدود التركية والأرمينية والأذربيجانية. وتفيد بعض التقديرات بأن هذه الطائفة تشكل ربع سكان إيران. وصرح علي قائلا “يقول بعض المنتمين لهذه الطائفة إنهم يواجهون التمييز العنصري، لكن لم يسبق لي أن كنت عرضة لمثل هذا التمييز أثناء فترة إقامتي في طهران”.
لطالما مثلت الدراسة في بلد أجنبي حلم علي ليسير على خطى أبناء عمومته وأصدقائه. وحيال هذا الشأن، قال علي “إن جودة التعليم ليست جيدة في إيران، ولا يمكن اعتبار هذا البلد الآسيوي مكاناً مثاليا للشباب، حيث توجد الكثير من الضغوط الاجتماعية والدينية. أشعر بالحرية هنا في تركيا”.
طلاب جامعيون في مكتبة إسطنبول.
تمكنت عائلة علي من إرساله لاستكمال دراسته في تركيا بفضل المدخرات التي جمعتها من المتجر الصغير الذي كان يديره والده. وفي هذا الصدد، قال علي: “لقد تمكنوا من ادخار بعض المال من أجلي بداعي قلقهم بشأن مستقبلي، ولم يكونوا يعرفوا ما إذا كنت قادراً على الحصول على عمل بعد التخرج أو لا لأن إيران كانت تعج بالعاطلين عن العمل. هناك بعض الأشخاص حولنا الذين لم يتمكنوا من العثور على عمل لسنوات عديدة. وقد اشترى لي والدي تذكرة سفر إلى أنقرة ووضع مقداراً من المال في جيبي”.
بموجب الاتفاقية المبرمة بين تركيا وإيران، يمكن لمواطني البلدين السفر دون الحاجة لتأشيرة، كما يمكن لهم البقاء على أراضي الدولة المجاورة لمدة تسعين يوما. وفي شأن ذي صلة، أفاد علي بأنه: “خلال هذه الأيام التسعين، تمكنت من التكيف بسهولة لأنني أجيد اللغة التركية، اجتزت امتحان القبول الجامعي وبدأت دراستي في جامعة أنقرة في وقت لاحق. وتخرجت من قسم التاريخ سنة 2015”. وأوضح علي أنه لم يكن واثقا بشأن بقائه في تركيا بعد التخرج في البداية، لكنه غير رأيه مع مرور الوقت وقال إنه سيبقى فيها، خاصة بعد اتضاح ملامح الأزمة الاقتصادية في إيران.
المصدر: ميدل إيست آي