ترجمة وتحرير: نون بوست
تحلق الطائرات المسيرة فوق الصحاري الشاسعة على طول الحدود السودانية، وتوجه قوافل الأسلحة التي تهرب الأسلحة غير المشروعة إلى المقاتلين المتهمين بارتكاب فظائع واسعة النطاق والتطهير العرقي.
وتقول جماعات الإغاثة إنها تحوم فوق مدينة محاصرة في قلب المجاعة الرهيبة في السودان، وتدعم قوة شبه عسكرية لا تعرف الرحمة قامت بقصف المستشفيات ونهبت شحنات الغذاء وأحرقت آلاف المنازل.
ومع ذلك، فإن الطائرات المسيرة تحلق من قاعدة تقول دولة الإمارات إنها تدير منها جهودًا إنسانية للشعب السوداني، كجزء مما تسميه “أولويتها العاجلة” لإنقاذ حياة الأبرياء ودرء المجاعة في أكبر حرب في أفريقيا.
وتلعب الإمارات لعبة مزدوجة خطيرة في السودان، البلد الذي مزقته واحدة من أكثر الحروب الأهلية كارثية في العالم.
ففي سعيها الحثيث لتعزيز دورها كصانع ملوك إقليمي، توسع الدولة الخليجية النفطية الثرية حملتها السرية لدعم المنتصر في السودان؛ إذ تقوم بتحويل الأموال والأسلحة، ومؤخرًا الطائرات المسيرة القوية إلى المقاتلين الذين يعيثون فسادًا في جميع أنحاء البلاد، وذلك وفقًا لمسؤولين ومذكرات دبلوماسية داخلية وصور أقمار صناعية حللتها صحيفة نيويورك تايمز.
وفي نفس الوقت؛ تقدم الإمارات نفسها كبطل للسلام والدبلوماسية والمساعدات الدولية، بل إنها تستخدم حتى أحد أشهر رموز الإغاثة في العالم؛ الهلال الأحمر – وهو نظير الصليب الأحمر – كغطاء لعملياتها السرية لتسيير طائرات مسيرة إلى السودان وتهريب الأسلحة إلى المقاتلين، كما تظهر صور الأقمار الصناعية ويقول مسؤولون أمريكيون.
إن الحرب في السودان، الدولة المترامية الأطراف والغنية بالذهب والتي يبلغ طول ساحلها على البحر الأحمر حوالي 500 ميل، تغذيها مجموعة كبيرة من الدول الأجنبية، مثل إيران وروسيا؛ والتي تزود الأطراف المتحاربة بالسلاح، أملاً في ترجيح كفة الميزان من أجل الربح أو تحقيق مكاسب إستراتيجية خاصة بها، بينما يبقى الشعب السوداني عالقًا في مرمى النيران.
ولكن بحسب المسؤولين فإن الإمارات تلعب الدور الأكبر والأكثر تأثيرًا على الإطلاق؛ حيث تتعهد علنًا بتخفيف معاناة السودان بينما تزيدها سرًا.
تطارد المجاعة السودان؛ فقد أُعلنت المجاعة رسميًا الشهر الماضي بعد نحو 18 شهرًا من القتال الذي أودى بحياة عشرات الآلاف وشتت ما لا يقل عن 10 ملايين شخص في أسوأ أزمة نزوح في العالم، كما تقول الأمم المتحدة. وتصفها منظمات الإغاثة بأنها كارثة ذات “أبعاد تاريخية”.
وتقول الإمارات إنها أوضحت “بشكل قاطع” أنها لا تسلح أو تدعم “أي طرف من الأطراف المتحاربة” في السودان، بل إنها على العكس من ذلك “قلقة من الكارثة الإنسانية المتسارعة” وتدفع نحو “وقف فوري لإطلاق النار”.
ولكن لأكثر من سنة كانت الإمارات تدعم سرًا قوات الدعم السريع، وهي مجموعة شبه عسكرية تقاتل الجيش السوداني من أجل السيطرة على ثالث أكبر دولة في أفريقيا.
وقد أكد محققون تابعون للأمم المتحدة في كانون الثاني/يناير الماضي على ما جاء في تحقيق نشرته صحيفة التايمز السنة الماضية يشرح بالتفصيل عملية تهريب الأسلحة الإماراتية؛ حيث أشاروا إلى أدلة “موثوقة” على أن الإمارات تخرق حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على السودان منذ عقدين من الزمن.
ويوسع الإماراتيون الآن حملتهم السرية؛ حيث يتم نقل طائرات مسيرة صينية الصنع من مطار عبر الحدود في تشاد قامت الإمارات بتوسعته ليصبح مطارًا مجهزًا على الطراز العسكري، وتعد هذه الطائرات هي أكبر ما تم استخدامه من نوعها في الحرب السودانية.
وتظهر صور الأقمار الصناعية أنه قد تم بناء حظائر للطائرات المسيرة وتركيب محطة للتحكم فيها، وقد كانت العديد من طائرات الشحن التي هبطت في المطار أثناء الحرب تنقل في السابق أسلحة الإمارات إلى مناطق نزاع أخرى مثل ليبيا؛ حيث اتُهم الإماراتيون أيضًا بخرق حظر على الأسلحة، وفقًا لتحليل أجرته صحيفة التايمز لبيانات تتبع الرحلات الجوية.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الإماراتيين يستخدمون المطار الآن لتسيير طائرات عسكرية مسيرة متطورة لتزويد قوات الدعم السريع بمعلومات استخباراتية في ساحة المعركة، ومرافقة شحنات الأسلحة إلى المقاتلين في السودان لمراقبة الكمائن.
ومن خلال تحليل لصور الأقمار الصناعية، حددت صحيفة التايمز نوع الطائرة المسيرة المستخدمة: وينج لونج 2، وهو طراز صيني غالبًا ما تتم مقارنته بطائرة إم كيو-9 ريبر التابعة للقوات الجوية الأمريكية.
وتُظهر الصور مُستودعًا للذخائر في المطار ومحطة تحكم أرضية لـ”وينج لونج” بجانب المدرج، والذي يقع على بعد حوالي 750 ياردة فقط من مستشفى تديره الإمارات وتعالج فيه المصابين من قوات الدعم السريع.
يمكن لطائرة “وينج لونج” التحليق لمدة 32 ساعة، ويبلغ مداها 1000 ميل ويمكنها حمل ما يصل إلى اثني عشر صاروخًا أو قنبلة، ولكن لا يبدو أن الطائرات المسيرة تقوم بضربات جوية خاصة بها في السودان حتى الآن بحسب المسؤولين، ولكنها توفر المراقبة وتحدد الأهداف في ساحات القتال الفوضوية.
وبحسب ج. مايكل دام، وهو زميل بارز في معهد ميتشل لدراسات الفضاء الجوي ومقره فيرجينيا، فإن هذا يجعلها “قوة مضاعفة مهمة”.
ووفقا للخبراء والمسؤولين، فإن الطائرات المسيرة قد يتم توجيهها عن بعد من الأراضي الإماراتية بعد إقلاعها من القاعدة. وقد تم رصدها مؤخرًا وهي تقوم بدوريات في سماء مدينة الفاشر السودانية المحاصرة، حيث يتضور الناس جوعًا وتحاصرهم قوات الدعم السريع، والمدينة موطن لنحو مليوني إنسان، وتتزايد المخاوف من أن المزيد من الفظائع على وشك الحدوث في هذه الحرب.
لقد كان المسؤولون الأمريكيون يضغطون على جميع المقاتلين في الحرب لوقف هذه المذبحة.
وقد واجهت نائب الرئيس الأمريكي زعيم دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، بشأن دعم بلاده لقوات الدعم السريع عندما التقى الاثنان في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وفقًا لمسؤولين مطلعين على هذا اللقاء. ودعا الرئيس بايدن هذا الأسبوع إلى إنهاء “الحرب التي لا معنى لها”، محذرًا من أن الحصار الوحشي الذي تفرضه قوات الدعم السريع على الفاشر منذ أشهر “أصبح هجومًا شاملًا”.
ومن المتوقع أن تثار الأزمة مرة أخرى عندما يستضيف بايدن وهاريس الزعيم الإماراتي في البيت الأبيض للمرة الأولى يوم الإثنين.
وقال جون ف. كيربي، المتحدث باسم البيت الأبيض، عن الحصار: “يجب أن يتوقف”.
“لا يمكنهم الكذب علينا بعد الآن”
اتُهم طرفي الحرب الأهلية في السودان بارتكاب جرائم حرب، والتي تشمل الاعتداءات الوحشية التي صورها المقاتلون أنفسهم.
وقد اندلعت الحرب في سنة 2023، عندما تحول صراع على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع – قوة مقاتلة ساعد الجيش في إنشائها – إلى إطلاق النار في شوارع العاصمة، وسرعان ما انتشر في أنحاء البلاد.
وقصفت الطائرات العسكرية السودانية المدنيين، بينما اتهمت الجماعات الحقوقية قوات الدعم السريع بالتطهير العرقي والقصف العشوائي الذي دمر المستشفيات والمنازل ومستودعات المساعدات.
وفي الفاشر؛ اتهمت منظمة أطباء بلا حدود الجيش السوداني بقصف مستشفى للأطفال، كما اتهمت قوات الدعم السريع بنهب الغذاء المخصص لمخيم يضم 400,000 شخص يتضورون جوعاً.
ويأمل العاملون في مجال الإغاثة في إنزال الغذاء جوًا إلى المدينة التي شبّهها توبي هاروارد، كبير مسؤولي الأمم المتحدة في دارفور، بـ”الجحيم على الأرض”.
وتصر الإمارات على أنها تحاول ببساطة وقف الحرب ومساعدة ضحاياها، وقد قدمت مساعدات بقيمة 230 مليون دولار، وقدمت 10,000 طن من إمدادات الإغاثة، ولعبت دورًا بارزًا في محادثات السلام الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة في سويسرا.
وقالت السفيرة بالخارجية الإماراتية لانا نسيبة بعد ذلك: “لا تزال الإمارات ملتزمة بدعم شعب السودان في استعادة السلام”.
وقد حاول عدد من المسؤولين الأمريكيين الكبار إقناع الإمارات بوقف عملياتها السرية، وواجهوها بصراحة بمعلومات الاستخبارات الأمريكية حول ما تقوم به الدولة الخليجية داخل السودان، وذلك بحسب ما قاله خمسة مسؤولين أمريكيين على علم بالمحادثات.
وبعد أن أثارت نائب الرئيس هاريس الاعتراضات الأمريكية على تهريب الأسلحة مع الشيخ محمد في كانون الأول/ديسمبر، قدم الزعيم الإماراتي ما اعتبره بعض المسؤولين اعترافًا ضمنيًا.
وعلى الرغم من عدم اعترافه بالدعم المباشر لقوات الدعم السريع، إلا أن الشيخ محمد قال إنه مدين لقائد المجموعة شبه العسكرية، الفريق محمد حمدان، لإرساله قوات للقتال إلى جانب الإمارات في حرب اليمن، وذلك وفقًا لمسؤولين أمريكيين اطلعا على اللقاء.
وقال المسؤولان إن الشيخ محمد قال أيضًا إنه ينظر إلى قوات الدعم السريع باعتبارها حصنًا ضد الحركات السياسية الإسلامية في المنطقة، والتي طالما اعتبرتها العائلة المالكة الإماراتية تهديدًا لسلطتها. (لم ترد الحكومة الإماراتية على أسئلة حول المحادثة).
وقال أحد المسؤولين الأمريكيين، والذي لم يكن مصرحًا له بالحديث علنًا عن المعلومات الاستخباراتية: “لم يعد بإمكانهم الكذب علينا بعد الآن، لأنهم يعرفون أننا نعرف”.
وبحسب جيريمي كونينديك، رئيس منظمة اللاجئين الدولية والمسؤول السابق في إدارة أوباما وبايدن، فإن منظمات الإغاثة غاضبة بشكلٍ خاص من الإمارات، وتتهمها بإدارة “عملية إغاثة وهمية” لإخفاء دعمها لقوات الدعم السريع.
وقال عن الإماراتيين: “إنهم يريدون الأمرين معًا. يريدون التصرف كمارقين يدعمون مليشياتهم العميلة ويغضون الطرف عن كل ما تفعله (الميليشيات) بأسلحتهم، ويريدون الظهور بمظهر العضو البنّاء الملتزم بالقواعد في النظام الدولي”.
لقد حولت الحرب الأهلية في السودان هذا البلد ذا الموقع الإستراتيجي على البحر الأحمر إلى ساحة حرب عالمية مفتوحة للجميع، فقد زودت إيران الجيش السوداني بطائرات مسيرة مسلحة، والتي قاتلت إلى جانب القوات الخاصة السودانية في العاصمة الخرطوم، كما وقفت مصر أيضًا إلى جانب الجيش السوداني.
أما روسيا فقد لعبت على كلا الجانبين؛ حيث قام مرتزقة فاغنر في البداية بتزويد قوات الدعم السريع بالصواريخ، حسبما وجد مفتشو الأمم المتحدة. وفي الآونة الأخيرة، يقول المسؤولون إن الكرملين مال إلى جانب الجيش؛ حيث عرض عليه الأسلحة مقابل الوصول البحري إلى ساحل البحر الأحمر السوداني.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الحوثيين في اليمن أرسلوا شحنات من الأسلحة إلى الجيش السوداني، بناءً على طلب من إيران، وأرسلت قطر الغنية بالغاز ست طائرات حربية صينية. (نفى كل من القطريين والحوثيون إرسال مساعدات عسكرية).
وخلص المسؤولون إلى أن الإمارات أرسلت مجموعة من الأسلحة أيضًا.
وكتب سفير الاتحاد الأوروبي لدى السودان، إيدان أوهارا، في شباط/فبراير مذكرة سرية حصلت عليها صحيفة التايمز، وجاء فيها: “لقد ساعدت الطائرات المسيرة ومدافع هاوتزر وقاذفات صواريخ متعددة ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة على الكتف التي سلمتها الإمارات إلى قوات الدعم السريع على تحييد التفوق الجوي للجيش السوداني”. (منظومة الدفاع الجوي المحمول هو نوع من الصواريخ المضادة للطائرات).
واحتوت المذكرة على تأكيدات مذهلة أخرى: أن السعودية قدمت أموالًا للجيش السوداني الذي استخدمها لشراء طائرات إيرانية مسيرة، وأن ما يصل إلى 200 ألف مرتزق أجنبي يقاتلون إلى جانب القوات المسلحة السودانية، وأن مرتزقة فاغنر قاموا بتدريب القوات الدعم السريع السودانية على استخدام الصواريخ المضادة للطائرات التي قدمتها الإمارات.
ويبدو أن الدور الإماراتي هو جزء من حملة أوسع نطاقًا في أفريقيا. ففي السنة الماضية، أعلنت الإمارات عن استثمارات بقيمة 45 مليار دولار في جميع أنحاء القارة، وفقًا لمحللين، وهو ما يقرب من ضعف ما أعلنته الصين. وفي الآونة الأخيرة، توسعت الإمارات في مجال جديد: الحرب.
فقد قلبت مجرى الحرب الأهلية الإثيوبية في سنة 2021 من خلال تزويد رئيس الوزراء الإثيوبي بطائرات مسيرة مسلحة في مرحلة حاسمة من القتال، مما ساعده في النهاية على الخروج منتصرًا. والآن يبدو أنها تحاول تكرار نفس الإنجاز في السودان مع قوات الدعم السريع.
خط إمداد الأسلحة
وفي السنة الماضية؛ عندما بدأت طائرات الشحن في الهبوط في مطار أم جرس، الذي يبعد 600 ميل شرق العاصمة التشادية إنجامينا، أعلنت الإمارات أنها جاءت لإنشاء مستشفى ميداني للاجئين السودانيين.
لكن في غضون أشهر، اكتشف المسؤولون الأمريكيون أن المستشفى الذي بلغت تكلفته 20 مليون دولار كان يقدم الرعاية لمقاتلي قوات الدعم السريع بسرية، وأن طائرات الشحن كانت تحمل أيضًا أسلحة تم تهريبها لاحقًا إلى المقاتلين داخل السودان.
وأظهر تحليل صحيفة نيويورك تايمز لصور الأقمار الصناعية وسجلات الرحلات الجوية أن الإماراتيين أنشأوا نظام الطائرات المسيرة في نفس الوقت الذي كانوا يروجون فيه لعمليتهم الإنسانية.
وخلال مكالمة هاتفية مطولة في أوائل مايو/أيار مع نظيره الإماراتي، استشهد مستشار الرئيس بايدن للأمن القومي، جيك سوليفان، بمعلومات استخباراتية أمريكية رفعت عنها السرية حتى يتسنى مشاركتها مع مسؤول أجنبي. وقال اثنان من المسؤولين الأمريكيين المطلعين على عملية التبادل إن الأدلة وثقت الدعم العسكري الإماراتي لقوات الدعم السريع.
لكن يبدو أن الصراحة الأمريكية لم يكن لها تأثير يذكر؛ حيث يقول مسؤولون أمريكيون وشهود عيان في تشاد إن الإمارات قد ضاعفت من دعمها للقوات الجوية التشادية في الأشهر الأخيرة.
ويقول المسؤولون إن عدد رحلات الشحن الجوي التي تهبط الآن في مطار أم جرس قد انخفض، حيث يمكن اكتشافها بسهولة، لكن نسبة أكبر من الإمدادات تصل الآن عبر الشاحنات، وغالبًا ما تمر عبر طرق تتجاوز المدن والبلدات الكبرى.
ويتم أيضًا العثور على آثار أسلحة موردة من الإمارات في ساحة المعركة. وقد تعرفت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرًا على صواريخ صربية الصنع، أُطلقت من طائرة مسيرة مجهولة الهوية، قالت إنها بيعت في الأصل إلى الإمارات.
وقال سوتشي ماسرا، رئيس وزراء تشاد السابق، إن “الوضع واضح للغاية: فالإمارات ترسل الأموال وترسل الأسلحة أيضًا. وأضاف أنه بعد تلقي شكاوى من المسؤولين الغربيين، أبلغ رئيس بلاده، محمد إدريس ديبي، بأن السماح للإمارات بإرسال الأسلحة عبر تشاد كان “خطأً فادحًا”.
ولم يتغير شيء في الوضع الحالي. فقد وعدت الإمارات ديبي بقرض يبلغ 1.5 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبًا حجم الميزانية الوطنية لتشاد، التي كانت 1.8 مليار دولار قبل سنة.
وتدعم الإمارات القوات الدعم السريع المسلحة بطرق أخرى أيضًا. ففي وقت سابق من هذه السنة، حملت طائرة إماراتية خاصة قائد القوات شبه العسكرية، الجنرال حمدان، في جولة في ست دول أفريقية، حيث تم معاملته كرئيس دولة.
وتُعتبر دبي، واحدة من الإمارات السبع التي تشكل الدولة، مركز الإمبراطورية التجارية للقوات شبه العسكرية الإماراتية، التي ترتكز على تجارة الذهب. وقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على ما تُسمى “شركة واجهة” التابعة لقوات الدعم السريع، كما أدرجت مؤخرًا سبع شركات إماراتية قيد التحقيق للاشتباه في ارتباطها بهذه الجماعة شبه العسكرية.
ويقيم شقيق الجنرال حمدان، الجنيد حمدان، البالغ من العمر 34 سنة، في دبي منذ سنة 2014، وقد استُهدف بالعقوبات الأمريكية. ومع ذلك، أصبح الآن محاورًا رئيسيًا في جهود السلام المتعثرة. وفي حديثه في سويسرا خلال المحادثات التي جرت الشهر الماضي، تجاهل حمدان الإجراءات الأمريكية المفروضة عليه.
وقال: “إذا كان ذلك سيجلب السلام للسودان، فبإمكانهم فرض عقوبات على أي عدد من الشركات كما يريدون”.
واعترف حمدان بأن بعض قوات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات، لكنه أصر على أن الإمارات لا تدعمها. وقال: “لا يوجد دليل على أي شيء. إنها مجرد دعاية كاذبة”.
رمز محبوب للمساعدة
وأثارت العملية الإماراتية في تشاد قلقًا عميقًا لدى اتحاد الصليب الأحمر والهلال الأحمر، الذي يُعتبر أحد أقدم حركات الإغاثة في العالم وأكثرها عراقة.
وقال توماسو ديلا لونجا، المتحدث باسم الصليب الأحمر، إن الاتحاد الدولي للصليب الأحمر علم فقط من خلال التقارير الإخبارية أن الهلال الأحمر الإماراتي قد أنشأ مستشفى في أم جرس. وأضاف أن الهلال الأحمر الإماراتي، الذي يتم تمويله من قبل الحكومة الإماراتية، لم يُبلغ الاتحاد الدولي كما كان ينبغي عليه أن يفعل.
وقد روّج الإماراتيون بحماس لسخائهم، وأظهرت الدعاية الحكومية العمال وهم يفرغون منصات الشحن ويعالجون المرضى تحت شعار الهلال الأحمر – وهو شعار يعود تاريخه إلى سبعينيات القرن التاسع عشر وهو محمي قانوناً بموجب اتفاقيات جنيف، ويعتبر إساءة استخدام هذا الرمز جريمة حرب محتملة.
وقال ديلا لونغا إن الصليب الأحمر، الذي كان قلقًا من أن سمعته في الحياد أصبحت في خطر، أرسل بعثات لتقصي الحقائق إلى تشاد في سنتي 2023 و2024، بهدف “فهم أفضل” لما كان يفعله الإماراتيون تحت راية الهلال الأحمر في أم جرس، ولكنهم لم يجدوا سوى القليل من الإجابات.
وقال ديلا لونغا إن المسؤولين، عندما وصلوا، تم إبعادهم من المستشفى الميداني الإماراتي “لأسباب أمنية” غير محددة. وغادر المسؤولون في نهاية المطاف تشاد دون أن تطأ أقدامهم المستشفى. ولم يرد الهلال الأحمر الإماراتي على الأسئلة.
وقال كونينديك، المسؤول في منظمة اللاجئين الدولية، إنه “من غير المألوف” أن تمنع منظمة إغاثة مسؤوليها من زيارة مستشفى من المفترض أنه يعالج اللاجئين.
وأضاف: “يبدو أن الإمارات تستغل الهلال الأحمر كغطاء لشحنات أسلحة موثقة جيدًا لميليشيا ترتكب فظائع في دارفور”.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، قال مسؤولون إماراتيون إنهم عالجوا ما يقرب من 30 ألف مريض، ويتطلعون إلى توسيع المستشفى، لكن الناس في أم جرس يقولون إن المستشفى يفتح لمدة أربع ساعات فقط في اليوم.
وافتتحت الإمارات مستشفى ميدانيًّا ثانيًا في تشاد، في مدينة أبيشي، في نيسان/ أبريل. وعندما زارت صحيفة نيويورك تايمز هذا المرفق الذي يحتوي على 80 سريرًا في تموز/ يوليو، كان الأطباء يقدمون بسهولة جولة في أجنحته المجهزة تجهيزًا جيدًا. وأوضح مدير المستشفى، الدكتور خالد محمد، أنه يستقبل ما يصل إلى 250 مريضًا يوميًا.
وقال إن شركة إماراتية خاصة تدير المستشفى، ولا علاقة له بالصليب الأحمر أو الهلال الأحمر. ومع ذلك، كان المستشفى يغلق في الساعة الرابعة مساءً كل يوم، مما يحد من الخدمات الطبية التي يمكن أن يقدمها.
ويقول الصليب الأحمر إنه لا يزال يحاول معرفة ما ينوي الإماراتيون فعله.
وقال ديلا لونجا، المتحدث باسم الصليب الأحمر، عن التحقيق في مستشفى أم جرس: “لم تنته العملية بعد. نحن نريد أن نصل إلى حقيقة الأمر”.
موازنة إيران
وبينما يغرق السودان في ما وصفه العديد من الخبراء بأكبر أزمة إنسانية في العالم، يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يركزون على الصراع بشكل أكبر من أي وقت مضى. فقد نظم أنتوني بلينكن، وزير الخارجية، محادثات السلام الشهر الماضي في سويسرا على الرغم من ضعف فرصها في وقف القتال.
وتدخل سوليفان، مستشار الأمن القومي، بشكل مباشر مع مسؤولين من السعودية عندما بدا أنهم يعرقلون المحادثات، حسبما قال ثلاثة أشخاص على دراية بالتفاعلات؛ لكن إدارة بايدن منقسمة حول سؤال أساسي: إلى أي مدى يجب أن تضغط على الإمارات؟
وعندما اقترح المبعوث الأمريكي إلى السودان، توم بيريلو، في بودكاست في 4 أيلول/ سبتمبر أنه يؤيد مقاطعة الإمارات من قبل مغني الراب ماكلمور، الذي ألغى مؤخرًا عرضًا في دبي بسبب دور الإمارات في السودان، أثار ذلك رد فعل غاضب من المسؤولين الإماراتيين، وفقًا لما قاله العديد من المسؤولين.
وقال بيريلو في البودكاست: “من المؤكد أنني لم أضع ماكلمور كبطل للسودان على بطاقة البينغو الخاصة بي”.
وشعر بعض كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية أن بيريلو قد ذهب بعيدًا جدًا، بينما شعر آخرون بالامتعاض من فكرة الرضوخ للإماراتيين من أجل علاقات جيدة.
وقد عكس الخلاف حدود تحدي الإمارات، وهي دولة تعتمد عليها الولايات المتحدة في العديد من الأولويات العالمية. فالإمارات تعد حليفًا قويًا للولايات المتحدة في مواجهة إيران، وهي من الدول الموقعة على اتفاقات إبراهيم لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر الإمارات لاعبًا محتملاً في غزة بعد الحرب، كما أنها سهلت عمليات تبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا.
لقد تجاهلت الدولة الخليجية اللوم الدولي من قبل، لا سيما بشأن دورها في اليمن، ولكن يبدو أنها حساسة تجاه الانتقادات المتزايدة بشأن السودان.
وقالت المذكرة السرية للاتحاد الأوروبي إنه عندما ناقش الدبلوماسيون الأوروبيون في شباط/ فبراير الماضي ما إذا كانت الإمارات “ستشعر بأي هواجس بشأن المذابح والدمار” الناتج عن أفعالها في السودان، توصل الدبلوماسيون إلى أن الإماراتيين “سيكونون أكثر قلقًا بشأن أي ضرر قد يلحق بسمعتهم بدلاً من الشعور بالذنب الأخلاقي”.
لكن ما إذا كان الإماراتيون على استعداد للتنازل عن السودان إلى إحدى القوى العديدة المتنافسة التي تتدافع في الحرب، وخاصة إيران، هو أمر آخر تمامًا.
ومن الواضح أن احتمال حصول إيران على موطئ قدم على الشواطئ الغربية للبحر الأحمر أثار قلق الإمارات والعديد من الدول العربية الأخرى المشاركة في السودان، وفقًا لما يقوله المسؤولون.
ويؤدي هذا الشعور بالقلق إلى حرب بالوكالة ويدفع القوى المتنافسة إلى ضخ المزيد من الأسلحة إلى السودان، مما يدفع الدولة المترنحة نحو الانهيار الكامل.
ويقول الإماراتيون إن اللاجئين السودانيين ممتنون للمساعدة الإماراتية، لكن الغضب بين الآخرين يتزايد.
وفي الأسبوع الماضي، عندما زارت السفيرة الإماراتية نسيبة، التي شاركت في محادثات السلام في سويسرا، إحدى المستشفيات في تشاد لاستعراض الأعمال الخيرية التي تقوم بها بلادها، واجهها لاجئ سوداني غاضب، خلال اجتماع عام، صرخ الرجل قائلاً: “أنتِ تعلمين جيدًا أنكِ من أشعلت هذه الحرب! نحن لا نريد منكِ أي شيء سوى أن توقفيها”. وسرعان ما انتشرت هذه المشادة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال الرجل، الذي طلب أن يتم تعريفه باسم سليمان خوفًا من الانتقام، في حديثه عبر الهاتف، إنه لم يتمكن من تمالك نفسه. وأضاف أن وحشية قوات الدعم السريع أجبرته على الفرار من السودان قبل سنة، لينضم إلى 800 ألف لاجئ موجودين الآن في تشاد. لذلك عندما جلست الوزيرة الإماراتية أمامه، كما قال رأيت “سبب تدمير منزلي”، وأضاف: “لقد فقدت كل شيء. وكان عليّ أن أقف وأقول ما في قلبي”.
المصدر: نيويورك تايمز