ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال السنوات القادمة، ستشكل قاعدتين جويتين في أعماق الصحراء النيجيرية مركز عمليات القوات المسلحة الأمريكية التي تتولى مهام مكافحة الإرهاب في أفريقيا. وانطلاقا من هذه القواعد البعيدة عن الأعين غير المرغوب فيها، ستنطلق طائرات الاستطلاع والمهاجمة التي تستهدف مجموعة من “المواقع الإرهابية”. وتتمركز إحدى هاتين القاعدتين في الشمال الغربي للنيجر، بينما تقع الأخرى في الشمال الشرقي للبلاد. ويشرف البنتاغون على إدارة إحدى هاتين القاعدتين، فيما تتولى وكالة الاستخبارات المركزية مهام القاعدة الثانية.
لكن، تملك كلتا القاعدتان هدفا موحدا ألا وهو استهداف الإرهابيين جوا، التابعين لعدد غفير من “التنظيمات الإرهابية” المنتشرة في حوالي عشرة بلدان في الساحل الأفريقي. وتوجد القاعدة الأولى في ضواحي مدينة أغاديس بالقرب من أحد مفترق الطرق الرئيسية في الصحراء، وتمثل هذه القاعدة أكبر قواعد القوات الجوية الأمريكية. ورسميا، تسمى هذه القاعدة “إيه بي 201″، وهي عبارة عن مركب يضم العديد من المرافق العادية على غرار مقهى، ومطاعم للوجبات الخفيفة، وقاعة رياضة، وقاعة ترفيه. وقد تم بناء هذه المرافق من الصفر لضمان راحة حوالي 650 جنديا متمركزين في هذه القاعدة بشكل دائم.
قاعدة “إيه بي 201” ليست سرية بالكامل، فقد تم الكشف عن مخططات بنائها خلال شهر أيلول/ سبتمبر من سنة 2014، من قبل صحفيّ واشنطن بوست
من جهة أخرى، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” نهاية الأسبوع الماضي أن وكالة الاستخبارات المركزية أنشأت منذ شهر كانون الثاني/ يناير قاعدتها الخاصة في منطقة ديركو بالقرب من الحدود الليبية. وفي الوقت الراهن، تُعتمد هذه القاعدة رسميا لتعزيز مهام تحديد المواقع لا غير؛ لكن لا يعتقد أي أحد أن هذه القاعدة ستحافظ على صبغتها الحالية لوقت طويل.
قاعدات الطائرات من دون طيار، الرهان العسكري الكبير للولايات المتحدة الأمريكية في النيجر
تجدر الإشارة إلى أن قاعدة “إيه بي 201” ليست سرية بالكامل، فقد تم الكشف عن مخططات بنائها خلال شهر أيلول/ سبتمبر من سنة 2014، من قبل صحفيّ واشنطن بوست، كرايغ وايت لوك. كما تم تأكيد هذه المعلومة في وقت لاحق من قبل قيادة القوات المسلحة الأمريكية لأفريقيا (أفريكوم). لكن، كالمعتاد، لم تشدّ هذه الأخبار اهتمام أي طرف من الأطراف. وفي بداية الأمر، بدا هذا المشروع كواحد من بين عديد المشاريع العسكرية الأمريكية التي تقودها البلاد في جميع أنحاء العالم.
بينما كان المراسلون والمحققون يكشفون معلومات عن هذه القاعدة، فتحت وزارة الدفاع الأمريكية المجال أمام الكثير منهم للتحقيق في هذه المسألة
لكن، بدأت هذه المسألة تثير اهتمام الكثيرين في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد أن تحدث العديد من عناصر الكونغرس الأمريكي والصحفيين عن تمويل هذه القاعدة، التي كانت ميزانيتها المبدئية في حدود 50 مليون دولار. وفي وقت لاحق، اتضح أن عملية بناء هذه القاعدة ستجعل هذا الرقم يتضاعف بشكل فعلي. وقد قُدّر مؤخرا أن تكلفة بناء هذه القاعدة ستفوق 280 مليون دولار بحلول سنة 2024، وذلك دون احتساب أجور العاملين في هذه القاعدة.
بينما كان المراسلون والمحققون يكشفون معلومات عن هذه القاعدة، فتحت وزارة الدفاع الأمريكية المجال أمام الكثير منهم للتحقيق في هذه المسألة. وبناء على ذلك، تم السماح لعدد من الصحفيين بزيارة موقع القاعدة التي لا زالت في طور البناء. ومنذ وقت ليس ببعيد، أصبحت المنشآت الثلاث الكبرى، التي تعد مركز هذه القاعدة والتي تحيط بها العديد من البناءات، مرئية من الجو وذلك من خلال بحث بسيط في خدمة غوغل إيرث.
قاعدة طائرات من دون طيار في طور البناء، صورة مأخوذة في شهر حزيران/ يونيو 2017 (غوغل إيرث).
تعتيم حول الوجود العسكري الأمريكي
في وثيقة تخطيط لمشروع بناء القاعدة الموجودة في النيجر، التي تم إعدادها خلال سنة 2015، يمكن قراءة ما يلي: “يتمركز المشروع العسكري الرئيسي للقيادة العسكرية الأمريكية في أغاديس، بالنيجر. ويتم العمل على بناء قاعدة طائرات من دون طيار قادرة على إيواء طائرات من دون طيار من طراز أم كيو-9 وسي-13”. وتشير الوثيقة ذاتها إلى أن “القاعدة تعتبر خيارا مثاليا، يمكن من خلاله تركيز الموارد الضرورية للاستخبارات والمراقبة والاستحواذ، وذلك نظرا لقربها من التهديدات الموجودة في المنطقة ونظرا لتعقيد العمليات العسكرية في المناطق الجغرافية الشاسعة في القارة الأفريقية”.
في السياق ذاته، تؤكد هذه الوثيقة أن وجود طائرات يتم التحكم فيها عن بعد أو طائرات من دون طيار، في شمال غرب القارة الأفريقية عامل يدعم العمليات العسكرية التي تتم قيادتها ضد سبع تنظيمات أجنبية وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية على قائمة التنظيمات الإرهابية. في الأثناء، يساهم نقل مركز العمليات العسكرية إلى أغاديس في توجيه موارد الاستخبارات والمراقبة والاستحواذ نحو التهديدات الحالية والناشئة في النيجر والتشاد. كما من شأن هذا العامل أن يدعم الأهداف الفرنسية في مختلف الجهات ويوسع نطاق تغطيتها نحو ليبيا ونيجيريا.
أكدت الوثائق ذاتها أن الرئيس النيجيري عبر عن “رغبته في دعم الطائرات التي يتم التحكم فيها عن بعد أو الطائرات من دون طيار المستخدمة لأغراض عسكرية”
بعبارة أخرى، تعد أغاديس منطقة مثالية لتغطية مناطق جغرافية هائلة تنشط فيها العديد من الجماعات الإرهابية، الأمر الذي يصعب إدارته انطلاقا من الأرض نظرا لحجمها الهائل. وفي وثائق أخرى تابعة للبنتاغون، تمت الإشارة إلى وجود أسباب أخرى تدعم اختيار النيجر لتركيز القاعدة الأمريكية الأكبر في تاريخها. وتتمثل هذه الأسباب في أن النيجر هي البلد الوحيد الواقع في الجزء الغربي للقارة الأفريقية المستعد للسماح بنشر الطائرات من دون طيار من طراز إم كيو-9.
كما أكدت الوثائق ذاتها أن الرئيس النيجيري عبر عن “رغبته في دعم الطائرات التي يتم التحكم فيها عن بعد أو الطائرات من دون طيار المستخدمة لأغراض عسكرية”. لكن، يضع الرئيس النيجيري شرطا؛ ألا وهو نقل الطائرات من دون طيار من نيامي النيجيرية، حيث كانت تتم إدارة هذه الطائرات منذ سنة 2013، نحو أغاديس.
في هذا الصدد، علق وليام أسنافو، المنسق الإقليمي في معهد الدراسات الأمنية الأفريقية، في حوار له مع صحيفة “فويس أوف أمريكا”، أن “قاعدة أغاديس تتمتع بميزة تتمثل في جعل الحضور الأمريكي أقل وضوحا، حيث أنها بعيدة عن العاصمة نيامي. ويعد هذا الجانب بالغ الأهمية نظرا للمعارضة الواضحة التي أظهرها جزء كبير من سكان النيجر، الذين لا يؤيدون الوجود الغربي في البلاد”.
وفقا لمسؤول أمني نيجيري، شنت وكالة الاستخبارات المركزية في 25 تموز/ يوليو الماضي هجوما جويا انطلاقا من هذه القاعدة ضد جماعات إرهابية متمركزة في منطقة أوباري الليبية، وهي العملية التي لم تعلن عنها الوكالة بشكل رسمي
من جانب آخر، أكد مسؤول سام أمريكي أن قاعدة ديركو لا تلتزم بالشروط المفروضة على الجيش الأمريكي في قواعده العادية، بشكل جزئي أو بالكامل. وعلى وجه الخصوص، تستفيد وكالة الاستخبارات المركزية من التسهيلات الكبرى التي منحها إياها ترامب، استجابة لطلب مديرها السابق ووزير الخارجية الحالي، مايك بومبيو. وبموجب هذه التسهيلات، تم التخلي عن جزء كبير من القيود التي فرضها باراك أوباما على استخدام الطائرات من دون طيار في القواعد الأمريكية، ومن قبل وكالات الاستخبارات، خاصة بعد الجدل الذي شهدته الصحافة العالمية إثر تسجيل عدد كبير من الضحايا المدنيين الذين توفوا بسبب الهجمات التي نفذتها هذه الطائرات في عدة مناطق على غرار اليمن وباكستان.
في الأثناء، تبين أن قاعدة ديركو لها وظيفة أخرى تتمثل في مراقبة تحركات تنظيم القاعدة في جنوب ليبيا خاصة، حيث أكد العديد من المحللين تنامي تهديدات هذا التنظيم في هذه المنطقة. ووفقا لمسؤول أمني نيجيري، شنت وكالة الاستخبارات المركزية في 25 تموز/ يوليو الماضي هجوما جويا انطلاقا من هذه القاعدة ضد جماعات إرهابية متمركزة في منطقة أوباري الليبية، وهي العملية التي لم تعلن عنها الوكالة بشكل رسمي.
عناصر من القوات الجوية الأمريكية يقومون بنقل المولدات الكهربائية في قاعدة “إيه بي 201” في أغاديس في أيلول/ سبتمبر 2017.
النيجر؛ عنصر أساسي في الاستراتيجية الأمريكية في القارة الأفريقية
تعد النيجر واحدة من الدول التي تلقت أكبر حجم من المساعدات الاقتصادية والمادية في إطار المبادرات الأمريكية لمكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية. في نفس الوقت، لا يعد الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي النيجيرية مجرد برنامج للتدريب المشترك، إذ يكتسي أبعادا جدية للغاية. وما يؤكد على ذلك، حادثة موت أربعة عناصر من القوات الخاصة الأمريكية في كمين تابع لتنظيم الدولة في تونغو بالقرب من الحدود النيجيرية المالية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
في شأن ذي صلة، تلقت حكومة نيامي مساعدات تقدر بحوالي 30 مليون دولار خلال 15 سنة الماضية، مما جعلها تتحول إلى واحدة من البلدان الأفريقية الثلاث التي تلقت أكبر حجم من المساعدات الأمريكية في إطار مكافحة الإرهاب. وعموما، يستقر حوالي 800 جندي أمريكي في النيجر. وفي ظل هذا الوضع، أصبح العديد من السكان النيجيرين يظهرون معارضتهم للوجود العسكري الأجنبي في البلاد، إذ أنه إلى جانب القوات الأمريكية، تتواجد القوات الفرنسية والإيطالية والألمانية التي تحافظ على عدد من أفراد جيوشها على الأراضي النيجيرية. وقد تجسدت هذه المعارضة في شكل مظاهرات تخرج في الشوارع من حين إلى آخر، التي يتم قمعها بشكل حاد من قبل السلطات النيجيرية.
أكد رئيس النيجر، محمد يوسفو، في حوار له مع صحيفة الغارديان قائلا: “أنا لا أحب استخدام مصطلح قوات أجنبية لأن القوات الأمريكية قوات صديقة، كما أنها ستغادر البلاد في أقرب وقت ممكن وفقا لرغبة السلطات”
لكن، ساهم هذا الرفض، الذي أبداه المواطنون النيجيريون بطريقة أو أخرى، في اتباع السلطات النيجيرية والأمريكية على حد السواء أسلوب التعتيم فيما يتعلق بمسألة انتشار القوات الأمريكية في القاعدة النيجيرية. كما أنهم لا يبذلون الكثير من الجهد لشرح ذلك. ووفقا لعديد المراقبين على الميدان، أثار هذا التعتيم شتى أنواع نظريات المؤامرة بين المواطنين الذين يعتقدون أن الجنود الأجانب يتمركزون في النيجر من أجل الاستفادة من موارد البلاد.
في الأثناء، أكد رئيس النيجر، محمد يوسفو، في حوار له مع صحيفة الغارديان قائلا: “أنا لا أحب استخدام مصطلح قوات أجنبية لأن القوات الأمريكية قوات صديقة، كما أنها ستغادر البلاد في أقرب وقت ممكن وفقا لرغبة السلطات، علما وأنها حلّت بالبلاد استجابة لطلبنا. وبمجرد أن تنتهي مهمتها ستغادر النيجر”.
أما وزير دفاع النيجر، كالا مونتاري، فأشار إلى أن المبادرة الأمريكية تعمل بنجاح. وأضاف قائلا: “يمكننا الإقرار بأننا نجحنا بالفعل لأن أعمال العنف المسلطة علينا من قبل الإرهابيين تقلصت بشكل كبير بالمقارنة مع السابق، ذلك أننا أصبحنا معززين بالوسائل القادرة على الكشف والتصدي للتهديد في آن واحد”.
في المقابل، لا يتشارك الجميع نفس الرأي. ومن جهته، أكد وليام أسنافو أن “هذا التوجه يثير الكثير من المخاوف حول تجذر القوى الأجنبية في منطقة الساحل من أجل تحقيق مصالح غير واضحة في الغالب، ويمكن ألا تتوافق هذه المصالح مع المصالح الوطنية للدول المضيفة”. وشدد أسنافو أيضا على أن “الوجود العسكري الأجنبي يمكن أن يساهم في تصعيد الهجمات والمواجهات وأن يكون مبررا للهجمات الإرهابية التي تتبناها بعض الجماعات الإرهابية”.
من جانب آخر، أشار مراسل موقع “ذي إنترسيبت”، جو بيني، الذي زار في وقت سابق من هذه السنة القاعدة الأمريكية في النيجر، إلى أنه “ليس بإمكان الجنود الأمريكيين إرتكاب أي خطأ من شأنه أن يجذب انتباه السكان أو يثير غضبهم”. كما أكد أنه “في حال ارتكبت إحدى القوات العسكرية، سواء الفرنسية أو الايطالية أو الألمانية، خطأ، فستصبح جميعها هدفا للانتقام”.
يتمثل الهدف الأساسي الذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيقه في تقليص عدد عناصر الجيش الأمريكي المتواجدين حاليا في القارة الأفريقية، الذين يقدر عددهم بحوالي 1.200 جندي، لينخفض إلى النصف في غضون ثلاث سنوات
من جانبه، يمتلك البنتاغون وجهة نظره الخاصة، حيث يعتبر أن المزايا تفوق النقاط السلبية. ويعلل ذلك بأن التفوق في المجال الجوي وتعزيز الطائرات بقدرات على الهجوم تمثل جوانب تساعد على تنفيذ مخططات وزارة الدفاع الأمريكية التي تسعى إلى تخفيض عدد عناصر القوات الخاصة الأمريكية المنتشرة في الأراضي الأفريقية، دون الإضرار بقدرات الولايات المتحدة الأمريكية على مكافحة الإرهاب.
في هذا الصدد، إذا وافق وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، على المخططات الأمريكية المتعلقة بالقواعد الخاصة بالطائرات من دون طيار، فسيتم التخلي عن القواعد الأمريكية في النيجر، وتونس، والكاميرون، وليبيا وكينيا، وهو الحال أيضا بالنسبة لوحدات النخبة الثمانية التي تعمل على مكافحة الإرهاب في القارة.
يتمثل الهدف الأساسي الذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيقه في تقليص عدد عناصر الجيش الأمريكي المتواجدين حاليا في القارة الأفريقية، الذين يقدر عددهم بحوالي 1.200 جندي، لينخفض إلى النصف في غضون ثلاث سنوات. ويعتبر الجيش الأمريكي هذه الأهداف بمثابة ضرورة ملحة قبل قرار تركيز جهود الدفاع الأمريكي في روسيا والصين. لكن، لا يجب التفريط دائما وأبدا في السيطرة على منطقة الساحل.
المصدر: الكونفدنسيال الإسبانية