دعت فرنسا حليفتها مصر إلى تعليق إعدام 75 شخصًا من أنصار الرئيس المصري السابق محمد مرسي، بينهم قيادات بجماعة الإخوان المسلمين، تنفيذًا للحكم الصادر بحقهم من محكمة جنايات القاهرة، السبت 8 من سبتمبر/أيلول الحاليّ، في القضية المعرفة إعلاميًا باسم “فض اعتصام رابعة”.
أثار هذا الحكم الذي يعد الأكبر من حيث عدد المحكوم عليهم بالإعدام في قضية واحدة في مصر، حفيظة العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، إذ قدم للمحاكمة قرابة 739 متهمًا على رأسهم مرشد الإخوان محمد بديع، وعدد من رموز الجماعة أبرزهم محمد البلتاجي وعصام العريان وصفوت حجازي وباسم عودة، وصدرت بحق نحو 350 منهم أحكام بالسجن لمدة 15 عامًا، بينما حكم على 47 بالسجن مدى الحياة.
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول، في تصريحات لها على الإنترنت طالبت السلطات المصرية بتعليق تنفيذ هذه الأحكام من دون التحدث عن الظروف التي جرت خلالها المحاكمة، وتابعت “لدينا حوار مستمر مع مصر بشأن الإعدام، نثير هذا الموضوع معها كلما أتيحت لنا فرصة، بما في ذلك على أعلى مستوى”، لافتة إلى أن بلادها تكرر معارضتها المستمرة لعقوبة الإعدام، في أي مكان وظرف، والتزامها الإلغاء العالمي لهذا العقاب غير العادل وغير الإنساني وغير المجدي.
الإدانة الفرنسية للقاهرة تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بينهما توافقًا كبيرًا حيال العديد من الملفات المشتركة، تمخض عن جولات متبادلة من الزيارات بين قادة البلدين خلال الآونة الأخيرة، بخلاف حزمة من الصفقات الاقتصادية والتسليحية، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات عن تداعيات هذه الخطوة على مستقبل العلاقات المشتركة.
إدانات دولية
لم تكن فرنسا الدولة الوحيدة التي أدانت تلك الأحكام، فقد سبقتها الأمم المتحدة التي حثت على لسان ميشيل باشيليت المفوض السامي لحقوق الإنسان بها، السلطات المصرية على إعادة النظر في تلك العقوبات، واصفة المحاكمة بأنها “غير عادلة” وتمثل إجهاضًا كبيرًا للعدالة لا يمكن الرجوع فيه.
وأضافت باشيليت :”مُنع المتهمون من حقهم في الحصول على محامين شخصيين وتقديم أدلة براءتهم، بينما لم يقدم الادعاء دليلاً كافيًا لإثبات الاتهامات الموجهة لكل متهم، علمًا بأن تلك الأحكام ليست نهائية ويمكن الاستئناف عليها أمام محكمة النقض (محكمة أعلى).
بدورها أدانت المفوضية الأوروبية الأحكام وقالت في بيان لها: “ظروف المحاكمة الجماعية تلقي بظلال من الشك على احترام الإجراءات القانونية الواجبة، لا سيما حقوق المتهمين في محاكمة عادلة”.
دعت 11 منظمة حقوقية لإيقاف أحكام الإعدام، مضيفة في بيان صادر عنها: “نطالب بالوقف الفوري لأحكام الإعدام الجماعية، ووقف تنفيذ ما صدر من أحكام سابقة بالإعدام، تمهيدًا لإعادة النظر فيها”.
عربيًا.. دعت أحزاب تونسية، أول أمس الثلاثاء، إلى مراجعة تلك الأحكام وإعادة النظر فيها، ففي بيان صادر عنها قالت حركة النهضة التونسية إن تلك الأحكام تخالف بشكل صارخ المواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، داعية السلطات المصرية إلى التراجع عن هذه الأحكام، مشيرة إلى “حاجة الشعب المصري الشقيق للمصالحة والسماحة والسلم والتعقل، بديلًا عن الانتقام والتشفي وتوريث الأحقاد والثأر”.
من جانبه، أدان حزب “التيار الديمقراطي”، في بيان له أحكام الإعدام، داعيًا المعنيين بحقوق الإنسان إلى الضغط حتى التراجع عنها، كما أدان حزب البناء الوطن، الأحكام ذاتها، مطالبًا الأطراف الدولية بتحمل مسؤوليتها في “منع استمرار هذه المظالم”.
مصريًا.. دعت 11 منظمة حقوقية لإيقاف أحكام الإعدام، مضيفة في بيان صادر عنها: “نطالب بالوقف الفوري لأحكام الإعدام الجماعية، ووقف تنفيذ ما صدر من أحكام سابقة بالإعدام، تمهيدًا لإعادة النظر فيها”.
يذكر أن المنظمات الموقعة هي: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومركز عدالة للحقوق والحريات ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب ومبادرة الحرية ومؤسسة حرية الفكر والتعبير والمفوضية المصرية للحقوق والحريات ومركز دعم التحول الديموقراطي وحقوق الإنسان والجبهة المصرية لحقوق الإنسان ومركز بلادي للحقوق والحريات وكوميتي فور جاستيس ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف.
انتقادات دولية لأحكام الإعدام في قضية “فض رابعة”
القاهرة ترد
استنكرت القاهرة الانتقادات الدولية التي وجهت لأحكام الـ8 سبتمبر/أيلول، حيث أدانت وزارة الخارجية المصرية بيان مفوضة الأمم المتحده لحقوق الإنسان، واصفة ما جاء فيه بأنه “ادعاءات” فيها مس بنزاهة القضاء المصري واستهانة بخطورة الجرائم المنسوبة للمتهمين.
الخارجية وعبر بيان لها اعتبرت تصريحات باشيليت “بداية غير موفقة للمفوضة الجديدة” في ممارسة عملها بالأمم المتحدة، وأنه مؤشر على “تجاوز صلاحيات منصبها دون امتلاك الولاية أو التخصص لذلك”، كاشفة أن ما أسمّته المفوضية الأممية بقانون كبار ضباط قوات الأمن يعكس “قراءة مغلوطة وسطحية” للنظام القضائي المصري، معتبرة أن قولها إن الأحكام الصادرة تفتقر إلى العدالة “يعد تجاوزًا غير مقبول”.
المتحدث الرسمي باسم الوزارة السفير أحمد أبوزيد، قال إن انتقادات المفوضية الأوروبية يعد نهجًا متكررًا لمواقف غير موضوعية من جانب المفوضية، مضيفًا أن ذلك يعد تكرارًا لإلقاء أحكام مطلقة مدفوعة بانحياز وخروج عن مبادئ احترام سيادة القانون والسلطات القضائية.
وتابع أبوزيد قائلًا”: “المؤسسات المصرية عازمة على مواصلة صلاحيتها الكاملة التي يكفلها الدستور والقانون، وستستمر مصر في التزامها بمبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى اتساقًا مع ميثاق الأمم المتحدة الواجب احترامه من جانب أعضاء المجتمع الدولي كافة، بما في ذلك المفوضية الأوروبية”.
نادرًا ما وجهت باريس انتقادات علنية للقاهرة بشأن حقوق الإنسان منذ تولي ماكرون السلطة في مايو/أيار 2017، وهو ما أثار العديد من علامات الاستفهام حين أدلت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية بتصريحاتها الأخيرة
من جانبه أصدر المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان بيانًا شديد اللهجة للرد على بيان باشيليت، قائلاً “الأحكام التي صدرت في القضية صدرت عن محاكمات عادية أمام القاضي الطبيعي وليست محاكم استثنائية، وأتيح فيها حق الدفاع للمتهمين وكان ذلك هو السبب في إطالة فترة المحاكمة”.
وأضاف أن هذه الأحكام ليست نهائية فما زالت هناك درجة أخيرة من درجات التقاضي وهي النقض، حيث يلزم القانون أن تطعن النيابة على هذه الأحكام في حالة عدم الطعن عليها من المتهمين، وقد يستغرق وقتًا لإتاحة الفرصة للمحكمة لإعادة تدارس القضية من جوانبها كافة.
واختتم المجلس بيانه بالقول: “لا بد من التفرقة بين الموقف من عقوبة الإعدام بصفة عامة والحق في المحاكمة العادلة”، مؤكدًا أنه مع إلغاء عقوبة الإعدام ولكن بعد تهيئة المجتمع المصري لذلك، “نحتاج للعمل بالتعاون مع كل أجهزة الدولة لنشر ثقافة حقوق الإنسان لمجابهة الموروثات الاجتماعية خاصة موضوع الثأر”.
السيسي خلال احتفاله بعيد ميلاد وزير الخارجية الفرنسي في القصر الرئاسي بالقاهرة
بعد انتقادات فرنسا.. ماذا عن العلاقات مع القاهرة؟
تحيا العلاقات المصرية الفرنسية منذ قدوم مانويل ماكرون حالة من التوافق السياسي والاقتصادي والعسكري، تمخضت عن زيارات متبادلة أجراها رئيسا البلدين فضلاً عن العلاقات القوية التي تجمع – على وجه الخصوص – وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان والرئيس المصري والذي وصلت بالأخير إلى الاحتفال بعيد ميلاد الوزير الفرنسي في القصر الرئاسي بالقاهرة خلال زيارته يونيو الماضي.
تطابق الرؤى بين القاهرة وباريس حيال بعض الملفات الإقليمية التي تمثل أهمية كبرى للجانب الفرنسي على رأسها الملف الليبي والهجرة غير الشرعية، كان أحد أبرز الأسباب التي دفعت إلى توطيد العلاقات بين الدولتين رغم الخلاف بينهما في عدد ليس بالقليل من الملفات الحقوقية والسياسية.
وزير الخارجية المصري سامح شكري، كان قد عبر في وقت سابق عن هذا التفاهم غير المسبوق في العلاقات مع فرنسا، مؤكدًا أن الرؤية المصرية الفرنسية متوافقة في العديد من القضايا الدولية نظرًا للعلاقة الوثيقة التي تربط الدولتين وتقوم على المصارحة والصداقة القوية.
نادرًا ما وجهت باريس انتقادات علنية للقاهرة بشأن حقوق الإنسان منذ تولي ماكرون السلطة في مايو/أيار 2017، وهو ما أثار العديد من علامات الاستفهام حين أدلت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية بتصريحاتها الأخيرة التي استنكرها الجانب المصري بصورة كلية.
مسؤولان فرنسيان على دراية بالمحادثات التي دارت بين ماكرون ومنظمات حقوقية داخلية قالا إن الرئيس الفرنسي أقر بتردي وضع حقوق الإنسان في مصر لكنه أبلغهم بأن أولويته هي ضمان أن يواصل السيسي المعركة ضد الجماعات الإرهابية
يعاني ماكرون وحكومته من ضغوط داخلية قوية من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان التي اتهمته قبل ذلك بالتقاعس عن توجيه أي نقد أو اتهام للرئيس المصري خلال زيارته الثالثة لباريس في أكتوبر/تشرين الأول 2017 بشأن تردي الملف الحقوقي، غير أن المسؤولين الفرنسيين رفضوا هذا الانتقاد بزعم أن الحكومة الجديدة تتبع سياسة عدم انتقاد الدول علانية بشأن حقوق الإنسان كي تكون أكثر فاعلية عند بحث هذه القضايا خلف الأبواب المغلقة وتعمل على أساس كل حالة على حدة.
البعض ذهب إلى أن المكاسب التي حققتها فرنسا من وراء تقوية علاقاتها بالنظام المصري الحاليّ ربما هي السبب وراء عدم التصعيد مع القاهرة بشأن ملفها الحقوقي، إذ أبرمت باريس عدة اتفاقات عسكرية كبرى مع مصر خلال الفترة الأخيرة منها بيع 24 طائرة رافال مقاتلة وفرقاطة متعددة المهام وبارجتان ميسترال في عقود تقارب قيمتها 6 مليارات يورو.
مسؤولان فرنسيان على دراية بالمحادثات التي دارت بين ماكرون ومنظمات حقوقية داخلية قالا إن الرئيس الفرنسي أقر بتردي وضع حقوق الإنسان في مصر لكنه أبلغهم بأن أولويته هي ضمان أن يواصل السيسي المعركة ضد الجماعات الإرهابية، هذا بخلاف الملف الليبي الذي تتطابق فيه الرؤية المصرية مع نظيرتها الفرنسية بما يفرض الأخيرة كقوة مؤثرة في المشهد الليبي مرة ثانية بعد تراجع خلال الفترة الماضية لحساب قوى أخرى.
الإدانة الصادرة على لسان المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، التي لم ترتق لدرجة البيان الرسمي في صورته التقليدية، يراه محللون استجابة لضغوط جماعات حقوق الإنسان داخل فرنسا، وليس شرطًا أن يعبر عن موقف باريس التي تتمسك بعلاقتها بالقاهرة في هذه المرحلة بصورة كبيرة.
وفي المجمل فإنه من الصعب أن تتأثر العلاقات بين القاهرة وباريس بمثل هذه الإدانات أو الانتقادات الصادرة بحق الأحكام الأخيرة أو غيرها، إذ إن محددات تلك العلاقة أكبر بكثير من البُعد الحقوقي الذي يعول عليه البعض، فالمصالح المتبادلة وترسيخ أركان الحكومات والأنظمة والمكاسب السياسية والاقتصادية هي البوصلة التي تحدد شكل ومستقبل العلاقات بين الدول في ظل المستجدات الإقليمية والدولية التي أعادت تشكيل خريطة القيم السياسية الدولية.