رغم أن رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” وجه ضربة قاسية لجماعة فتح الله كولن عبر الفوز الذي حققه في الانتخابات البلدية، يرى مطلعون على الشأن التركي أن الجماعة لازالت تمتلك بعض عناصر القوة.
وكان أردوغان قد تعهد بتتبع جماعة كولن ومحاسبتها على أفعال التنصت التي ينسبها إليها، حيث قال في خطاب النصر ليلة 30 مارس آذار: “سندخل أوكارهم، وسنجعلهم يدفعون الثمن.. سنحاسبهم.. كيف تجرؤون على تهديد الأمن القومي؟. الكثيرون فروا وربما يفر آخرون غدًا، ولكن سنحاسبهم جميعا”.
وكان فتح الله كولن قد غادر تركيا لتلقي العلاج الطبي في الولايات المتحدة في عام 1999، وهو يدعي الآن أن حركته لا تتدخل في السياسة وإنما تشعر بالقلق على القيم المدنية لتركيا، في حين يقول مقربون من رئيس الوزراء إن وجهات نظر كولن بشأن إسرائيل وروسيا و إيران تتفق بالكامل مع مواقف المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقولون إنه يسعى إلى ضبط السياسات الخارجية لتركيا وفق توجهات واشنطن.
أحد المقربين السابقين من فتح الله كولن وأحد شركائه في تأسيس الجماعة، لطيف أردوغان (لا تربطه صلة قرابة برئيس الوزراء) يقول: “أنا أتفق مع رئيس الوزراء أن ما تقوم به جماعة فتح الله غولن خاطئ، أوافق على أن الجماعة تمتلك دولة موازية داخل أجهزة الدولة”، ويضيف “في البدء كان هدفنا تثقيف الناس في الدين وتعليمهم الأخلاق، ولكن الحركة تورطت في السياسية بسبب رغبة كولن في حكم تركيا”.
ويرى لطيف أن كولن خان مبدأ الجماعة الأصلي، فيقول: “بدأنا طريقنا معًا برسالة روحية، ولكن الآن أصبحت الجماعة علمانية”، مؤكدًا أنه يتفق مع ما يقوله أردوغان بأن الجماعة تقف خلف التسريبات التي انتشرت مؤخرًا، وكذلك لا ينكر معظم التهم التي يوجهها أردوغان للجماعة.
استغلال نجاح الانتخابات
على الرغم من أن مزاعم الفساد حظيت بتغطية واسعة النطاق خلال الحملة الانتخابية في الصحف وعلى قنوات التلفزيون التي تدعم أفكار غولن، فإنها لم تؤثر على الناخبين الذين دعموا رئيس الوزراء في الانتخابات البلدية التي كانت بمثابة الانتخابات العامة بالنسبة للحزب الحاكم أو بمثابة الاستفتاء على شرعية رئيس الوزراء “رجب طيب أردوغان”.
كما كان انتصار الحكومة انتصارًا مزدوجًا، إذ أظهرت النتائج أن شعبية أردوغان لم تتأثر بالدعاية السلبية التي تعرض إليها بسبب استخدام القوة من قبل الشرطة ضد احتجاجات حديقة Gezi في ميدان تقسيم الصيف الماضي.
وكانت حركة فتح الله كولن حليفة لحزب العدالة والتنمية عندما كانا يسعيان إلى الحد من دور الجيش التركي في السياسة، وإلى وضع حد للتمييز ضد الإسلاميين في الحياة العامة في البلاد، إذ كانت الشراكة بينهما فعالة وناجحة بشكل ملحوظ، بوصف كولن ممثلاً للإسلام الاجتماعي ووصف أردوغان ممثلاً للإسلام السياسي.
وعلى مدى الـ 12سنة الماضية، حقق حزب العدالة والتنمية هيمنة سياسية على حساب باقي الأحزاب العلمانية في البلاد وأصبح أكبر حزب وطني تركي يمتلك تمثيلاً قويًا في البلديات في جميع أنحاء البلاد، في حين يقتصر كل حزب من الأحزاب الأخرى على مناطق جغرافية محددة، وفي الوقت نفسه، تغلغل أتباع كولن في بيروقراطية الدولة وخاصة الشرطة والدرك ثم مكاتب المدعين العامين والقضاة.
كما حقق حزب العدالة والتنمية عشر سنوات من النمو الاقتصادي لا مثيل لها، مما جعل تركيا تنجو من الأزمة الاقتصادية العالمية على عكس معظم البلدان الأوروبية التي تأثرت بشكل كبير بالأزمة الاقتصادية وتراجعت نسب نموها خلال السنوات الأخيرة.
وقد استند جزء كبير من النمو في تركيا على الاستثمار في البنية التحتية والبناء مثل شبكات القطارات فائقة السرعة والجامعات والمطارات في معظم المدن التركية، وحول هذه المشاريع يقول منتقدون إن معظم هذه المشاريع كانت تعطى للمقربين من أردوغان ويتم توظيف عقودها للحصول على المزيد من الدعم للحزب من قبل المؤسسات الإعلامية التابعة لكبار رجال الأعمال.
وجاء الانقسام بين حزب العدالة والتنمية وجماعة كولن بمثابة المفاجأة لكثير من الأتراك، إذ ظهرت الخلافات لأول مرة حول موقف تركيا من إسرائيل عندما انتقد كولن منظمي أسطول المساعدات الإنسانية، مافي مرمرة، الذي اعترضته إسرائيل وهو في طريقه إلى فك الحصار عن قطاع غزة في سنة 2010.
ثم تصاعد الخلاف عندما قامت الجماعة بتسريب تسجيل فيديو لفريق “هاكان فيدان” رئيس جهاز المخابرات أم أي تي، خلال عقده لمحادثات سرية في أوسلو مع الحركة الانفصالية الكردية المسلحة، بي كا كا، وحزب العمال الكردستاني.
ورغم عدم وجود دليل على أن الجماعة كانت وراء التسريب، فإن وسائل الإعلام التابعة للجماعة ركزت على التسريب وأشار كتاب الأعمدة في صحف الجماع على أن الحكومة بالغت في بذل التنازلات لصالح حزب العمال الكردستاني والمنظمات الإرهابية الحاملة للسلاح في جنوب شرق البلاد، كما أنه كان معلومًا أن جماعة كولن كانت تسعى إلى أن يتولى أحد كوادرها منصب رئاسة جهاز المخابرات عوضًا عن هاكان فيدان.
صراع مفتوح
طه أوزهان رئيس مؤسسة البحوث الاجتماعية السياسية والاقتصادية سيتا، يقول “لم يحدث أبدًا أن وقع زواج بين جماعة كولن وحزب العدالة والتنمية، فبينما قتل الجيش حوالي 5000 شخص وسجن حوالي نصف مليون في سنة 1980، كانت الجماعة تشيد بدور الجيش وتثني عليه، وكانت مواقفها منحازة دومًا إلى الجيش وإلى الدولة، وبهذه الطريقة تمكنوا من التغلغل داخل جهاز الشرطة ثم القضاء”.
آيكان أردمير نائب عن حزب الشعب الجمهوري الأتوتركي العلماني، يرى أن التناقض بين كولن وحزب العدالة والتنمية كبير جدًا: “كولن لا ينتمي لتيار الإخوان المسلمين، يمكن أن نصنف جماعة كولن على أنها وريثة الإسلام الصوفي الذي نشأ في منطقة الأناضول، فكولن هو الشخص المؤيد لأوروبا والاتحاد الأطلسي والسوق الحرة ويتعامل مع إسرائيل بطريقة براغماتية”.
مضيفًا: “أما أردوغان فينتمي لمرجعية مختلفة، ويتبنى رأسمالية الدولة الشعبوية والرأسمالية المحسوبية، وبالرغم من أنه يظهر أنه منفتح على الاتحاد الأوروبي والأطلنطي، فإن ذلك ناتج عن تماشيه مع الواقع ولكن في الأصل هو ضدهم قطعًا”.
وأما “لطيف أردوغان” شريك كولن في تأسيس الجماعة، فيقول: “بدأنا الحركة الخاصة بنا لبناء المدارس والجامعات، لأول مرة في تركيا ومن ثم في الخارج، كذلك أنشأنا لوبيات الضغط من رجال الأعمال والمنظمات والصحف ومؤسسات الحوار بين الأديان، وجعلنا خريجي مدارسنا يعملون كمتطوعين بأجور منخفضة في تعليم الأطفال الصغار”.
وحول التسريبات ومدى ثقتها بأن الجماعة هي من تقوم بتسريبها، يروي لطيف قصة شخصية مع فتح الله كولن فيقول “كولن لديه فضول كبير للاستماع، وقبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة بفترة، قال لي أنه كان يتنصت علي سرًا لمدة 15 عامًا”.
وحول تحالف العدالة والتنمية مع جماعة كولن، يعتقد لطيف أن كولن لم يكن أبدًا معجبًا بحزب العدالة والتنمية ولكنه كان داعمًا لفكرة وجود حزب إسلامي، لذلك دعم حزب العدالة والتنمية، ولو أنه أسس حزبًا آخر لما تمكن من تحقيق هذا النجاح”.
ويقول لطيف: “كنت أعرف أن الجماعة تغلغلت في جهاز الشرطة، وكان كولن أخبرني أنه ينوي استخدام أنصار الجماعة الموجودين داخل أجهزة الدولة، ولكني لم أكن أعلم أنه سيستخدمهم لتسريب تسجيلات تمس شخصيات في حزب العدالة والتنمية”.
المصدر: Middle East Eye