سارعت الخارجية الليبية إلى إبلاغ الجزائر تبرؤها من تصريحات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي هدد بشن حرب على الجزائر، متناسيًا جهودها في تحقيق المصالحة بين الليبيين جميعهم دون تفضيل طرف على آخر، فهل كان تصرف الرجل الذي يفقد نفوذه في البلاد يومًا بعد يوم بحث عن صدى نفسه، أم تنفيذ لأجندات غربية وعربية لم ترقها دومًا نظرة الجزائر لحل الأزمة بين خصوم جارتها الشرقية.
حفتر الذي هدد في فيديو -لقي تداولاً واسعًا على الإنترنت- الجزائر بالدخول معها في حرب بسبب “استغلالها الأوضاع الأمنية في ليبيا ودخول قوات من جيشها الأراضي الليبية”، حسب ادعائه.
وقال حفتر في جمع مع مؤيديه شرق ليبيا “إنه أبلغ السلطات الجزائرية بقدرته على نقل الحرب في لحظات إلى حدودها”، زاعمًا أن السلطات الجزائرية اعتذرت وأخبرته أن دخول قوات تابعة لها إلى ليبيا عمل فردي سينتهي في غضون أسبوع.
تبرؤ رسمي ليبي
وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل تلقى اتصالاً هاتفيًا من نظيره الليبي محمد الطاهر سيالة الذي أكد “التبرؤ من التصريحات غير اللائقة المعزاة لخليفة حفتر”. حيث جاء في بيان للخارجية الجزائرية أن سيالة جدد “تمسك السلطات الليبية بالحفاظ على العلاقات الأخوية والتاريخية القائمة بين البلدين والشعبين وتعزيزها”.
مراقبون: تصريحات حفتر لا تمثل إلا نفسه، فعدد الذين ما زالوا يستمعون لخطابه -كما هو واضح في الفيديو- لا يقنع الليبيين
وأعرب سيالة عن ارتياحه “لدور الجزائر ومساهمتها في إطار المسار الأممي لتسوية الأزمة الليبية، مساهمة ما فتئت تقدمها في ظل الكتمان المطلوب، وهذا باعتراف المجموعة الدولية منذ بداية الأزمة”.
وبحسب مراقبين، فإن تصريحات حفتر لا تمثل إلا نفسه، فالفيديو الذي نقل تصريحه يشير إلى عدد الذين مازالوا يستمعون لخطابه الذي لا يقنع الليبيين، وكل محاولاته بالعودة إلى صدارة الأحداث وصنع القرار في ليبيا باءت بالفشل حتى في بن غازي التي كان يسيطر على أجزاء منها.
تجاهل واضح ومعتمّد
لم تبد السلطات الجزائرية اهتمامًا كبيرًا بتصريحات حفتر، من باب أن الرجل لا يستحق الرد عليه حتى وإن تجاوز كل أعراف اللباقة والدبلوماسية، لأن هدف تصريحاته البحث عن صدى في وسائل الإعلام وتسليط الضوء عليه من جديد بعدما أفلت جعجعته في ليبيا.
وطمأن وزير الخارجية الجزائري مساهل نظيره الليبي قائلاً: “لا يمكن لأي تصريح أيًا كانت طبيعته أن يشكل مساسًا بعلاقات التضامن والإخوة الوثيقة بين البلدين وأن الجزائر ستواصل جهودها في البحث عن حل سياسي للأزمة الليبية في ظل احترام المبادئ التي دافعت عنها دومًا، لا سيما مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها”، ليتفق الوزيران على مواصلة “التشاور المنتظم” الموجود بين البلدين حول جميع المسائل ذات الاهتمام المشترك.
تجاهل الجزائر لتصريحات حفتر كانت منتظرة، لتؤكد في كل مرة أنها تتعامل مع من يمثل اللبيبين حقًا ويلقى اعترافًا دوليًا وأمميًا ممثلاً في حكومة الوفاق الوطني
إلى ذلك، قال مساهل في خطابه أمام الدورة العادية الـ150 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري المنعقدة بالقاهرة إنه “لا سبيل لحل الأزمة في ليبيا إلا عن طريق تقريب وجهات نظر الفرقاء الليبيين، وتشجيع الحوار الشامل والمصالحة الوطنية بينهم، بما يحفظ وحدة وسيادة وأمن واستقرار هذا البلد الشقيق ويلبي تطلعات الشعب الليبي في التنمية والازدهار”.
وكانت الجزائر قد استقبلت عدة مرات وفودًا ليبية من كل الأطراف، وحرصت على الوقوف على مسافة واحدة من جميع مكونات الأزمة في جارتها الشرقية. وبحسب مراقبين، فإن تجاهل الجزائر لتصريحات حفتر كانت منتظرة بما أنها تؤكد في مرة أنها تتعامل مع من يمثل اللبيبين حقًا ويلقى اعترافًا دوليًا وأمميًا ممثلاً في حكومة الوفاق الوطني.
وحتى وإن استقبلت الجزائر حفتر على ترابها من باب إشراك جميع الليبيين في إيجاد مخرج للأزمة التي تنخر بلادهم منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، إلا أنها نظرت دومًا للواء المتقاعد على أمير حرب يمتلك ميليشيا تسيطر على جزء من ليبيا، ويظهر ذلك في رفضها استقباله بزيه العسكري المليء بالنياشين على ترابها، كونها لا تعتبره قائدًا للجيش الليبي مثلما يحاول التسويق لنفسه.
بيدق لا جدوى منه
متابعون لمسيرة حفتر في ليبيا، يعتقدون أن تصريح “أمير الحرب” في بنغازي لم يأت من فراغ، فالرجل الذي عرف في البداية على أنه عين أمريكا في ليبيا، ثم تحول بعد تخلي واشنطن عنه إلى بيدق لفرنسا ومصر والإمارات ضمن مخطط الثورة المضادة لثورة 17 فبراير التي أطاحت بالنظام السابق، لا يتحرك مطلقا دون مهماز وإيعاز من جهات خارجية، وتصريحه مجرد بالون اختبار لجر الجزائر نحو متاهات قد لا تخدم نظرتها لحل الأزمة في ليبيا.
حاول ممثل حفتر التهرب من تصريح قائده باتهام قطر بالوقوف وراء ذلك، وهو ما يزيد من إمكانية احتمال وقوف الإمارات ومصر وراء خروج أمير الحرب الأخير
ولم تخف الجزائر في أكثر من مرة معارضتها للنظرة المصرية التي تقف وراءها فرنسا والإمارات بشأن حل الأزمة في ليبيا، حيث أكدت دائمًا على ضرورة اعتماد الحل السياسي لوقف العنف في البلاد، ورفضت أي تدخل عسكري في جارتها الشرقية، في حين كانت القاهرة من الذين نفذوا غارات جوية في ليبيا.
ويبدو أن هذه الخروج الأخير لأمير الحرب قد خيبت آماله وآمال من يقف وراءه، بعد تجاهل الجزائر له، لذلك سارع العميد أحمد المسماري الناطق الرسمي باسم كتيبة حفتر قائلاً: “أدحض كل الإشاعات أننا نهدد الجزائر أو أننا مصدر تهديد للجزائر ولا نرضى أن نكون مصدر تهديد لأي دولة من دول الجوار”.
وحاول ممثل حفتر التهرب من تصريح قائده باتهام قطر بالوقوف وراء ذلك، وهو ما يزيد من إمكانية احتمال وقوف الإمارات ومصر وراء تصريحات أمير الحرب الأخيرة بالنظر إلى خلافهما مع الدوحة، خلاف حرصت الجزائر أن تكون خارجه وأن لا تميل إلى أي طرف فيه، فقد شددت على إتباع سبل الحوار لحل الأزمة الخليجية.
وقال المسماري: “يكفينا ما يجمعنا بالجزائر من علاقات إنسانية وعلاقات محبة”، مضيفًا: “علاقاتنا قوية مع الجزائر وليس كما هي حال قطر التي لا توجد لها أي علاقات مع دول الجوار على الإطلاق”.
وأردف قائلاً: “من مبادئ الدولة الليبية احترام دول الجوار، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقف أي جندي واحد مقابل أي جندي عربي أو جندي من بلد مجاور إلا أذا كنا في معركة واحدة وضد الإرهاب”.
لكن هذه التصريحات لن تقدم أو تؤخر شيئًا بالنسبة للجزائريين بما أن دبلوماسيتها تعتمد مبدأ التواصل والاعتراف بالحكومات لا الميليشيات، خاصة وأن حقيقة الميدان تقول إن حفتر أصبح “ورقة محروقة”، فسكوته وصمته سواء.