منذ موافقة مجلس الأمن الدولي في الـ15 من فبراير 2018 على تعيين مارتن غريفيث مبعوث أممي خاص إلى اليمن خلفًا لإسماعيل ولد الشيخ أحمد، ظل غريفيث يحفر في بحر لعله يجد ثغرة يستطيع بها إقناع مليشيات الحوثي الموالية لإيران من أجل الامتثال للقرارات الدولية والحضور إلى جنيف لتنفيذ مسرحية المشاورات التي تهدف إلى إطالة أمد الحرب في اليمن.
لكنه فشل في إظهار الحوثيين بأنهم يسعون إلى السلام وفقًا لما كان يتحدث عنه في مؤتمرات صحفية عقب لقائه بزعماء المليشيات في العاصمة اليمنية، رغم أنه أعلن موافقة الحوثيين حضور مشاورات جنيف التي كان من المتوقع أن تعقد بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وجماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء والمحافظات المجاورة لها في الـ7 من شهر سبتمبر الحاليّ.
لكنه أخفق إخفاقًا كبيرًا وتعرض لطعنة في الظهر، فقد كان يعلن أن الحوثيين قبلوا دعوته دون أي شروط للحضور إلى جنيف من أجل العمل على إجراءات الثقة بين الجانبين المتمثلة بتبادل الأسرى بين الطرفين ومن ثم فتح مطار صنعاء وإجراء تفاوض جدي بشأن محافظة وميناء الحديدة.
رفض الحوثيين الحضور ليس كما يقولون بسبب أن التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية منع طائرة الوفد الحوثي الذي كان من المفترض أن يغادر الثلاثاء 4 من سبتمبر إلى جنيف أي قبل المشاورات السياسية بيومين، ولكن الحوثيين أبلغوا مارتن غريفيث برفضهم الطائرة الخاصة بالأمم المتحدة وطالبوا أن يتم تغييرها إلى طائرة أخرى وتأمين رحلتهم عبر إحدى الدول غير المشاركة في الحرب مثل سلطنة عمان أو الصين أو روسيا ولم يمانعوا حتى في أن تؤمن الكويت تلك الرحلة.
وتم ترجمة تلك المطالب بأنها شروط وتعنت، وأعلن وفد الحكومة اليمنية أن الحوثيين لا يريدون السلام بعد أن قرر وفدهم عدم السفر لعدم توافر شروط الأمان ودعوا إلى مشاورات في صنعاء، وفي حقيقة الأمر ذلك يعتبر عدم ثقة من الحوثيين في الأمم المتحدة.
لكن التحالف العربي نشر صورًا لتصريح قال إنه للطائرة التي كان من المفترض أن تقل الحوثيين إلى جيبوتي ومن ثم إلى نيروبي، ليعود بعد ذلك ويقول إنه ألغى رحلتين بناء على طلب الأمم المتحدة بعد تعنت وفد مليشيات الحوثي في الحضور إلى جنيف حيث مقر عقد المشاورات بين الحكومة اليمنية والحوثيين برعاية الأمم المتحدة.
ظاهريًا، كان واضحًا أن السبب الرئيسي لرفض الحوثيين مغادرة صنعاء هو عدم منحهم تصاريح من التحالف العربي الداعم لشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لكن هناك أهداف وحقائق أخرى غير معلنة أمام الرأي العام وهو ما يشير إلى أن الحرب اليمنية أصبحت تدار عن طريق قوى إقليمية والقرار السياسي سواء للحكومة اليمنية أم للحوثيين ليس ملكًا لهم وإنما ملك لما يتحكم بقرار الحرب ومصيرها.
لماذا رفض الحوثيون حضور مشاورات جنيف؟
وفقًا لما تحدثت به وسائل إعلامية عربية وأخرى تابعة للتحالف العربي، فإن حزب الله أمر الحوثيين بالامتناع عن الذهاب إلى مشاورات جنيف من دون تحقيق أهداف وشروط إضافية جديدة ليثبتوا لليمنيين أو القوات التي تقاتل معهم أن الحوثيين ما زالوا يتمسكون بزمام الأمور، وأنهم قادرون على حسم المعركة في أي مكان، حتى لا تتواصل الانهيارات العسكرية الميدانية للحوثيين التي زادت خلال الفترة الأخيرة على مستوى الجبهات.
المصدر الذي فضل وشدد على عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية وحفاظًا على حياته، أوضح أن ما يزيد على نصف الوفد الذي اختاره مهدي المشاط (رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين) بعناية كان خارج اليمن ويتنقل بحرية كاملة بين عمان وصنعاء عبر طائرة خاصة بالأمم المتحدة
لكن مصدر مفاوض محسوب على وفد الحوثيين، وهو من الشخصيات التي ما زالت في العاصمة اليمنية صنعاء، قال لـ”نون بوست” إنه فوجئ بعد أن كان مهيئًا للصعود باكرًا إلى طائرة الأمم المتحدة من أجل الانتقال إلى جنيف، باتصال في وقت متأخر من الليل إن بقية الوفد قد لا يغادر صنعاء، وقد يغادر في يوم 7 من سبتمبر بعد أن يتم تسفير مصابين وجثة قد تكون لأحد أفراد عناصر حزب الله التي تقاتل في اليمن إلى جانب مليشيات الحوثي الموالية لإيران، من بينهم القيادي في المليشيات عبد الخالق الحوثي الذي عاني من إصابات خطيرة في أثناء إشرافه على التصدي للقوات المشتركة المدعومة من الإمارات العربية المتحدة من دخول مديرية الدريهمي في محافظة الحديدة.
المصدر الذي فضل وشدد على عدم ذكر اسمه لمخاوف أمنية وحفاظًا على حياته، أوضح أن ما يزيد على نصف الوفد الذي اختاره مهدي المشاط (رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين) بعناية كان خارج اليمن ويتنقل بحرية كاملة بين عمان وصنعاء عبر طائرة خاصة بالأمم المتحدة، مستغربًا وضع الشروط الإضافية التي كانت سبب إظهار أن الحوثيين لن يجنحوا للسلم.
ووفقًا للمصدر، فبعد البحث عن الأسباب، كانت هناك أوامر من قيادة حزب الله اللبناني الذي كان يرى أن نقاط التفاوض في المشاورات التي كان مقرر لها أن تنطلق، لا تلبي رغبات إيران وستكون لها انعكاسات على المليشيات الحوثية في بقية الجبهات التي يدافعون فيها عن عقيدتهم.
أوضح ذات المصدر، أنه ومن أجل تغيير نقاط التفاوض لا بد من إيجاد شروط جديدة، ويجب أن يطرحها الحوثيون، ولن يقبل لهم العالم أي شروط إلا بتنفيذ سيناريوهين على أقل تقدير.
كان الحوثيون يأملون بأن يستعيدوا المناطق في منظر والدريهمي والتحيتا ومطار الحديدة، وبعض أحياء مدينة الحديدة، ليتم تغيير نقاط التفاوض من انسحاب مليشيات الحوثي من ميناء الحديدة دون قتال وعدم إراقة الدماء
السيناريو الأول هو امتناع مغادرة الوفد الحوثي عبر أي طائرة سواء كانت عمانية أم خاصة بالأمم المتحدة، من أجل الضغط على مارتن غريفيث وإحراجه أمام الرأي العالمي، وهو ما سيمكنه من التفاوض معهم وإضافة شرط من الشروط الحوثية وتغيير بعض نقاط التفاوض، خشية أن يسجل في تاريخه أول فشل في مهمة سلام يتوسط بها بين دولة ومليشيات انقلبت عليها في الشرق الأوسط.
الثاني، كان الحوثيون يخططون لشن حملة عسكرية هي الأشرس منذ بدء معركة الحديدة، ورمي كل ثقلهم العسكري عليها من أجل استعادة الأحياء داخل مدينة الحديدية والمديريات المحيطة بها في وقت وجيز وقبل انتهاء مهلة الحكومة اليمنية التي منحتهم 24 ساعة من أجل الوصول إلى جنيف أو سيغادر وفد الحكومة الشرعية.
كان الحوثيون يأملون بأن يستعيدوا المناطق في منظر والدريهمي والتحيتا ومطار الحديدة، وبعض أحياء مدينة الحديدة، ليتم تغيير نقاط التفاوض من انسحاب مليشيات الحوثي من ميناء الحديدة دون قتال وعدم إراقة الدماء، فأرادوا في حالة استعادة المناطق التي خسروها، إرسال رسالة إلى العالم بأن الحسم العسكري لن يجدي نفعًا والتحالف العربي قادر على الحسم في اليمن، وأنهم (أي الحوثيين) أصبحوا أمرًا واقعًا، ويجب أن يتم تغيير نقاط التفاوض إلى طرد القوات المشتركة والتحالف العربي من المناطق التي سيطروا عليها، لكنهم فشلوا في ذلك بعد معارك شرسة مع حراس الجمهورية الذين كانوا متكفلين بتأمين المناطق المحررة من تحت قبضة المليشيات الحوثية.
سيناريوهات ما بعد فشل مشاورات جنيف
بعد فشل مشاورات جنيف 3، يتوقع أن يتم تجميد العملية السياسية في اليمن، مع منح الفرصة للمبعوث الأممي مارتن غريفيت بتنفيذ جولات ومهمات خاصة مع الحوثيين لإقناعهم فقط بتسليم بعض المناطق دون قتال مثل محافظة صعدة وحجة، ومن ثم التفاوض على كيفية تسليم الحوثيين الدولة لحكومة انتقالية أو ربما لحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي التي تعاني من انتقادات شعبية واسعة بسبب عدم قدرتها على وقف تدهور العملة الوطنية والانهيار الاقتصادي في المناطق اليمنية المحررة.
لن يتوقف المبعوث الأممي في المكان الذي فشل فيه، سيعود مرة أخرى، وهذا ما كان واضحًا من خلال إحاطته إلى مجلس الأمن يوم الأربعاء 12 من سبتمبر
أظهر الحوثيون في هذه المشاورات أو المباحثات التي فشلت قبل أن تبدأ، أنهم ليسوا دعاة سلام أو يمكن أن يجنحوا للسلم، وأنهم ماضون فقط في تنفيذ أجندات إقليمية في اليمن على حساب الوطن وقوت المواطن، ومع ذلك فهم أظهروا حقيقتهم أمام الدول الإقليمية التي كانت تضغط على التحالف العربي والحكومة الشرعية في سبيل عدم تحرير الحديدة والدفع بهم إلى طاولة الحوار، وهو ما قد يغير مواقف هذه الدول مؤقتًا على أقل تقدير خلال فترة الشهرين أو الثلاثة أشهر القادمة، وسيغضون الطرف عما سيجري في الجبهات التي ستشتعل أكثر خلال الفترة القليلة القادمة كنوع من التأديب للمليشيات الحوثية، لكنهم سيعاودون الكرة مرة أخرى للضغط على التحالف العربي من أجل إعطاء فرصة إضافية لمارتن غريفيث من أجل الدفع بعملية أو بمسرحية السلام مجددًا.
لن يتوقف المبعوث الأممي في المكان الذي فشل فيه، سيعود مرة أخرى، وهذا ما كان واضحًا من خلال إحاطته إلى مجلس الأمن يوم الأربعاء 12 سبتمبر، وقال إنه سيعود إلى صنعاء من أجل الاستماع إلى وجهة نظر المليشيات الحوثية، وكأنه لم يستمع إليها من قبل، وسيحاول إيجاد التبريرات لإقناع الأمم المتحدة بضرورة الضغط مرة أخرى على التحالف بتخفيف العمليات العسكرية ضد الحوثيين، ذلك كان سيناريو العمليات السياسية، لكن ما سيناريو العمليات العسكرية.
ستتحرك جبهة الحديدة أكثر مما هي عليه الآن، وستبلغ ذروتها خلال الأسابيع القادمة، وستعمل القوات المشتركة على تغيير اتجاه سيرها (كما تحدثنا في الموضوع السابق) وهي الوصول إلى نقاط قطع الامتداد على مليشيات الحوثي القادمة من محافظات صنعاء وتعز وريمة وإب، وستترك لهم الطريق الدولي نحو حرض لينجو أفراد المليشيات الحوثية بأنفسهم أو استمرارهم في الحديدة سيواجهون مصير الموت لا محالة.
في محافظة صعدة شمال العاصمة اليمنية صنعاء الحدودية مع المملكة العربية السعودية والمعقل الرئيسي لمليشيات الحوثية، انطلقت عملية عسكرية هناك من أربعة محاور للوصول إلى مركز محافظة صعدة
هذه العملية العسكرية ستكون سريعة جدًا، وربما قد تعمل القوات المشتركة على تحرير ميناء ومدينة الحديدة وقطع الطريق الرابط بين صنعاء والحديدة، دون أن تتقدم أكثر لتحرير بقية المحافظة أو المحافظات اليمنية التي يسيطر عليها المليشيات الحوثية، وهو ما قد يشكل خطرًا على القوات المشتركة في الساحل الغربي لليمن من خلال القاعدة العسكرية التي سوف ينشئونها في أعالي الجبال المطلة على محافظة الحديدة أو في منطقة باجل، لتكون موقع هجوم على المواطنين والقوات المشتركة، وحتى لا تتكرر مأساة مأرب، فعلى القوات المشتركة أن تواصل التقدم العسكري حتى الوصول لأطراف العاصمة اليمنية صنعاء.
وفي محافظة صعدة شمال العاصمة اليمنية صنعاء الحدودية مع المملكة العربية السعودية والمعقل الرئيسي لمليشيات الحوثية، انطلقت عملية عسكرية هناك من أربعة محاور للوصول إلى مركز المحافظة، بدأت من كتاف والبقع شرقًا اللتين تبعدان عن مركز مديرية صعدة 58 كيلومترًا، ونصفها طريق صحراوي، وكذلك المحور الثالث من شمال صعدة وتحديدًا من مديرية باقم.
إضافة إلى انطلاق عملية عسكرية من الجنوب الغربي لمحافظة صعدة وتحديدًا من مديرات رازح وشداء والظاهر، والأخيرة أعلن الجيش الوطني اليمني السيطرة عليها.
التحركات العسكرية في تلك المناطق تعد ذات بعد إستراتيجي وتخطيط عسكري، إذا استمرت على نفس الوتيرة في التقدم حتمًا ستعلن خلال أشهر قليلة القوات الوطنية تحريرها والوصول إلى معقل عبد الملك الحوثي في جبال مران العتيدة والعنيدة.
وفي محافظة البيضاء (جنوب شرق للعاصمة صنعاء) وتبعد عنها بنحو 267 كيلومترًا، ستنطلق عملية عسكرية أخرى ضد المليشيات الحوثية، والسيطرة على مديرية الملاجم التي تعد من أهم مديرياتها، وجعلها الحوثيون مخزنًا للسلاح الثقيل وطائرات الدرونز، قد يغير من الخريطة العسكرية كليًا، فلكونها القريبة من صنعاء في حدودية مع كل أبين (جنوب شرق) وهي من المحافظات الجنوبية ومسقط رأس الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ومحافظة شبوة شمال شرقي وهي محافظة نفطية وغازية، ومحافظة مأرب من الشمال وصنعاء من الشمال الغربي، وذمار من الغرب وإب كذلك من الجنوب الغربي، فالسيطرة عليها تعني فتح الطريق العسكري نحو محافظة إب ومن ثم ذمار البوابة الجنوبية للعاصمة اليمنية صنعاء.
وفي حالة السيطرة على محافظة البيضاء التي تعد من المحافظات الجبلية الصعبة، ستكون المهمة لاقتحام صنعاء سهلة بعد أن يتم خنق الحوثيين من الاتجاهات كافة.
فالمشهد القادم في اليمن، مشهد عسكري بامتياز، لن يكون هناك مجال للعمل السياسي، لكن ما قد يخشاه اليمنيون هو تعنت الحوثيين أكثر وتدمير مصانع الغلال والمصانع الغذائية في الحديدة انتقامًا من اليمنيين، وكذلك من أن تتحرك المنظمات الحقوقية للضغط مجددًا على التحالف تحت ذريعة تفاقم الوضع الإنساني اليمني، مع العلم أن استمرار الوضع كما هو عليه دون حسم عسكري أو التوصل إلى حل سياسي يرضي الأطراف اليمنية كافة يفاقم الوضع الإنساني ويزيد معاناة الإنسان اليمني سواء على مستوى الأكل أم مياه الشرب أم الكهرباء أم انعدام الغذاء وزيادة الأسعار في ظل انعدام الدخل لدى المواطن نتيجة نهب الحوثيين لمرتبات الموظفين، وفرض الضرائب والمجهود الحربي على المواطنين بمختلف أطيافهم وطبقاتهم.
ولأن الحوثيين لن يجنحوا للسلم، وهم أصحاب سوابق في نقض كل الاتفاقيات ووصولهم إلى صنعاء عبر نكثهم للاتفاقيات، يصعب التحاور والجلوس معهم على طاولة حوار يمد فترة الصراع في اليمن ويزيد معاناة الإنسان اليمني، ولهذا بات من الضرورة حل الوضع في اليمن عسكريًا.