تغريدة واحدة من نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، باسم رئيسه دونالد ترامب، تضمنت تهديد تركيا بنتائج سلبية في حال لم تُطلق سراح القس الأمريكي أندرو برانسون، كانت كفيلة بهز أركان الليرة التركية وفقدانها ما يقارب 40% من قيمتها منذ بداية العام، مسجلةً مستوى قياسي متدنٍ عند 7.2 ليرة مقابل دولار.
غير أنها بدأت بالتعافي لتصل إلى ما يقارب 6 ليرات مقابل دولار، بعد تدخل البنك المركزي بعدة إجراءات احترازية، كان أبرزها رفع سعر الفائدة والتلميح بسعي المركزي لربط الليرة باليورو بالإضافة إلى الدولار، مع ضخ كميات كبيرة من السيولة للسوق في سبيل رفع مستوى الاقتراض لدعم الاستثمار الإنتاجي.
وفي إطار ذلك يُصبح التساؤل الأساسي هو: ما العوامل التي أدت لاستقرار سعر الليرة التركية؟
رفع سعر الفائدة
يبدو أن البلسم الشافي لتدهور الليرة التركية هو رفع سعر الفائدة على نحو مجدٍ، فما لبث البنك المركزي التركي أن رفع مستوى الفائدة بنسبة 24%، في اجتماعه بتاريخ 13 من سبتمبر/أيلول، حتى تعافت الليرة التركية وباتت تساوي 6 ليرات مقابل دولار، و7 ليرات مقابل يورو.
تُشير صحيفة “خبر ترك” في تقريرها “البنك المركزي أعلن قراره”، لتاريخ 13 من سبتمبر/أيلول، إلى أن اعتدال وهبوط الطلب الداخلي، أي الواردات، مقابل ارتفاع الطلب الخارجي، أي الصادرات، لعب دورًا جيدًا في اعتدال سعر صرف الليرة التركية
وبهذه النسبة من رفع الفائدة، احتلت تركيا المرتبة الثانية عالميًا بعد الأرجنتين وسورينام، من حيث معدلات رفع الفائدة، وتُعدّ سياسة رفع الفائدة من أنجع الوسائل في مواجهة هبوط سعر الصرف، نظرًا لكونها تجذب كميات كبيرة من “الأموال الساخنة” التي تعني تلك الأموال سهلة التنقل بين الأسواق العالمية، وتبحث عن أوراق تساهمية وودائع مصرفية بسعر فائدة مجدٍ.
اعتدال الطلب الداخلي مقابل ارتفاع الطلب الخارجي وبالتالي خفض العجز في الميزان التجاري
كعامل آخر لاستقرار الليرة التركية، تُشير صحيفة “خبر ترك” في تقريرها “البنك المركزي أعلن قراره”، لتاريخ 13 من سبتمبر/أيلول، إلى أن اعتدال وهبوط الطلب الداخلي، أي الواردات، مقابل ارتفاع الطلب الخارجي، أي الصادرات، لعب دورًا جيدًا في اعتدال سعر صرف الليرة التركية.
أكد البنك المركزي أنه سيتجه نحو اتخاذ المزيد من إجراءات “التقليص النقدي” التي تعني رفع الضرائب ورفع سعر الفائدة للودائع بالليرة، وغيرها من الوسائل، في سبيل تقليص كميات الليرة المُتداولة، وبالتالي التقليل من عرض الليرة، بل ورفع الطلب عليها
وقد أظهر تقرير مؤسسة الإحصاء التركية الحكومية أن حجم الصادرات التركية ارتفع بنسبة 15% في النصف الأول من عام 2018، مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي، حيث بلغت الصادرات التركية في الفترة المذكورة 13 مليار و549 مليون دولار مقابل 14 مليار و875 مليون دولار من الواردات، ليشهد عجر الميزان التجاري حتى أغسطس/آب المنصرم، تراجعًا بنسبة 57%.
وعلى الأرجح، يأتي هذا التراجع في عجز الميزان التجاري الذي يعني ارتفاع معدلات الواردات مقابل معدلات الصادرات، نظرًا لارتفاع أسعار الواردات القادمة لتركيا بالعملات الأجنبية، وهو ما حدا بالمواطن التركي، على الأرجح، للتوجه نحو السلع المحلية، كما وفر طلبًا خارجيًا جيدًا، نتيجة السعر المناسب للسلع التركية بعد انخفاض أسعارها بالنسبة لعملات الدول الأخرى.
الميل للعمل باليورو
من جانبه، أورد موقع “ترك برس”، في خبره “تركيا تستعين باليورو لمواجهة الدولار“، أن الحكومة التركية لجأت الأربعاء 12 من سبتمبر/أيلول، إلى إصدار سندات ورقية وشهادات تأجير للمستثمرين المقيمين وغير المقيمين، باليورو في سبيل الحد من تأثر العملة التركية بتقلبات الدولار الأمريكي، لا سيما في ظل لجوء البنك المركزي الأمريكي لرفع فائدة الدولار على نحوٍ مضطردٍ ودوري في الآونة الأخيرة.
السيطرة على التضخم المرتفع
وفي اجتماعه الأخير، أكّد البنك المركزي أنه سيتجه نحو اتخاذ المزيد من إجراءات “التقليص النقدي” التي تعني رفع الضرائب ورفع سعر الفائدة للودائع بالليرة، وغيرها من الوسائل، في سبيل تقليص كميات الليرة المُتداولة، وبالتالي التقليل من عرض الليرة، بل ورفع الطلب عليها، مما منحها، ولا يزال، استقرارًا نسبيًا.
يُعدّ الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري والاستثماري الأول لتركيا
وتأتي سياسة “التقليص النقدي” بعد اتباع المركزي التركي سياسة “الفائض النقدي” التي تُرجمت على أرض الواقع بضخ مليارات، هدف من خلالها دعم الاستثمار الإنتاجي، ولكيلا تُشكّل هذه المليارات سببًا في ارتفاع معدل عرض تداول الليرة، وبالتالي انخفاض قيمتها الذي يُطلق عليه علميًا “التضخم”، مال البنك المركزي، في اجتماع الأخير، لاتخاذ إجراءات من شأنها تخفيف كميات التداول.
الحديث عن دعم أوروبي كبير
يُعدّ الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري والاستثماري الأول لتركيا، إذ بلغ حجم التجاري بين الطرفين 145 مليار يورو خلال عام 2016، وبلغ حجم استثمارات دول الاتحاد الأوروبي المباشرة في تركيا 4 مليارات و964 مليون دولار من مجموع 7 مليارات و437 مليون دولار دخلت تركيا خلال عام 2017 كاستثمارات أجنبية مباشرة، وقد منح تأكيد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، استعداد بلادهما لدعم الاقتصاد التركي في إطار “المصلحة الإستراتيجية” التي تربط تركيا بالاتحاد الأوروبي، الأفراد والشركات المُستثمرة في السوق التركية بعض الثقة.
امتصاص الأزمة
ربما لعبت سياسة التطمين وعدم تهويل المسألة التي اتبعتها الحكومة التركية دورًا حيويًا في إكساب الليرة استقرار نسبي.
في المحصلة، بذل البنك المركزي التركي، بالتعاون مع حكومة بلاده، جهودًا حثيثةً في سبيل المحافظة على استقرار الليرة، ولو على نحو نسبي، وبالنظر إلى معدلات الليرة التركية مقابل الدولار، يُلاحظ أن هذه الجهود آتت أكلها.