لأول مرة منذ العام 2003 وحتى اليوم يكون مسؤول حكومي عراقي في مواجهة مرجعية النجف المتمثلة بالمرجع الشيعي علي السيستاني، لأنهم جميعًا حريصون على إبقاء الأجواء مليئة بالرضا والقبول مع المرجعية الدينية في النجف.
التحدي برز بطريقة غير مباشرة بين المرجعية وفريق رئيس حكومة تصريف الأعمال حيدر العبادي، ففي الوقت الذي اشترطت فيه مرجعية النجف، الإثنين الماضي، اختيار وجه جديد يتسم بالكفاءة والشجاعة لرئاسة الوزراء من أجل إنهاء مقاطعة السياسيين والمسؤولين، نجد أن ائتلاف النصر، بزعامة رئيس الحكومة حيدر العبادي، جدد تمسكه، الأربعاء الماضي، بترشيح العبادي لرئاسة الوزراء للحكومة المقبلة رغم دعوة المرجعية الدينية إلى ترشيح وجوه بعيدة عن الذين تسلموا السلطة سابقًا.
وقال الائتلاف في بيان له: “مشروع ائتلاف النصر إنقاذي للبلاد كي لا يتضرر بسياسة المحاور الإقليمية الدولية، والنصر يحمل رؤية ومشروعًا إصلاحيًا تنمويًا خدميًا قادرًا على وضع البلاد على سكة الاستقرار والنمو، والعبادي هو المرشح الوحيد لقائمة النصر لرئاسة الوزراء لنجاحه بإدارة الحرب والسلم والاقتصاد”.
وهذا تحدٍ واضح للمرجعية، ربما يؤكد أن العلاقة بين الفريقين وصلت لدرجة “كسر العظم”!
المواجهة بين العبادي والمرجعية في النجف هي مواجهة عبثية، وعليه أظن أن التجارب الماضية علمتنا أن غالبية السياسيين لم يخالفوا رأي المرجعية وإن كانوا في المجالس الخاصة لا يؤيدونها
وسبق للموقع الرسمي للسيد علي السيستاني أن نشر بيانًا أكد فيه أن المرجعية “لا تؤيد رئيس الوزراء القادم إذا اختير من السياسيين الذين كانوا في السلطة في السنوات الماضية بلا فرق بين الحزبيين منهم والمستقلين، لأن معظم الشعب لم يعد لديه أمل في أي من هؤلاء في تحقيق ما يصبو إليه من تحسين الأوضاع ومكافحة الفساد، فإن تمّ اختيار وجه جديد يعرف بالكفاءة والنزاهة والشجاعة والحزم والتزم بالنقاط التي طرحت في خطبة الجمعة (13 من ذي القعدة الموافق 27 من يوليو) كان بالإمكان التواصل معه وتقديم النصح له فيما يتعلق بمصالح البلد وإلا استمرت المرجعية على نهجها في مقاطعة المسؤولين الحكوميين، كما أنها ستبقى صوتًا للمحرومين تدافع عن حقوقهم وفق ما يتيسر لها”.
إن المواجهة بين العبادي والمرجعية في النجف هي مواجهة عبثية، وعليه أظن أن التجارب الماضية علمتنا أن غالبية السياسيين لم يخالفوا رأي المرجعية وإن كانوا في المجالس الخاصة لا يؤيدونها، ولهذا أظن أن مرحلة العد التنازلي لنهاية مرحلة العبادي المليئة بمئات علامات الاستفهام قد بدأت! وهنا يمكن أن نطرح التساؤل الآتي: ما الذي أطاح بالعبادي؟
يمكن القول إن من أهم النقاط التي أطاحت بالعبادي هي:
1. ضعف شخصية العبادي وعدم امتلاكه الجرأة الكافية لاتخاذ القرارات القطعية رغم وجود الدعم المادي والمعنوي الإقليمي والدولي والمحلي لحكومته!
2. فشله في مكافحة الفساد على الرغم من عشرات الوعود التي قطعها على نفسه أمام العراقيين.
3. عجزه عن حسر السلاح بيد الدولة رغم تكراره لهذا المشروع، بل على خلاف ذلك أصبحت المليشيات في زمنه ضمن هيئة رسمية.
4. عدم تنفيذ وعوده بإعادة إعمار المدن التي دمرتها الحرب ومنها الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى وغيرها.
5. تقصيره الواضح في إنهاء ملف المهجرين في داخل البلاد وما زال حتى الساعة مئات الآلاف من العراقيين ضمن قوائم المهجرين في داخل البلاد.
6. فشله في تقديم الخدمات لعموم المدن العراقية ولمدن الجنوب على وجه الخصوص التي تتمتع بأوضاع أمنية مستتبة.
العبادي من أضعف الشخصيات التي عرفتها الساحة العراقية بعد العام 2003، ولكنه حاول – ويحاول – أن يُظهر نفسه بأنه رجل المرحلة
7. عدم قدرة العبادي على التفاهم السياسي مع الشركاء في العملية السياسية، وقد وجه دفة الحكم في العراق من أجل الفوز بولاية ثانية بعيدًا عن كل الشعارات التي رفعها خلال الأربع سنوات الماضية من عمر حكومته!
8. تسويفه لمطالب جماهير جنوب العراق، ووعوده المكررة لهم بإنهاء معاناتهم، وذهاب الآجال الزمنية التي قطعها على نفسه، ولم يتمكن خلالها من تنفيذ وعوده.
9. الضربة القاصمة كانت من مظاهرات البصرة التي جعلت العبادي في مهب الريح، بسبب إفراط الحكومة في استخدام القوة ضد المتظاهرين السلميين، ومقتل العشرات وجرح المئات، وبالتالي وجد العبادي نفسه في الساحة الخلفية للعملية السياسية دون أيّ مناصر سوى بعض المنتفعين من سطوته على الحكم، ولو بشكل مؤقت!
10. المتابع للأحداث في البصرة يرى أن حكومة العبادي تتصرف وكأنها حكومة طوارئ وذلك عبر قرارات يفترض أن تمرر على البرلمان قبل أن تكون للحكومة القرار الحتمي فيها ومنها تغيير قائد الشرطة وقائد العمليات وغير ذلك من المناصب التي يصوت عليها داخل البرلمان العراقي، وعليه نجد أن رئيس حكومة بغداد تصرف بصفته رئيس حكومة طوارئ وليس رئيس حكومة تصريف الأعمال اليومية وهذا مخالف للدستور العراقي.
العبادي من أضعف الشخصيات التي عرفتها الساحة العراقية بعد العام 2003، ولكنه حاول – ويحاول – أن يُظهر نفسه بأنه رجل المرحلة، لكن مع الأسف أفعاله وقراراته غير المتوازنة، وغير الشجاعة، والخالية من السياسية جعلته في عداد الشخصيات التي لا يمكن أن يُعول عليها لإيصال العراق إلى مرحلة بناء دولة حقيقية مليئة بالعدل والقانون والتعايش، وعليه أرى أن ورقة العبادي أصبحت في مهب الريح، وهذا ما سنتأكد منه في الأيام القليلة القادمة.