ترجمة و تحرير: نون بوست
يوما بعد يوم، تصبح قوات النظام السوري أكثر جهوزية لمهاجمة إدلب، التي تضم ثلاثة ملايين شخص، لذلك يحذر الخبراء من حدوث كارثة حقيقية. ويشار إلى أن رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر ماورر، يعرف جيدا سوريا، حيث زارها في ثلاث مناسبات، وهو الآن في زيارة إلى برلين للتحدث للمسؤولين الألمان حول عدة مواضيع من بينها الملف السوري.
بيتر ماورر (62 سنة) رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ سنة 2012، وكان في السابق سفيرا للأمم المتحدة في سويسرا، وشغل أيضا منصب وزير دولة في الخارجية السويسرية.
– فيلت: حسب الأمم المتحدة، قد تواجه إدلب أسوأ كارثة إنسانية وأكبر خسائر بشرية خلال القرن الواحد والعشرين. كيف تستعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر لمواجهة هذا السيناريو؟
– بيتر ماورر: في الوقت الحالي، لا يمكننا فعل الكثير في محافظة إدلب، فنحن لا نملك أي طريقة لوضع خطة أزمة وتنفيذها على أرض الواقع. ولكن في نفس الوقت، نؤكد أن فرق عملياتنا في سوريا مجهزة بالأدوية والمعدات الطبية اللازمة لتقديم الرعاية الأساسية والإسعافات في الحالات الطارئة. ونود الإشارة إلى أننا لا نفكر فقط في إدلب، وإذا لم نكن نستطيع استخدام المواد الإغاثية هناك، فبإمكاننا استغلالها في حالات أخرى. والسيناريوهات العسكرية والأرقام الكبيرة ليست مهمة، فنحن نركز في المقام الأول على المرونة في التحرك ونسعى للتدخل بسرعة في الأماكن التي تحتاج للدعم.
ماورر: استخدمت الأسلحة الكيماوية في وقت سابق في هذا الصراع، لذلك نحن بصدد الاستعداد لهذا السيناريو حتى نتمكن من مساعدة السوريين في إدلب في الحالات الطارئة، ونحمي أيضا فرق عملنا الموجودة هناك.
– فيلت: إذا ما تم إطلاق عملية عسكرية في إدلب فإن حياة العديد من الأبرياء ستكون مهددة. كيف يمكنكم خفض حجم هذه الكارثة؟
– ماورر: تتمثل المهمة الأساسية للجنة الدولية للصليب الأحمر في تذكير الأطراف المتناحرة بضرورة احترام قواعد الاشتباك، والتأكيد على أي أن قرار يتخذونه يجب أن يحترم القانون الإنساني الدولي. ونحن نبذل جهدا كبيرا في العمل الوقائي، وأنا أستغل كل فرصة متاحة للتواصل مع كل الأطراف المتدخلة في محافظة إدلب أو الأطراف المؤثرة بشكل مباشر.
– فيلت: هل تتوقع استخدام السلاح الكيمائي؟
– ماورر: نحن نحذر كل الأطراف من أن هذا العمل مخالف للقوانين. ولكن على كل حال، يجب أن نكون مستعدين لفرضية تجاهل الأطراف المتصارعة لتحذيراتنا. لقد استخدمت الأسلحة الكيماوية في وقت سابق في هذا الصراع، لذلك نحن بصدد الاستعداد لهذا السيناريو حتى نتمكن من مساعدة السوريين في إدلب في الحالات الطارئة، ونحمي أيضا فرق عملنا الموجودة هناك.
– فيلت: البعض يعولون على الحوار بين مختلف الأطراف المتنازعة، فهل يعد الحوار هو الحل للصراع السوري؟
– ماورر: بالنسبة لنا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ليس من شأننا تحديد شكل الحل السياسي في نهاية هذه الحرب، وهذه ليست مهمتنا. ولكن يمكننا القول بكل وضوح إن عمال الإغاثة الإنسانية لا يمكنهم تعويض الواجب الذي يقع على عاتق السياسيين، لن نتمكن من حل هذا الصراع من خلال العمل الإنساني، ويجب بذل المزيد من الجهود السياسية والدبلوماسية، وهذا ينطبق على الوضع في إدلب.
ماورر: كمنظمة إنسانية سبق أن قمنا بالعمل مع الحكومة السورية من أجل إنجاز مهمتنا.
لن تحل مائة ألف طن من الأدوية هذا النزاع، ولكن ما الذي سيحله؟ سيتحقق ذلك عندما تجتمع الأطراف المتورطة في هذه الحرب وتبحث عن تسوية يكون لها أقل قدر ممكن من التبعات السلبية على المدنيين. إن الفشل في إيجاد حلول سياسية وغياب الحوار، وسياسة الإقصاء، هي التي كانت سائدة في السنوات الماضية والآن حان الوقت لإنهائها.
– فيلت: لقد عاد الأسد للإمساك بزمام الأمور. فهل عليكم أن تعملوا معه الآن لضمان مستقبل سوريا، أم أن هذا سيمثل رسالة خاطئة؟
– ماورر: هذه مسألة سياسية شديدة الحساسية…
– فيلت: هل تريد الإجابة عنها من وجهة نظر إنسانية؟
– ماورر: كمنظمة إنسانية سبق أن قمنا بالعمل مع الحكومة السورية من أجل إنجاز مهمتنا. لقد بحثنا عن الحوار منذ اليوم الأول لهذا الصراع وسوف نواصل في هذا النهج في المستقبل، ولكننا لا نتحدث فقط مع النظام. نحن نبحث أيضا عن فتح قنوات التواصل مع كل الأطراف المتدخلة، التي لديها نفوذ على الأرض، والتي تسيطر على بعض المناطق. وعلى مدى سبع سنوات، واصلنا العمل بهذا الشكل، وسوف نواصل في هذه الإستراتيجية. أما كيفية قيام القوى الدولية بتشكيل علاقتها مع سوريا فهذا شأن آخر.
– فيلت: ما هي نصيحتكم لحل هذه الأزمة؟
– ماورر: نحن ندعو دائما للبحث عن التوافق والحلول السياسية. وعندما أرى الصراعات الكبرى الجارية في الشرق الأوسط وإفريقيا اليوم؛ أدرك أن سياسة الإقصاء والتهميش تخلف نتائج كارثية على الصعيد الإنساني. الكثيرون يعتقدون أن الفقر يؤدي للاقتتال، ولكن هذا ليس صحيحا. إن الصراعات تندلع عندما تكون هناك فئات في المجتمع مهمشة ومقصاة من القرار السياسي، أو تشعر أنها تتعرض للتفرقة.
ماورر: في بعض مناطق في سوريا، بدأ الناس فعلا بالعودة إلى مدنهم، وفي هذه الحالة من واجبنا خلق ظروف ملائمة لجعل هذه العودة ناجحة.
خلال السنوات الست الماضية، ضاعفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميزانيتها وهذا مؤشر واضح على وجود العديد من المجموعات التي تتعرض للتهميش في عدة مناطق من العالم، وأن هناك دولا قليلة تبذل جهدا سياسيا ودبلوماسيا من أجل حل النزاعات.
– فيلت: هناك دول مثل روسيا ولبنان، لا تختلف كثيرا عن حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، حيث أنها تطلب من اللاجئين السوريين العودة إلى بلادهم. فما رأيك في هذا الخطاب؟
– ماورر: بالطبع، إن مطالبة هؤلاء بالعودة إلى بلادهم هو أمر عبثي. فهذه العودة يجب أن تكون طوعية، ويمكن للاجئين اتخاذ مثل هذا القرار عندما تكون هناك ظروف مطمئنة ومشجعة على العودة. وعوضا عن السعي لتحديد مصير الشعب السوري، يجب علينا أن نستمع للسوريين، ثم نساعدهم على تلبية احتياجاتهم. ففي بعض مناطق في سوريا، بدأ الناس فعلا بالعودة إلى مدنهم، وفي هذه الحالة من واجبنا خلق ظروف ملائمة لجعل هذه العودة ناجحة.
– فيلت: ما هي هذه الظروف؟
– ماورر: يجب أن نساعد على إصلاح البنية التحتية الأساسية. فمن الصعب تخيل عودة الناس للاستقرار في مدنهم وبلداتهم عندما لا تكون هناك مياه للشرب، أو مستشفى قريب، ويتعذر على الأطفال الذهاب إلى المدارس، أو تكون المنازل متداعية.
– فيلت: لقد كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر حاضرة هناك عند اقتراب العمليات العسكرية، في مناطق أخرى مثل حلب والغوطة الشرقية، فما هي الدروس التي استخلصتموها من تلك التجارب؟
ماورر: أصبحت سوريا رمزا للعجز الجماعي للمجتمع الدولي على إيجاد حل سياسي للصراع.
– ماورر: نحن نسعى لفهم الظروف التي تدفع نحو انتهاك القوانين الإنسانية الدولية. وتتمثل هذه الانتهاكات في الهجوم على المستشفيات والمدنيين، إلى جانب العنف الجنسي. ولسوء الحظ، يجب أن نكون واقعيين ونتوقع أن هذه الانتهاكات سوف تتكرر مرة أخرى. ولهذا السبب قمنا بحملات توعية وتثقيف في العالم، لمساعدة الجراحين وسائقي سيارات الإسعاف والممرضين ومديري المستشفيات على تعلم أفضل الطرق للتصرف في هذه الحالات. وإذا رأينا أن الأوضاع في منطقة معينة معقدة أكثر من غيرها، فإننا نرسل أخصائيين في هذا الشأن.
– فيلت: ما الذي يفعله الأخصائيون في تلك المواقع؟
– ماورر: يقومون بأشياء متنوعة، بعضهم يتواصلون مع حاملي السلاح لتذكيرهم بما هو قبول وما هو خاطئ، وآخرون يدربون الطواقم الطبية، وهناك من يقدمون الدعم للضحايا، وهذا جزء مهم جدا من العمل الإنساني. ولدينا في مناطق النزاعات الكبرى برامج للدعم النفسي والاجتماعي، حيث نقوم بالاعتناء بالأطفال الذين تعرضوا للعنف، والذين يعاني أغلبهم من حالة الصدمة، فنساعدهم على استعادة حياتهم الطبيعية.
– فيلت: لقد عايشتم الصراع السوري منذ وقت طويل، فقد كنتم هناك في سنة 2012. في ذلك الوقت، هل كنت تتخيل أن الحرب ستدوم لأكثر من ست سنوات؟
– ماورر: كنا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر على وعي بأننا قد نبقى هناك لوقت أطول. واليوم أصبحت سوريا رمزا للعجز الجماعي للمجتمع الدولي على إيجاد حل سياسي للصراع.
المصدر: فيلت