ترجمة وتحرير: نون بوست
لطالما كانت خارطة الطريق واضحة المعالم بالنسبة لجمهورية أفريقيا الوسطى، فبعد أن دمرتها الحرب الأهلية، سعت الحكومة في سنة 2014 إلى إصلاح نظامها التعليمي. ونتيجة لذلك، تلقت البلاد مساعدة دولية بقيمة 65 مليون دولار، إلا أن حكومتها قالت إنها لا تزال في حاجة إلى مبلغ 53 مليون دولار من أجل تنفيذ خطتها التي تقضي بتوظيف العديد من المعلمين وإعادة بناء المدارس بحلول سنة 2017.
سرعان ما تبين أن جمهورية أفريقيا الوسطى تمتلك المال الكافي، لكنها اختارت أن تنفق الأموال التي تحصلت عليها لتلافي العجز في ميزانيتها التعليمية لمدة 3 سنوات، بالإضافة إلى مبلغ 6 مليون دولار إضافية، لسد نفقات سنة واحدة من الحرب. ووفقا لحكومة جمهورية أفريقيا الوسطى، تحظى البلاد بأقل ناتج قومي للفرد في العالم، حيث لا يتجاوز دولارين في اليوم، كما أن ثلثي سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر. وحسب البيانات الصادرة عن البنك الدولي، برزت الدولة غير الساحلية في مجال الواردات العسكرية، وهو مجال لم تكن مرشحة لتحقيق مركز الريادة فيه، خاصة وأنه لطالما كان مقتصرا على القوى الناشئة والدول المتقدمة والبلدان الغنية نسبيا.
صرحت عالمة الأنثربولوجيا في جامعة يال، لويزا لومبارد، التي سبق لها أن ركزت أبحاثها على جمهورية أفريقيا الوسطى، أن “إقدام حكومة تعتبر نفسها في حالة حرب على البحث عن فرص لشراء الأسلحة يعد أمرا منطقيا
تعتبر مثل هذه الميزانية الضخمة المخصصة للسلاح بالنسبة لبلد فقير مثل جمهورية أفريقيا الوسطى أمرا غير اعتيادي، إلا أن البلاد عانت من حرب أهلية دامت ستة سنوات. وفي الوقت الحالي، تقتصر السلطة الفعلية للحكومة على العاصمة بانغي، في حين تسيطر 14 جماعة مسلحة على بقية الأراضي.
حيال هذا الشأن، صرحت عالمة الأنثربولوجيا في جامعة يال، لويزا لومبارد، التي سبق لها أن ركزت أبحاثها على جمهورية أفريقيا الوسطى، أن “إقدام حكومة تعتبر نفسها في حالة حرب على البحث عن فرص لشراء الأسلحة يعد أمرا منطقيا. وتجدر الإشارة إلى أن المجتمع الدولي الذي حاول مرارا وتكرارا التدخل وكبح جماح النزاع في هذه الدولة وفشل، قد بدأ الآن بتلبية طلبات الحكومة الأفريقية للحصول على الأسلحة. بشكل عام، تنفق جمهورية أفريقيا الوسطى أموالها على الأسلحة أكثر من أي شيء آخر”.
تدريب مجندين جدد في القوات المسلحة لأفريقيا الوسطى في بيرينغو في الرابع من آب/ أغسطس 2018. بعد تسليم الأسلحة إلى البلاد، قام المستشارون العسكريون الروس بتدريب القوات المسلحة لأفريقيا الوسطى وقوى الأمن الداخلي.
تعود أصول هذا النزاع إلى سنة 2012، وذلك عندما اتهمت الجماعة الإسلامية المسلحة المعروفة باسم “سيليكا” الحكومة السابقة بتراجعها عن اتفاق يعود إلى سنة 2007 ويقضي بإنهاء حرب أهلية سابقة. وبعد مرور سنة، قامت قوات سيليكا بغزو العاصمة بانغي والإطاحة بالحكومة، وهو ما أثار حفيظة جماعة “أنتي بلاكا” المسيحية المقاتلة، ودفعها إلى مقاتلة جماعة سيليكا. نتيجة لهذا الصراع، تم طرد الجماعة الإسلامية من العاصمة، في الوقت الذي وقع فيه تشتيت صفوف المقاتلين السابقين التابعين لكلا المجموعتين وتفرقتهم ليكونوا جماعات مسلحة متعددة أخرى.
سيطرت هذه الجماعات على أجزاء شاسعة من البلاد، وعمدت إلى استغلال الموارد الطبيعية لتلك المناطق، بما في ذلك المعادن الثمينة مثل الذهب. وحيال هذا الشأن، أفاد الباحث في مشروع مسح الأسلحة الصغيرة في مدينة جنيف السويسرية، ماتياس نوفاك، أن الموارد الطبيعية لتلك المناطق التي سيطر عليها المتمردون استخدمت لتمويل العمليات الإرهابية.
من جانبها، تفطنت الأمم المتحدة إلى خطورة هذا الصراع، وهو ما دفعها إلى مضاعفة عدد قواتها المخصصة لحفظ السلام ثلاث مرات في البلاد، فضلا عن فرض حظر على الأسلحة على أمل منع الجماعات المتفرقة من شرائها من الخارج. وقد تدخلت فرنسا عسكريا في البلاد، ولكنها غادرتها بعد مضي ثلاث سنوات فقط. وفي الأثناء، قام جيش جمهورية أفريقيا الوسطى، الذي يعرف بالقوات المسلحة لأفريقيا الوسطى، بحل نفسه وتحول إلى قوة غير موجهة للقتال.
البلدان التي تنخر أجسادها الحروب الأهلية، على غرار ليبيا وسوريا واليمن، لا تنفق الكثير من الأموال على الأسلحة بشكل مماثل لإنفاق جمهورية أفريقيا الوسطى
عندما فشلت جميع محاولات فض النزاع الدولية، خففت منظمة الأمم المتحدة من شدة الحظر الذي فرضته على الأسلحة. في واقع الأمر، توجه بعض الأسلحة المستوردة حاليا للشرطة والجيش داخل البلاد، بينما من المحتمل أن تخصص الأسلحة الأخرى لقوات الأمم المتحدة المتمركزة هناك. ومن المتعارف عليه أن أكبر المنفقين العسكريين في العالم يكونون إما بلدان لديها صناعات عسكرية محلية ضخمة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية و”إسرائيل”، أو البلدان التي تكون في حالة تأهب قصوى لمواجهة التهديدات الإقليمية، على غرار الهند وباكستان والجزائر والمملكة العربية السعودية.
تجدر الإشارة إلى أن البلدان التي تنخر أجسادها الحروب الأهلية، على غرار ليبيا وسوريا واليمن، لا تنفق الكثير من الأموال على الأسلحة بشكل مماثل لإنفاق جمهورية أفريقيا الوسطى. ويرجع ذلك بالأساس إلى الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على مبيعات الأسلحة الموجهة لهذه البلدان. بشكل مفاجئ، تتجاوز ميزانية شراء الأسلحة الأجنبية لسنة 2015، التي حددتها جمهورية أفريقيا الوسطى بعملة الدولار، إنفاقات جميع الجهات البارزة في هذا المجال مثل الولايات المتحدة الأمريكية والهند وباكستان وإندونيسيا.
منذ مطلع سنة 2018، وافقت منظمة الأمم المتحدة على إبرام صفقات أسلحة روسية الصنع تتخذ من جمهورية الوسطى وجهة لها. علاوة على ذلك، بدأت جحافل الأسلحة والمدربين الروس بالوصول إلى أراضي جمهورية أفريقيا الوسطى، وهو ما دفع الخبراء إلى توقع ارتفاع نفقات الاستيراد العسكرية للبلد الأفريقي وتجاوزها الأرقام المعهودة. ويحيل تدفق الأسلحة والمدربين إلى أن المعادلة بين الحكومة والمتمردين على وشك التغير. في الوقت ذاته، أثارت الدوريات المشتركة الأخيرة بين قوات الأمم المتحدة والقوات المسلحة لأفريقيا الوسطى التي أعيد تسليحها، موجة تفاؤل إيجابية وقدرا كبيرا من مشاعر الأمل.
فيما يتعلق بالإنفاق على قطاع التعليم، يشير نوفاك إلى أن مشاريع التطوير تحتاج إلى مدارس وأسواق تعمل بالفعل، الأمر الذي يتطلب بدوره توفير الأمن. وأضاف نوفاك أنه بمجرد توافر الفرص الاقتصادية من المرجح أن ينجذب المقاتلون المحتملون إلى الحياة المدنية، وبالتالي يعد الأمن شرطا ضروريا لتحقيق التنمية الاقتصادية. وعلى الرغم من ذلك، لم تتمكن جمهورية أفريقيا الوسطى في الوقت الحالي، على الرغم من إسرافها في الإنفاق على ميزانية الأسلحة، من تحقيق الأمن.
المصدر: مجلة أوزي