بعد 10 أيام فقط على “طوفان الأقصى”، كانت عملية القتل والتدمير الوحشية في قطاع غزة قد وضعت الجمهور الغربي أمام معضلة تاريخية عنوانها “هل إسرائيل دولة احتلال؟”، خاصة أن الوقوف على السابع من أكتوبر باعتباره بداية الصراع بين “إسرائيل” والشعب الفلسطيني ظهر كمغالطة لا يمكن تجاوزها.
ففيما تصرّ منظومة الاحتلال على لعب دور الضحية والتمسك بعملية السابع من أكتوبر كمبرر لحربها على الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل، يعيد الفلسطينيون التأكيد على أن الصراع بدأ بالنكبة عام 1984، حين رسخ النظام العنصري الإسرائيلي وجوده الاستعماري الاستيطاني على أراضيهم.
والحقيقة أن النكبة أو ما اصطلح المؤرخون الصهاينة على تسميتها بـ”حرب التأسيس”، إنما هي منعطف مفصلي حادّ في تاريخ الأرض والإنسان الفلسطيني، جاء في إطار تسلسل من الخطوات بلغ واحدة من نقاط أوجه داخليًا في كل من عام 1948 ولاحقًا عام 1967، وتلاهما كل “الأوج الخارجي” مع اتفاقية أوسلو عام 1993 والتطبيع الإبراهيمي عام 2020.
لكنه في كل منعطف كان معزَّزًا بمنظومة متكاملة من المؤسسات “تحت الحكومية” التي ضمنت تفوقه واستمراره وقدرته على الاختراق، وتجاوز أعدائه بخطوات من خلال حفاظها على روابط دولية متينة تكفل تدفق أكسير الحياة في جسده، بالأموال والأسلحة والخبرات والعلاقات والأراضي والتعليم وغيرها.
نستقرأ في ملف “استيطان مدني” النشأة المبطنة لدعائم المشروع الاستعماري في فلسطين، ونبحث في كل مرة عن أهداف تأسيس مركّب جديد من مركّبات هذه المنظومة، وأدوارها المفصلية قبل النكبة وبعدها، خدمة للاستيطان وتوسعة لقواعده، وكيف تحورت لاحقًا إلى مؤسسات حكومية ما زالت تمارس أدوارها الاستعمارية حتى اليوم.
من بين مركبات هذه المنظومة كان صندوق الائتمان اليهودي، الذي لعب دورًا حيويًا في جمع الأموال وتمويل مشروع إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، إضافة إلى تأسيس عصبه المالي والائتماني منذ بداية القرن الماضي، متماهيًا مع مشروع الحركة الصهيونية والمتغيرة طبقًا لاحتياجات المستعمرين وأطماعهم في التوسع.
التمويل عصب البناء
ينظر عادة إلى المؤتمر الصهيوني الأول والمنظمة الصهيونية المتولدة عنه، كأول لبنة في الاستيطان على أرض فلسطين والاستيلاء عليها، إلا أن المصرف اليهودي الذي عُرف باسم “صندوق الائتمان اليهودي الاستعماري” كان له الأسبقية في الوجود، حيث تعود فكرته التأسيسية للعام 1896.
وذلك حين ارتأى ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية، أن هناك حاجة لتمويل مشروع إقامة وطن لليهود، وأن إحدى الطرق لإنجاح هذا المشروع قد تكون باستئجار الأراضي، ومن بينها أراضي الدولة العثمانية في منطقة سوريا الكبرى (بلاد الشام)، لإقامة مستوطنات فيها تؤسس لوجود يهودي دائم.
ثم وفي أول تجمع صهيوني علني أطلق هرتزل دعوته لتوحيد الجهود اليهودية لإقامة وطن قومي لليهود، وتحت مظلة “المؤتمر الصهيوني الأول” الذي عُقد برئاسته في بازل السويسرية نهاية أغسطس/ آب 1897، طرح هرتزل أُسُس البحث عن وطن يجمع يهود العالم، مع ترك الخيارات مفتوحة للمجتمعين ما بين الأرجنتين، أو أوغندا، أو فلسطين.
وإثر نقاش موسع مع أعضاء الجاليات اليهودية في أوروبا وأمريكا، عزز هرتزل رؤيته في اختيار فلسطين وطنًا قوميًا لليهود، وتمّ تشكيل جهازَين هما المستوى الإداري ويطلق عليه “المنظمة الصهيونية العالمية”، والمستوى التنفيذي ويحمل اسم “الوكالة اليهودية”.
وفي المؤتمر الصهيوني الثاني الذي اكتسب صفة “العالمية” تم وضع عدد من الأجهزة التنفيذية تحت إدارة الوكالة اليهودية، كان من بينها صندوق الائتمان اليهودي، والذي كانت مهمته جمع الأموال لتمويل الحركة الصهيونية والهجرات إلى أرض فلسطين، وعمليات شراء الأراضي وبناء المستوطنات، ودعم تنميتها الاقتصادية، حيث اعتبر تشكيله جزءًا من تجاوز الفشل في تأسيس وجود استيطاني لليهود على أرض فلسطين في فترة 1882-1897، ومحاولة لتفادي الارتجال وعدم التخطيط المالي والاقتصادي اللازم لتثبيت هذا الوجود وتحفيزه للتوسع.
من المهم الإشارة إلى الفرق بين الصندوق الائتماني اليهودي الاستعماري (Jewish Colonial Trust) والصندوق القومي اليهودي (Jewish National Fund)، فالأول هو عصب مالي ومصرفي لمشروع المنظمة الصهيونية، بحيث يخفف من اعتمادية المنظمة على الدول الأوروبية في دعم مشروعها حتى تحقيق الاستقلال الكامل، أما الصندوق القومي اليهودي فهو أشبه بصندوق خيري يقوم بجمع التبرعات والأموال من صهاينة العالم لإنفاقها على شراء الأراضي والاستيطان فقط، دون أي عمل تجاري أو مصرفي، وينحصر عمله في حيازة المزيد من الأراضي التي يعرّفها بأنها ملك حصري للشعب اليهودي.
في هذا المضمار، يرى الباحث الصهيوني جوزيف جاكوبس أن تأسيس الصندوق الائتماني معبّر عن تصور الصهاينة المؤسسين، لأهمية وجود أداة مالية تحتفظ بأموال الصهاينة اليهود لأغراض الحركة المباشرة، وفي الوقت نفسه تبدو بملامح مصرف وتدير أعمالها وفق لأقوى أنظمة العالم التجاري -والتي كانت إنجليزية حينها-، انطلاقًا من أن مشروع التوطين والهجرة إلى فلسطين لا يجب أن يُبنى على أُسُس عشوائية وهبات طارئة، بل يجب أن يكون مستقلًّا ماليًا ومعززًا حين الحاجة.
وبهذا اُعتبر العام 1898 انطلاقة العمل فيه، حين أصدرت اللجنة التمهيدية للمنظمة الصهيونية المشكّلة من كل من ديفيد وولفسون وبودنهايمر من كولونيا ورودولف شاور من ماينز، بيانًا عن تأسيس الصندوق وأول دعوة اكتتاب، وفي البيان حددت أهداف الصندوق بكل من التنمية الاقتصادية وتعزيز المستعمرات اليهودية في فلسطين وسوريا، وشراء الأراضي لإقامة مستوطنات جديدة على أساس “معترف به علنًا وقانونًا”.
وفي المجال التجاري العام، شملت أهداف الصندوق تنمية التجارة والصناعة والتجارة في المستعمرات، وإقراض الأموال بالسندات والرهن العقاري وتقديم السلف للاستيطان، وإنشاء بنوك الادخار أو المكاتب المصرفية في المستعمرات، إضافة إلى مواصلة الأعمال المصرفية والتبادل التجاري العادية.
كما أشار البيان إلى أهمية شراء الامتيازات، بدءًا من آسيا الصغرى، وتحديدًا في سوريا وفلسطين، مع إيلاء اهتمام خاص بامتيازات السكك الحديدية وبناء الموانئ، وفي ضوء الأهداف الكبيرة للصندوق تم وضع هدف مالي بجمع 8 ملايين جنيه إسترليني، لكنه لم يتمكن سوى من جمع 395 ألف جنيه فقط في عامه الأول.
خلال العام الثاني والثالث ارتفعت نسبة الاستكتاب في أسهم الصندوق، وساهم فيه يهود روس وآخرون من الولايات المتحدة الأمريكية، حتى تمكن من جمع مليوني جنيه إسترليني (أكثر من 5 ملايين ليرة ذهبية) عرضها هرتزل لاحقًا على السلطان عبد الحميد، مقابل إصدار فرمان يجيز لليهود الأجانب الهجرة إلى فلسطين ويمنحهم حكمًا ذاتيًا عليها، لكن الأخير رفض العرض.
أول مصرف إسرائيلي: مصرف أنجلو فلسطين!
نتيجة لاعتبار الصندوق الائتماني اليهودي الأداة المالية الأساسية للمنظمة الصهيونية كان لا بدَّ من إنشاء مصرف تابع له، فتمّ تسجيله في النظام المصرفي الإنجليزي، وبدأ عمله فعليًا نهاية عام 1902 حين افتتح مؤسسة مصرفية فرعية له في لندن وأطلق عليها اسم “المصرف الإنجليزي الفلسطيني” (مصرف أنجلو فلسطين)، وحدد هدفها بتمويل “إنشاء أرض إسرائيل”.
ورغم أن رأس مال المصرف كان 40 ألف جنيه فقط، إلا أنه استطاع خلال مدة وجيزة تأسيس فرع له في مدينة يافا تحت مظلة الرعاية البريطانية، وبإدارة مالية من اليهودي الروسي زلمان ديفيد لفونتين، واستثمار قوي لعلاقاته المتينة مع القنصل البريطاني في المدينة، وموقعه المتقدم بين المهاجرين اليهود إثر تأسيسه لمستوطنة ريشون ليتسيون المتاخمة ليافا عام 1882.
ونتيجة لذلك اكتسب المصرف شهرة وموثوقية عالية، وتجاوزت أدواره المعاملات التجارية إلى شراء الأراضي والحصول على مزيد من الامتيازات التجارية والصناعية والزراعية، والتحكم في سلاسل الواردات إلى الأسواق والسيطرة عليها، كما أسّس شبكة من اتحادات الائتمان للمستوطنات الناشئة، وقدم قروضًا طويلة الأجل للمزارعين.
شمل ذلك أيضًا تمويله بناء أول 60 بيت في الحي اليهودي الأول في تل أبيب، إثر تقديمه قروضًا لجمعية “أحوزات بيت” الاستيطانية، متحايلًا على القوانين العثمانية التي تمنع نقل الأراضي لليهود حتى لو كانوا من رعايا الدولة، كما استطاع خلال عدة أعوام افتتاح فروع أخرى له في القدس وبيروت والخليل وصفد وحيفا وطبريا وغزة.
ومع توسع نشاط المصرف وامتلاكه المزيد من الأراضي وإسهامه المتزايد في بناء المستوطنات والكيبوتسات، اتجهت الحكومة العثمانية لإعلان المصرف مؤسسة معادية، لا سيما أن نظامه خاضع للقطاع المصرفي الإنجليزي، فتحركت لإغلاقه ومصادرة أمواله.
وخلال فترة الحرب العالمية الأولى وما شابها من كساد، وإثر مصادرة السلطات العثمانية لودائع ومدخرات المصرف، انخفض نشاط المصرف لأدنى مستوى واتخذت معاملاته سمة السرية، ما دفع مديره لفونتين للسفر إلى العواصم الأوروبية بحثًا عن المزيد من الأموال لدعم مشروع الاستيطان المهدد نتيجة الحرب والأزمات الاقتصادية، لتغدو عودته إلى فلسطين مستحيلة بانضمام الإمبراطورية العثمانية إلى الحرب في مواجهة كل من بريطانيا وفرنسا اللتين دعمتا الحركة الصهيونية وأهدافها.
مرة أخرى وجد لفونتين طريقًا آخر، حيث توجّه من أوروبا إلى الإسكندرية وافتتح هناك فرعًا مؤقتًا للمصرف الانجلو فلسطيني، مقدمًا المساعدة للمستوطنين اليهود المطرودين من فلسطين، كما قدم خدماته للسلطات البريطانية بالعمل على تمويل وتأسيس فيلق عسكري صهيوني تحت قيادة اليهودي الروسي جوزيف ترومبلدور، للمشاركة تحت قيادتها في الحرب ضد القوات العثمانية على أرض فلسطين.
وبداية عام 1918 عاد لفونتين إلى فلسطين وأعاد افتتاح المصرف، كما شجّع نشاطه المصرفي المستثمرين اليهود في إنشاء مصارف أخرى تحت مظلة الصندوق الائتماني اليهودي الاستعماري لتمويل الاستيطان، لكنها خاضعة للقوانين المصرفية العثمانية، فتمّ تأسيس “المصرف التعاوني في فلسطين” في تل أبيب، وذلك منتصف عام 1918، وأطلق عليه اسم “كوبات هعام” ويعني “صندوق الأمة”، حيث ارتبط بتأمين الضمانات للمشاريع الاستيطاني الزراعية والتجارية والصناعية الصغيرة والمتوسطة.
وفي عام 1920 أصبح المصرف الأنجلو فلسطيني أكثر نشاطًا بالتزامن مع تفكُّك الدولة العثمانية وفرض الانتداب البريطاني على أرض فلسطين، وبدأ يمارس أنشطته الاستيطانية علنًا، بينما استثمر الصندوق في مشاريع جديدة في فلسطين، مثل بنك الرهن العقاري العام، وبنك العمال (بنك هابوعاليم)، وشركة كهرباء فلسطين.
لكن ذلك لم يحل دون تعرض الصندوق الائتماني اليهودي لأزمات متتالية نتيجة تورطه بشكل عميق في بعض المشاريع المصرفية اليهودية المشبوهة في أوروبا الشرقية، مثل بنك الودائع في لودز والبنك المركزي اليهودي واتحاد كوفنو، ما تسبّب في تجميد أكثر من 550 ألف جنيه إسترليني من أصوله.
إثر ذلك تراجعت قوة الصندوق الائتماني اليهودي لصالح المصرف الأنجلو فلسطيني، ومع ازدياد الضغط المالي أفلس الصندوق ليقوم المصرف بدعمه وتحويله إلى شركة مساهمة في المصرف مع سحب الامتيازات المصرفية والاقتصادية منه، فيما نقل المصرف فرعه الرئيسي من مدينة يافا إلى القدس مطلع عام 1932.
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية استطاع ليفونتين تأكيد مكانة المصرف بإقناع القنصل البريطاني بأهمية وجود المصرف وتوسعة أعماله لتتداخل مع أعمال حكومة الانتداب، لا سيما بعدما أقدم على استخدام احتياطياته الكبيرة لتمويل إنشاء الصناعات الحربية اليهودية والتموينية التي توفر الإمدادات للجيش البريطاني في معاركه.
من الليرة الفلسطينية إلى الليرة الإسرائيلية
رغم السنوات الطوال من التاريخ المالي والمصرفي للمنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية، ورغم الاستعداد المادي والعسكري والاقتصادي للاستيلاء على أرض فلسطين، إلا أن نظرة فاحصة للسنوات الأولى بعد النكبة تكشف كم كان من الصعب على الاحتلال أن يضفي صبغته وما يراه من أحقيته التاريخية على الأرض والإنسان، وحتى على العملة النقدية المتداولة.
فمنذ عام 1948 وحتى عام 1952 بقيَ محاصرًا تمامًا بالوجود الفلسطيني حوله، فبعد احتلال فلسطين واصل المصرف أعماله تحت اسم “أنجلو فلسطين” حتى منتصف عام 1950، حين تحول اسمه إلى البنك الوطني الإسرائيلي “لئومي ليسرائيل”، ومع بداية عام 1952 أعاد القطاع المصرفي لدولة الاحتلال هيكلة أُسُسه في عملية شاملة شهدت ضمّ معظم المصارف، ومن بينها المصرف المركزي والمصرف التعاوني تحت مظلة “بنك لئومي ليسرائيل” الذي بقيَ المصرف الوحيد حتى عام 1954.
كما تمّ تحويل الأنظمة المصرفية لقوانين “إسرائيل” بدلًا من القوانين البريطانية أو الفرنسية في بيروت، وشملت عملية الهيكلة افتتاح فروع أخرى محلية ودولية للبنك الوطني بلغت أكثر من 20 فرعًا دوليًا، وإصدار أول عملية إسرائيلية مطلع عام 1952 بديلًا لليرة الفلسطينية التي بقيت سائدة خلال الانتداب البريطاني، وحتى بعد 4 أعوام من تأسيس دولة الاحتلال على أرض فلسطين.
ثم تحول تفويض سكّ العملة الإسرائيلية من “بنك لئومي” إلى بنك “إسرائيل المركزي” الذي تمّ تأسيسه عام 1954، ومع منتصف الستينيات وإثر مطالب باستخدام اسم أكثر عبرانية تم إصدار الشيكل القديم بديلًا لليرة بداية العام 1969، كما صدرت عملة الأجورا المعدنية والتي تعني وفق البيتاخ التوراتي “قطعة الفضة”.
لكن الليرة الإسرائيلية بقيت موجودة في الأسواق حتى فبراير/ شباط 1980، حين دفع استمرار التضخم وانحدار قيمة الشيكل لتبلغ 1500 شيكل مقابل دولار واحد، الحكومة الإسرائيلية لإصدار عملة جديدة، أسمتها الشيكل الجديد الذي لا يزال مستعملًا حتى اليوم.
ورغم الغسيل النقدي واقتصار “بنك لئومي“ على العمليات المصرفية التجارية، إلا أن مساهمته في عملية الاستيطان بقيت قائمة، ما دفع عددًا من الشركات الأوروبية إلى حظر التعامل معه، من بينها شركة سامبينسيون الدنماركية للمعاشات التقاعدية التي حظرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 الاستثمار في “بنك لئومي”، نتيجة مشاركته في دعم الاستيطان غير القانوني في الضفة الغربية.
كما نشرت الأمم المتحدة في فبراير/ شباط 2020 قاعدة بيانات تضمّ 112 شركة تساعد في تعزيز النشاط الاستيطاني في الضفة والقدس ومرتفعات الجولان، بما ينتهك القانون الدولي ويعدّ مواصلة للاستعمار كشكل من أشكال الجرائم الإنسانية وفق اتفاقيات جنيف، وضمّت هذه القائمة “بنك لئومي” بسبب توفيره الخدمات التي تدعم وجود المستوطنات، ونتيجة عملياته المصرفية والمالية التي تساعد في توسيعها وتفعيل أنشطتها.
وفي يوليو/ تموز 2021 أعلن صندوق التقاعد النرويجي سحب استثماراته من “بنك لئومي” لتورّطه في دعم وبناء المستوطنات الإسرائيلية، أما ماليًا فقد ارتبط اسم البنك عام 2014 بفضيحة تهرُّب ضريبي أمريكي، حيث غرّمته السلطات الأمريكية مبلغ 400 مليون دولار لمساعدته عملاء أمريكيين في التهرب الضريبي.
أما في عام 2023 فقد ارتبط اسمه بتحقيق جمع وزارة الخارجية ومراقب الدولة ووحدة إدارة الأصول حول فضيحة تتعلق بالهولوكوست، حيث تمّ اتهامه بإدارة حسابات مصرفية تخص ضحايا الهولوكوست ولم يتم إعادتها إلى ورثتهم بعد الحرب العالمية الثانية، بينما حولت حكومة الاحتلال عام 1955 الصندوق الائتماني اليهودي الاستعماري إلى شركة إسرائيلية تحت اسمها العبري الأصلي”أوزار هيتياشيفوت هايهوديم”، ثم أخرجته من دوره كمساهم في “بنك لئومي ليسرائيل”، وفي عام 1969 تمّت زيادة رأس مال الصندوق من 7 ملايين إلى 10 ملايين بإصدار أسهم مجانية، وتم الإعلان عن توزيع أرباح بنسبة 12% لعام 1968، ثم في أواخر الثمانينيات تم بيعه لمستثمرين من القطاع الخاص.
بالمحصلة، إن الصندوق الائتماني اليهودي الاستعماري الذي بقيَ محتفظًا بفعاليته وأنشطته لقرابة الـ 70 عامًا قبل إعلان مشروعه القومي على أرض فلسطين وبعده، نجح في تأسيس النظام المصرفي لدولة الاحتلال بالشكل الذي تبدو عليه اليوم، وأسهم في تطوير أذرع مصرفية تربطها بالدول الأوروبية الغربية والشرقية والولايات المتحدة الأمريكية، وفي تحرير عملتها من القيود التجارية والأزمات الاقتصادية الكبرى.
يضيء هذا الصندوق في محطات نجاحه وفشله على دولة الاحتلال باعتبارها استعمارية من الطراز الأول ومنذ لحظتها الأولى، وعلى أن العمل على إزالتها وإخراجها من أرض فلسطين يجب أن يكون بالدرجة نفسها من العزيمة والإصرار التي صبغت تأسيسها كرهًا وتحايلًا وتهجيرًا لأهل البلاد.