تصعيد سياسي جديد وخطير أقدم عليه النظام المصري ضد عدد كبير من المعارضين والمعتقلين، بمصادرة أموالهم وممتلكاتهم وإضافتها للخزانة العامة. حدث ذلك قبل أيام عندما قررت لجنة “التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين” التحفظ على 1589 عنصرًا قالت إنه ينتمي لتنظيم الإخوان المسلمين، 118 شركة متنوعة النشاط و1133 جمعية أهلية و104 مدارس و69 مستشفى و33 موقعًا إلكترونيًا وقناة فضائية، وإضافة جميع الأموال المتحفظ عليها إلى الخزانة العامة، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ التأميمات التي شهدتها مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
جدير بالذكر أن العدد الإجمالي للمُتحفَظ على أموالهم بلغ 3200 شخص، لكن اللجنة انتهت إلى استمرار التحفظ على 1589 فردًا، ومصادرة أموالهم إلى الخزانة العامة، بينما تم إحالة باقي الأسماء إلى لجنة الفحص، لاستكمال التحريات عنها.
مصادرة أموال أسر كاملة
تضم قائمة الأشخاص التي أعلنت لجنة التحفظ مصادرة أموالهم أسماء عديدة تنتمي لأسر وعائلات واحدة، مثل الرئيس المعزول محمد مرسي وأبنائه محمد وأحمد وأسامة والشيماء، كذلك العالِم الإسلامي يوسف القرضاوي وأبنائه عبد الرحمن وأسامة وسهام وعُلا المعتقلة حاليًّا في سجن القناطر الخيرية للنساء، أيضًا رجل الأعمال والقيادي الإخواني خيرت الشاطر وأبنائه سعد وعائشة وسمية وفاطمة الزهراء ومريم وحفصة ورضوى وسارة.
قالت لجنة التحفظ في بيانها إنه وردت إليها من مصادر – لم تذكرها – معلومات تؤكد إعادة قيادات وكوادر تنظيم الإخوان صياغة خطة جديدة لتدبير موارده المالية واستغلال عوائدها في دعم الحراك المسلح
من بين الأسر أيضًا، أسرة رجل الأعمال عبد الرحمن سعودي وأبنائه حمزة وسلمان وسليمان وأبو بكر وعلي ومريم وعائشة، كذلك أسرة رجل الأعمال حسن مالك وأبنائه محمود ومحمد وأنس وعمر وحمزة وأحمد وعائشة وسناء وخديجة.
حيثيات المصادرة
قالت لجنة التحفظ في بيانها إنه وردت إليها من مصادر – لم تذكرها – معلومات تؤكد إعادة قيادات وكوادر تنظيم الإخوان صياغة خطة جديدة لتدبير موارده المالية واستغلال عوائدها في دعم الحراك المسلح والإضرار بالاقتصاد القومي لتقويض خطط الدولة للتنمية وتكليف عدد من عناصره لتهريب الأموال من خلال الشركات التابعة للتنظيم وعناصره بنظام المقاصة مع رجال الأعمال المنتمين للتنظيم وغير المرصودين أمنيًا.
وزعمت لجنة التحفظ في بيانها أن المعلومات التي وردت إليها أكدت أيضًا اضطلاع قيادات تنظيم الإخوان داخل مصر بالتعاون مع قيادات الجماعة الهاربين بالخارج بتوفير الدعم اللوجيستي والمبالغ المالية بصفة شهرية للإنفاق على الأنشطة والعمليات الإرهابية التي ينفذها عناصر حركتي “حسم” و”لواء الثورة”.
وأضافت اللجنة أن قيادات الإخوان أخفوا تبعية بعض الكيانات الاقتصادية من شركات ومدارس ومستشفيات ومراكز طبية وجمعيات أهلية وكيانات ذات أنشطة اقتصادية متنوعة من خلال نقل ملكيتها لعناصر أخرى من رجال الأعمال، على أن تمتلك الجماعة النصيب الأكبر من أسهمها.
قانون 22 لسنة 2018
استندت لجنة التحفظ في قرارها الغامض على قانون رقم 22 لسنة 2018 بشأن تنظيم إجراءات التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين، الذي وافق عليه مجلس النواب في 16 من أبريل الماضي، ونشرته الجريدة الرسمية في 21 من الشهر ذاته.
يتضمن القانون إلغاء لجنة حكومية كانت معنية بحصر أموال الإخوان، كانت تُدعى “لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان”، تأسست عام 2013، بعد صدور حكم قضائي آنذاك، يقضي بحظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر
ينظم القانون فرض وتنظيم الإجراءات القانونية للتحفظ على أموال الجماعات الإرهابية، وينص على إنشاء لجنة مستقلة ذات طبيعة قضائية، تختص دون غيرها باتخاذ كل الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة باعتبار جماعة أو كيان أو شخص ينتمي إلى جماعة إرهابية.
ويتضمن القانون إلغاء لجنة حكومية كانت معنية بحصر أموال الإخوان، كانت تُدعى “لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان”، تأسست عام 2013، بعد صدور حكم قضائي آنذاك، يقضي بحظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر وأي مؤسسة متفرعة عنها أو تابعة لها والتحفظ على جميع أموالها العقارية والسائلة والمنقولة.
وكانت اللجنة السابقة قد أعلنت في يناير 2016 أنها تحفظت على 62 شركة و1125 جمعية أهلية تابعة للجماعة، وأموال 1370 شخصًا و19 شركة صرافة، بإجمالي أموال بلغت 5 مليارات و556 مليون جنيه مصري، ومنذ ذلك التاريخ وحتى إلغائها، أصدرت اللجنة عددًا من قرارات التحفظ، دون بيانات إجمالية عن حجم الأموال التي تتحفظ عليها.
كما أقر البرلمان تغيير مسمى القانون من “تنظيم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال جماعة الإخوان الإرهابية”، إلى “أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين”، لتفادي عدم الدستورية، وهو ما أكده رئيس مجلس النواب علي عبد العال، في إشارة إلى أن القانون يفترض أن يكون عامًا وأشمل، وليس مخصوصًا لفئة دون أخرى.
وفسّر القانون الأموال بالأصول أو الممتلكات أيًا كان نوعها، سواء أكانت مادية أم معنوية، ثابتة أم منقولة، ومن ضمنها المستندات والعملات الوطنية أو الأجنبية أو الأوراق المالية أو التجارية والصكوك والمحررات المبينة لكل ما تقدم، وأيًا كان نوعها أو شكلها، ومن ضمنها الشكل الرقمي أو الإلكتروني مثل “البيتكوين”، وجميع الحقوق المتعلقة بكل منها.
بحسب المادة 6 من قانون 22 لسنة 2018، فإنه يحق لجميع الأشخاص والكيانات التي أعلنت لجنة التحفظ مصادرة أموالها، التظلم من القرار، خلال 8 أيام من تاريخه إعلانه
وقد استندت لجنة التحفظ الحاليّة على المادة 11 من القانون، في عملية المصادرة، التي تنص على “مع مراعاة حقوق الغير حسن النية يكون للجنة متى صار حكم التحفظ نهائيًا التصرف في الأموال محل التحفظ على النحو المبين في القانون المدني والمرافعات المدنية والتجارية، متى كان منطوق الحكم قد نص على التصرف في المال، وذلك بنقل ملكيته إلى جانب الخزانة العامة، بناءً على طلب اللجنة من المحكمة المختصة التصرف في المال”.
حق التظلم
بحسب المادة 6 من قانون 22 لسنة 2018، فإنه يحق لجميع الأشخاص والكيانات التي أعلنت لجنة التحفظ مصادرة أموالها، التظلم من القرار، خلال 8 أيام من تاريخه إعلانه، أمام محكمة الأمور المستعجلة، ويحق لهم أيضًا استئناف الحكم خلال 10 أيام من إصداره.
تقول المادة: “لكل ذي صفة أو مصلحة أن يتظلم من القرار الصادر من اللجنة خلال 8 أيام من تاريخ إعلانه إعلانًا قانونيًا أمام المحكمة المختصة، وعلى المحكمة أن تفصل في التظلم خلال 30 يومًا من تاريخ قيده أمامها بالإجراءات المعتادة، وللمحكمة أن تحكم بوقف تنفيذ القرار أو تأييده أو إلغائه، ولكل ذي صفة أو مصلحة استئناف الحكم خلال 10 أيام من تاريخ علمه، وعلى المحكمة المختصة أن تفصل في الاستئناف خلال 30 يومًا من تاريخ قيده بجداولها، ويعد الحكم الصادر في هذا الشأن نهائيًا وغير قابل للطعن عليه”.
قوبل قرار لجنة “التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين” بهجوم كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي
هذا الحكم النهائي الذي أشارت إليه المادة يعني إضافة الأموال المتحفظ عليها للخزانة العامة للدولة، ومن ثم تصبح ملكًا لها ويحق لها إدارتها والتصرف فيها.
مخالف للدستور
قوبل قرار لجنة “التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين” بهجوم كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره يمثل اعتداءً صارخًا على ممتلكات الأفراد، خاصة أنه لم يصدر حتى الآن حكمًا قضائيًا نهائيًا يدين أي من الأشخاص أو الكيانات المتهمة بالإرهاب، وحذّر كثيرون من خطورة تطبيق ذلك القرار والسطو على أموال رجال الأعمال على الاستثمار والاقتصاد المصري.
جدير بالذكر أن هذا القرار يخالف الدستور المصري الذي بلغت نسبة الموافقة عليه 98.1%، حسب بيان اللجنة العليا للانتخابات في 18 من يناير 2014، فالمادة 40 من الدستور تنص على أن “المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي”.