تؤثّر الحرب في سوريا على جيرانها بصورة هائلة، ولاسيّما لبنان. وتتجلّى امتدادات تلك الحرب بصورة واضحة في مدينة طرابلس الشمالية، حيث يتصاعد العنف في الشوارع، وتصل الطائفية إلى مستويات غير مسبوقة، ويزدهر التطرف السنّي. ويهدّد هذا الوضع الذي يتّسم بعدم الاستقرار بالامتداد إلى مناطق أخرى من البلاد. ومع ذلك فإن مشاكل لبنان تتعلق بالديناميات المحلية بقدر ماتتعلق بالاضطرابات في سورية. ولذا يتعيّن على صناع القرار اللبنانيين معالجة عدد من القضايا التي طالما تم تجاهلها.
يتجلّى امتداد الصراع السوري بصورة أوضح من أي مكان آخر في مدينة طرابلس الساحلية في الشمال، والتي تعدّ ثاني أكبر مدينة في لبنان، حيث تفاقمت التوتّرات الطائفية والسياسية المحلية بشدّة. وهذا ليس بالأمر المستغرب. فللمدينة المعروفة باسم طرابلس الشام، أو طرابلس سورية، بسبب قربها الجغرافي والاجتماعي من العمق السوري، صلات عميقة بالمجتمع السوري. لا بل إن التركيبة الدينية في طرابلس تذكّر بتركيبة البلدات السورية القريبة، حيث تعيش أغلبية ساحقة من أهل السنّة جنباً إلى جنب مع أقلّية من العلويين الذين يقطنون تلّة جبل محسن التي تطلّ على باقي المدينة. الخلافات السياسية بين الطائفتين قديمة ومتجذّرة في مظالم مختلفة، بيد أن حقيقة أن معظم العلويين يعتبرون داعمين للنظام السوري، والذي يعبّر الكثير من السنة عن معارضتهم القوية له، أوصلت المدينة إلى حافّة الحرب.
يبدو تأثير الأزمة السورية على لبنان حقيقياً جداً. غير أن معرفة ما إذا كان البلد قادراً على الصمود في وجه العاصفة وتجنّب الوقوع في حرب أهلية أخرى، سيعتمد في نهاية المطاف على قدرة واضعي السياسات اللبنانية على معالجة القضايا الهامة التي طالما تم تجاهلها.
أدّى وجود اللاجئين السوريين في شمال لبنان إلى تفاقم التوتّرات الاجتماعية والاقتصادية. إذ يتنامى شعور عام بالسخط ولاسيما في أوساط السنَّة .. بالإضافة إلى أن معدلات الفقر مرتفعة في شمال لبنان، وتنقسم طرابلس عموماً بين الأحياء الفقيرة والضواحي الغنية.
هذا الأمر أدى إلى حالة من الغضب الشديد، وفشلت الأحزاب السياسية والمؤسّسات الدينية الرسمية، مثل دار الفتوى السنّية، في توجيه مشاعر الاستياء المتنامية. إذ يتحوَّل بعض السنّة إلى التطرّف ويلجأون إلى الجماعات السلفية والسلفية الجهادية.
الورقة تتحدث عن جذور الأزمة في طرابلس أيضا من الناحية الطائفية، فغالبية سكان مدينة طرابلس هم من السنّة. كما أن منطقة باب التبانة السنّية منخرطة في صراع طويل الأمد مع حي جبل محسن العلوي، كما أن حزب الله الشيعي يوفر دعماً عسكرياً فعّالاً للنظام السوري، ويتمتّع بنفوذ فريد في لبنان يؤجّج الانقسام بين السنة والشيعة في البلاد.
يعتبر معظم العلويين مؤيدين للنظام السوري، الذي يعارضه الكثير من السنّة بشدّة. وقد أوصل هذا التوتّر مدينة طرابلس إلى حافّة الحرب. يفترض بالجيش اللبناني أن يضمن الأمن والاستقرار في البلاد. لكن الجيش لم يتمكّن بعد من إخماد القتال، ولا يُتوقع أن يستطيع المشاركة الفعالة في إخماد القتال.
وتوصي الورقة بعدة توصيات من بينها تعزيز الأمن، حيث يجب أن تبذل قيادة الجيش اللبناني جهداً أكبر لمعالجة مظالم الطائفة السنّية لأن أي خطة أمنية تهدف إلى تهدئة التوتّر في الشمال لن تنجح إلا إذا كانت مصحوبة بخطة لكسب القلوب والعقول. كما يجب على الحكومة أن تقرّر ما إذا كان ينبغي أن يحتفظ حزب الله بأسلحته أم لا.
ويجب على الدولة كذلك زيادة الاستثمار في التعليم والبنية التحتية المحلية، مع تسريع وتيرة اللامركزية الإدارية لتعزيز قدرة البلديات على معالجة القضايا المحلية، بالإضافة إلى دعم جهود المجتمع المدني لتهدئة التوتّر بين الأحياء المتنافسة (جبل محسن وباب التبانة) وتوفير منبر للحوار.
يمكنكم الاطلاع على الورقة الكاملة عبر الضغط هنا