مرة أخرى تشد احتجاجات أهالي مدينة ورقلة الأنظار إلى هذه المدينة “المهمشة” في الجنوب الجزائري، احتجاجات على الفساد والبطالة والفقر وغياب التنمية في مدينة تزخر بالثروات الباطنية، ثروات رغم أهميتها الكبرى في اقتصاد البلاد، فإنها لم تشفع بعد للمدينة أمام سلطات البلاد الحاكمة حتى يولونها القليل من الاهتمام ويخرجونها من التهميش الذي تعيشه، وفق أهالي المنطقة.
احتجاجات متواصلة
احتجاجات هذه المرة جاءت نتيجة فشل التمثيليات المنتخبة، سواء النواب في البرلمان الممثلون للمحافظة أم المجالس المحلية المنتخبة، في الضغط على السلطات المركزية للاستجابة لمطالب الجهة الاجتماعية والاقتصادية.
وقبل نحو 10 أيام شهدت محافظة ورقلة (800 كيلومتر جنوب الجزائر) احتجاجات غاضبة ضد رئيس الحكومة ووزير الصحة، عقب وفاة ناشطة أكاديمية في مستشفى محلي نتيجة لسعة عقرب، ما اعتبره المحتجون إهمالًا ونقصًا في الخدمات الصحية.
تمثل هذه الاحتجاجات مصدر قلق كبير للسلطات والحكومات المتعاقبة
في نهاية شهر يوليو/حزيران خرج أهالي المحافظة الغنية بالنفط في مظاهرة رفضًا لإقامة حفلات غنائية هناك، وطالب المحتجون السلطات بصرف المبالغ المدفوعة للمغنيين في مشاريع للتنمية وتحسين البنية التحتية، كما لجأ محتجون عاطلون إلى تقطيع أجسادهم بآلات حادة للفت انتباه السلطات لمشاكلهم.
واضطرت السلطات المحلية لمدينة ورقلة إلى إلغاء الحفل الفني تحت وطأة الاحتجاجات الرافضة لإحيائه، واعتبر المحتجون أن الاحتفال لن يجلب أي فائدة لسكان المنطقة الذين يتخبطون في مشاكل عدة، أبرزها انقطاع الكهرباء والماء ومشاكل الصرف الصحي والسكن، وكذا البطالة.
الحكومة تقمع وتحذر
هذه الاحتجاجات قابلتها السلطات الحاكمة بالقمع، حيث منعت قوات الشرطة ومكافحة الشغب الجزائرية متظاهرين من تنظيم مسيرة في المدينة ورقلة، واعترضت قوات الشرطة مسيرة لآلاف من الشباب في ورقلة، وأطلقت الغاز المسيل للدموع لمنعهم من التقدم والخروج من ساحة التجمع في ساحة سوق الحجر وسط المدينة.
فضلًا عن ذلك، حذرت الحكومة الجزائرية سكان الولايات الجنوبية من الانسياق وراء مخطط تقوده أطراف لم تسمها يهدف لزرع الفتنة والفوضى، على حد وصفها، وقال وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي إن الحكومة على دراية بالأطراف التي تريد زعزعة استقرار وأمن البلاد.
https://www.youtube.com/watch?v=gB1Dobq7Wc8
وأضاف وزير الداخلية الجزائري في تصريحات صحفية أمس الأحد “الجزائر تعيش مرحلة استثنائية على اعتبار أنها مقبلة على تنظيم استحقاقات انتخابية عام 2019″، وأوضح بدوي أنه يتعين على كل الجزائريين الأخذ بالحيطة والحذر من الأطراف التي تحاول ضرب الاستقرار، مؤكدًا أن هذه المرحلة تتطلب وعيًا عاليًا لدى كل فئات المجتمع الجزائري.
وتمثل هذه الاحتجاجات مصدر قلق كبير للسلطات والحكومات المتعاقبة، ذلك أنها فقدت سيطرتها على المنطقة بعد أن تراجعت سلطة زعماء القبائل هناك، بعد أن كانت لهم سلطة روحية قوية في الجنوب الجزائري تستعين بها السلطات لفرض سيطرتها على المنطقة.
مطالب مشروعة
يرى سكان المحافظة أن سياسات الحكومات الجزائرية المتعاقبة منذ استقلال البلاد لم تنصف منطقتهم بمشاريع تنموية تضع حدًا للبطالة المتفشية وسط الشباب هناك وتحسن مستوى معيشتهم وتطور البنية التحتية لمنطقتهم، رغم مطالبهم المتكررة.
وخلال هذه الاحتجاجات رفع الأهالي شعارات تطالب بالتنمية وتحسين الظروف المعيشية، وتوفير السكن وفرص العمل للشباب، كما طالب سكان ورقلة بمشاريع تنموية تحسن من مستوى المعيشة والخدمات الصحية الاجتماعية وخفض أسعار الكهرباء التي تثقل كاهلهم في الحر الشديد، وفرص عمل أكبر في شركات النفط.
ما يزيد من غضب سكان المحافظة أن منطقتهم تعد أبرز المحافظات النفطية في الجزائر
من هذه الشعارات التي رُفعت “العاصمة الاقتصادية دون مستشفيات جامعية” و”نطالب بتنمية مستدامة والقضاء على الفساد” و”نطالب برفع التجميد عن المستشفى الجامعي وبناء مستشفى للحروق وإصلاح هياكل الصحة” و”نريد بناء مجمعات سكنية بمقاييس عالمية”.
وبلغت نسبة البطالة في مناطق الجنوب الجزائري أكثر من 30% لدى الشباب، وفقًا للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، رغم أنها مصدر ثروات النفط والغاز التي تدر 98% من المداخيل المالية للجزائر.
ويشدد الأهالي على ضرورة محاربة الفساد ورفع العوائق البيروقراطية عن الاستثمار في المنطقة ورحيل المحافظ (ممثل السلطة المركزية في المحافظة)، وترقية إطارات الولاية إلى مصاف ولاة وأعضاء في السلك الدبلوماسي، وإنشاء مصانع لإيجاد فرص شغل أمام الشباب، فضلًا عن إنشاء مراكز ومعاهد تكوين في مجال النفط والمحروقات.
إلى جانب ذلك، يطالب سكان المنطقة سلطات البلاد بإنشاء مطار مدني دولي بمقاييس حديثة، وإنشاء مجمعات سكنية بالقيمة والمقاييس نفسها التي تنشأ بها في الشمال، فضلًا عن توفير مستشفيات وتحسين الخدمات صحية في منطقة الجنوب والصحراء، واستغلال المستشفى العسكري القديم وتحويله إلى مستشفى مدني ومركز لمعالجة مرضى السرطان، وإنشاء ملحق لمعهد باستور المرجعي في منطقة الجنوب بسبب تزايد حالات التسمم العقربي وتوفير مركز لمعالجة مرضى السرطان، خاصة أن المنطقة تفتقر إلى مستشفيات توفر حق السكان في الاستفادة من العلاج والخدمات الصحية.
“علي” أحد شباب ورقلة (28 سنة) الذي خرجوا يوم السبت للتظاهر ضد سياسات الحكومية التنموية الخاصة بمدينتهم، قال في تصريح لنون بوست إنه استجاب لدعوات مجموعة من الناشطين في المدينة للخروج إلى الشارع والمشاركة في مسيرة سلمية، للمطالبة بالتنمية والشغل وتحسين الظروف الحياتية والبنى التحتية لمنطقتهم.
يؤكد علي في حديثه لنون بوست، نفاد صبرهم نتيجة طول الانتظار ومماطلة سلطات البلاد في الاستجابة لمطالبهم التي وصفها بـ”المشروعة”، واتباع الحكومة سياسة التسويف والاستجابة لمطالبهم عبر مراحل ربحًا للوقت، وفق قوله.
ويعيب أهالي ورقلة والجنوب الجزائري ككل على سلطات البلاد التركيز على تنمية بعض المدن الكبرى مثل العاصمة ووهران وقسنطينة دون سواها من المناطق الأخرى، الأمر الذي أثر سلبًا على هذه المدن المهمشة التي عانت من العديد من المشاكل الاجتماعية والتنموية، كغياب المشاريع التنموية الكبرى والمرافق الصحية المتطورة والمعدات الطبية وأزمة السكن.
ورقلة.. عاصمة النفط الجزائري
ما يزيد من غضب سكان المحافظة أن منطقتهم التي كانت تسمى قديمًا “واركلان” (اسم أمازيغي)، تعد أبرز المحافظات النفطية في الجزائر، حيث تنام المحافظة على آبار النفط والغاز، وتعتبر عصبًا حقيقيًا للاقتصاد الجزائري المبني على تصدير الثروات الباطنية.
وتستقطب المحافظة كبرى الشركات النفطية والغازية العالمية التي تشتغل في البلاد، حيث تضم مدينة حاسي مسعود التي تعتبر من أهم المناطق في الجزائر من حيث الثروات الطبيعية التي تمتاز بها هذه المنطقة والمتمثلة في النفط والغاز.
نقل الجزائريون الاحتجاجات إلى موقع التواصل الاجتماعي
إلى جانب ثروة الذهب الأسود، تحتوي المنطقة أيضًا على واحات للنخيل التي تنتج أجود التمور، وتحظى واحات النخيل بأهمية كبيرة لدى العائلة الورقلية التي تمثل مصدر الغذاء الأساسي، كما يقضي أغلبية سكان ورقلة معظم أوقاتهم في الواحة لخدمتها وتمضية وقت الفراغ، نتيجة عدم وجود أماكن للتسلية.
كما تعتبر ورقلة قبلة سياحية بامتياز، لوجود الحمامات الطبيعية الاستشفائية والمدن التاريخية والأثرية في مدينة “تقرت” التي تحتوي على قصور قديمة ومتاحف عديدة، والمساجد العتيقة والزوايا التي بإمكانها جذب السياح في إطار “السياحة الدينية أو الروحية”، إن وفرت لها وسائل ذلك.
مواقع التواصل الاجتماعي تتفاعل
هذه الاحتجاجات وجدت صدى لها في مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا، حيث نقل الجزائريون الاحتجاجات إلى موقع التواصل الاجتماعي عبر هاشتاغ #كلنا_ورقله الذي تصدر حديث الناس، وطالب من خلاله المستخدمون الإبقاء على سلمية التحرك.
في هذا الشأن عبرت ناشطة تحمل اسم “سعدية” عن سعادتها للسلمية التي اتبعها سكان ورقلة في تظاهراتهم، وكتبت في هذا الشأن على حسابها في موقع “تويتر” تغريدة جاء فيها، “شباب #ورقلة يخرجون من أجل التغيير السلمي الحضاري في كل المجالات، من أجل تنمية طال انتظارها، من أجل الحصول على حقوقهم كاملة، تظاهرات سلمية لا عنفية تنم عن وعي كبير من هذا الشعب الذي يطالب بحقوقه بسلمية ودون عنف”.
شباب #ورقلة يخرجون من اجل التغيير السلمي الحضاري في كل المجالات
من اجل تنمية طال انتظارها
من اجل الحصول على حقوقهم كاملة
تظاهرات سلمية لاعنفية تنم عن وعي كبير من هذا الشعب الذي يطالب بحقوقه بسلمية ودون عنف ….موفقون ✌#كلنا_ورقلة— saadiya (@7saadiya) September 15, 2018
بدوره عبر الإعلامي الجزائري فاضل زبير عن مساندته هذه التظاهرات، وكتب تغريدة على موقع في تويتر جاء فيها “#ورقلة عاصمة البترول والغاز تنتفض ضد الفساد والتهميش والحقرة، #الجزائر تستحق أفضل من هؤلاء المسؤولين الفاسدين الفاشلين”.
https://twitter.com/FADELZOUBIR/status/1040982385297436672
جزائرية أخرى تحمل اسم “البتول” كتبت في حسابها في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تدوينة تنتقد وصف المحتجين بالإرهابيين وقالت: “المطالبة بمحاربة الفساد والحق في العيش الكريم من طرف أبناء ورقلة ليس إرهابًا ولا يد خارجية ولا زعزعة لاستقرار البلاد، وإنما وعي وحق وضرورة.. انتهى زمن استعباد الشعب وإطفاء الضوء على صوته واتهام كل صاحب حق بقلة الوطنية والفوضوية، مطالب أهل ورقلة هي مطالب كل الجزائريين عبر كل القطر الوطني.. مطلب مشروع”!