في تراجع وصف بأنه الأسوأ منذ تعويم الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، خسرت البورصة المصرية نحو 24.6 مليار جنيه من القيمة السوقية لها خلال تعاملات أمس الأحد فقط، فيما تراجع المؤشر الرئيسي EGX30 بنسبة 3.6% ليفقد 551 نقطة ويغلق عند مستوى 14757 نقطة.
تراجع الأمس الذي يعد الأكبر منذ 21 شهرًا جاء استكمالاً للهبوط الذي تتعرض له البورصة خلال الأيام الأخيرة بصورة لم تشهدها منذ سنوات، فخلال جلسات الأسبوع الماضي تراجعت الأسواق المالية بنسبة 3.1% عند مستوى 15309 نقاط، ليبلغ إجمالي قيمة التداول 6.6 مليار جنيه خلال هذا الأسبوع مقارنة بإجمالي قيمة تداول قدرها 10.5 مليار جنيه، خلال الأسبوع الماضي، فيما بلغ حجم التراجع خلال الشهور العشر الأخيرة نسبة 1.74% عن مستواها بداية العام.
واليوم واصلت مؤشرات البورصة تراجعها بصورة جماعية في منتصف تعاملات جلسة الاثنين، وهبط المؤشر الرئيسي للسوق بنسبة 0.92% وصولًا إلى 14629.39 نقطة، وانخفض رأس المال السوقي بنحو 10.3 مليار جنيه، مدفوعا بمبيعات المستثمرين المصريين.
حالة من القلق تخيم على الاقتصاد المصري عامة وسوق الأوراق المالية خاصة عقب هذا الهبوط الحاد وسط تأويلات وتفسيرات متباينة عن الدوافع الحقيقية لهذا التهاوي، خاصة أنها تتزامن مع بدء برنامج الطروحات الحكومية خلال الربع الأخير من العام الحاليّ، الذي من المقرر أن يشمل عدد من الشركات، في الوقت الذي ارتفع فيه الدين الخارجي إلى معدلات قياسية بتجاوزه حاجز الـ92.64 مليار دولار نهاية يونيو/حزيران الماضي.
عشوائية منظومة الاستثمارات وغياب الإستراتيجية الواضحة وفشل التخطيط والافتقار إلى فقه الأولويات وراء تلك الأزمة
عشوائية الرؤية
بعيدًا عن الآراء التي تشير إلى أن البورصة ليست بالضرورة أن تعبر عن حركة النشاط الاقتصادي على أرض الواقع غير أنها في الوقت ذاته تتناسب طرديًا مع قوة الاقتصاد والعملة المحلية في آن واحد، فكلما كانت البورصة قوية ومستقرة دل ذلك على قوة الاقتصاد وثبات العملة، بهذه الكلمات استهل الدكتور يسري طاحون أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا حديثه معلقًا على انهيار البورصة المصرية خلال جلسة الأمس.
وأضاف طاحون لـ”نون بوست” أن ما حدث هو نتاج منطقي لحزمة من الأسباب الداخلية التي أودت بالأسواق المالية إلى هذا المنحدر، لافتًا إلى عشوائية منظومة الاستثمارات وغياب الإستراتيجية الواضحة وفشل التخطيط والافتقار إلى فقه الأولويات وراء تلك الأزمة.
هذا بخلاف تراجع ترتيب مصر في مؤشرات قياس قوة الاقتصاد وعلى رأسها غياب الشفافية وتراجع سيادة القانون والعدالة وعدم الاهتمام بالمورد البشري، كذلك تفشي الفساد في كل أرجاء المنظومة حتى باتت أخبار سقوط فاسدين وردًا يوميًا على المواقع والفضائيات كافة، بخلاف الفوضى التشريعية في القوانين وتراجع مناخ الحريات وتدني المستوى البيئي والمجتمعي.
كما أرجع أستاذ الاقتصاد الهبوط الحاد في البورصة إلى تبعية الاقتصاد المصري وعدم استقلاليته، إذ يعتمد في المقام الأول على الاستيراد من الخارج في ظل تراجع المنتجات الوطنية، إضافة إلى تبعات المشروعات الكبرى التي قامت بها الدولة مؤخرًا على رأسها قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية التي لا تضيف للاقتصاد أي جديد في الوقت الراهن رغم الحاجة إليها مستقبلاً.
واختتم طاحون حديثه بأن رأس المال جبان، يلهث وراء الربح، فإن وجد في السوق المصرية ما يسيل لعابه لاستمر مهما كانت الأوضاع، مضيفًا: لو كان الاقتصاد قويًا لاستطاع التعافي مبكرًا عقب أي أزمة يتعرض لها، ولنجح في التصدي لأي عقبات وتحديات مهما كانت، وأمامنا النموذج التركي، فإن لم يكن الاقتصاد التركي قويًا لكانت الخسائر أكثر فداحة مما هي عليه الآن ولتراجعت العملة التركية أضعاف ما هي عليه الآن، على حد قوله.
ليست المرة الأولى التي تتراجع فيها البورصة المصرية إلى هذا الحد
عوامل داخلية
يخيم الاتجاه الهبوطى على البورصة المصرية منذ نحو خمسة أشهر نتيجة خروج المستثمرين الأجانب من الأسواق الناشئة وارتفاع الفائدة على الدولار الأمريكي، ما أسفر عن بيع الأجانب أدوات دين مصرية بنحو 6 مليارات دولار خلال الشهور من أبريل إلى يوليو من العام الحاليّ، إلى جانب نقص السيولة بالبورصة المصرية مما ترتب عليه قلة حجم التعامل، حسبما أشار الخبير الاقتصادي المصري ممدوح الولي.
الولي لـ”نون بوست” أرجع الهبوط في تعاملات الأحد إلى تراجع عوامل الثقة بالسوق، نتيجة القبض على عدد من قيادات شركات الوساطة المالية الكبرى بالسوق، إضافة إلى الاستيلاء على أموال وشركات ومحلات مئات الأشخاص مؤخرًا لصالح الخزانة العامة، ومنهم صفوان ثابت رئيس شركة جهينة المقيدة بالبورصة، وكذلك ارتفاع فائدة أذون الخزانة المصرية التي وصلت إلى 4.19% للأذون لمدة ثلاثة أشهور و19.75% لمدة تسعة أشهر مما يتيح بديلاً مضمون العائد المرتفع للتعامل بالبورصة.
لجوء الحكومة إلى رفع الفائدة أسوة بما حصل في تركيا والأرجنتين ربما يدمر ما تبقى من البورصة في ظل عزوف الأجانب وهروب رؤوس الأموال للخارج
وفي المقابل أشار الخبير في شؤون البورصة، خالد أبو علي، إلى أن ما يثار بشأن مسؤولية الحكم بالحبس على نجلي الرئيس الأسبق حسني مبارك، جمال وعلاء، وبعض رجال الأعمال، عن هذا الهبوط، ليس بالدقة الكافية، لافتًا إلى أن إلقاء القبض عليهم ربما عجل من وتيرة التهاوي لكنه ليس السبب الوحيد.
أبو علي لـ”نون بوست” كشف أن البورصة المصرية تسير في طريق الهاوية منذ فترات طويلة، حيث هبطت من 18300 نقطة أكتر من مرة لترتكز عند 15300، ورغم محاولاتها المستمرة غير أنها فشلت في تجاوز حاجز الـ16000 نقطة، موضحًا أن لجوء الحكومة إلى رفع الفائدة أسوة بما حصل في تركيا والأرجنتين ربما يدمر ما تبقى من البورصة في ظل عزوف الأجانب وهروب رؤوس الأموال للخارج.
كانت محكمة جنايات القاهرة، قد قررت السبت الماضي، حبس علاء وجمال مبارك و5 من كبار رجال المال في مصر، هم: أيمن أحمد فتحي رئيس مجلس إدارة “البنك الوطني”، وياسر الملواني رئيس مجلس إدارة المجموعة المالية “هيرمس”، وحسنين محمد هيكل الرئيس التنفيذي لـ”هيرميس”، وعمر محمد القاضي عضو مجلس إدارة “البنك الوطني” ورئيس تنفيذي بشركة “E.F.G هيرمس”، وحسين لطفي صبحي عضو مجلس إدارة “البنك الوطني” والعضو المنتدب بشركة “إتش. سي”، على ذمة القضية المعروفة إعلاميًا بـ”التلاعب في البورصة”
يذكر أنه بعد ساعات قليلة من خبر إلقاء القبض على نجلي مبارك وبعض رجال أعماله تراجعت أسهم المجموعة المالية هيرميس التي تعد واحدة من أكبر الشركات العاملة في البورصة، بنسبة 4.11%، وشركة القلعة بنسبة 3.02%، حيث انخفض خلال نصف الساعة الأولى من جلسة الأمس نحو 92 سهما مقابل ارتفاع 7 أسهم فقط.
الانهيار الكامل للبورصة وخسارة 24 مليار جنية فى ساعات محدودة يأتي بسبب “خروج الأموال الساخنة التي كسبت وترحل الآن للأرجنتين”
عوامل خارجية
آخرون ذهبوا إلى أن ما حدث للبورصة المصرية نتاج عدد من العوامل الخارجية تتمحور حول لجوء بعض الأسواق العالمية إلى ارتفاع معدلات الفائدة بها بنسب كبيرة ما أسال لعاب المستثمرين في العديد من الدول وعلى رأسها مصر، وهو ما يفسر خروج مليارات الدولارات من البنوك المصرية خلال الفترة الماضية.
خلال الأيام الماضية أقدمت عدد من الدول على رفع نسب الفوائد على العوائد البنكية بها بصورة غير مسبوقة بدأت بالولايات المتحدة الأمريكية بمقدار 25 نقطة أساس ومن المتوقع زيادتها مرة أخرى قبيل نهاية العام، ثم الأرجنتين بنسبة 60% تلتها تركيا بواقع 24% وتشير الأنظار إلى لجوء روسيا لهذا القرار خلال الفترة المقبلة.
مدير مركز طيبة للدراسات السياسية والإستراتيجية خالد رفعت، قال في تعليق له على صفحته الشخصية على “فيس بوك” إن الانهيار الكامل للبورصة وخسارة 24 مليار جنيه فى ساعات محدودة يأتي بسبب “خروج الأموال الساخنة التي كسبت وترحل الآن للأرجنتين”، مشيرًا أنه طالما حذر الحكومة من أن تلك الأموال “تمص دم الشعوب وترحل”، معلنًا أسفه لخسارة جميع الأسهم قائلاً “لأول مرة أرى هذا المنظر من سنوات”.
يتزامن سقوط البورصة مع اعتزام الحكومة المصرية طرح أسهم بعض شركاتها العامة في السوق المالية أمام المستثمرين، وهو ما اعتبره بعض المحللين نوعًا من المغامرة المحفوفة بالمخاطر، فمثل هذه التحركات تحتاج إلى ضمانات تحميها وإلا سيكون لها ارتدادات سلبية على الاقتصاد المصري، خاصة أن تاريخ مصر مع طرح شركاتها في البورصة ليس جيدًا وخير مثال على ذلك ما حدث مع شركتي الحديد والصلب والقومية للأسمنت، كذلك كارثة بيع محالج القطن بعد أن هدمها أصحابها وحولوها لمبانٍ سكنية.