رغم الأزمات الإنسانية والمعيشية المتدهورة والقاسية التي يعاني منها سكان قطاع غزة منذ 12 عامًا، كشفت مصادر فلسطينية رفيعة المستوى من داخل مقر المقاطعة بمدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، تصعيدًا جديدًا اتخذه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تجاه القطاع، برفضه مبادرة تقدمت بها دولة قطر لحل أكثر أزمات غزة تعقيدًا وتأثيرًا.
المصادر أكدت في تصريحات خاصة بـ”نون بوست”، أن السفير القطري محمد العمادي الذي زار رام الله والتقى بالرئيس الفلسطيني، الخميس الماضي، (13 من سبتمبر/أيلول)، قدم له عرضًا جديدًا يتعلق بتكفل دولة قطر بحل أزمة الكهرباء في القطاع التي وصلت لمرحلة خطيرة جدًا، وباتت تهدد حياة السكان هناك.
وأوضحت أن قيمة المنحة القطرية التي وضعت على طاولة الرئيس عباس، وصلت لـ60 مليون دولار أمريكي، لشراء الوقود الخاص لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة وإعادة تشغيل قطاعات حيوية على رأسها القطاعين الصحي والبيئي.
ويعاني القطاع الصحي في غزة أزمات عدة، نتيجة نقص كميات الوقود اللازم لتشغيل مولِّدات المستشفيات والمراكز الطبية التي تقدم الخدمات الصحية للمواطنين، بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع واستمرار السلطة الفلسطينية في إجراءاتها العقابية ضده للعام الثاني على التوالي.
العرض القطري رفضه الرئيس عباس بشكل قاطع وأغلق الملف، وذلك بحجة أن تلك المنحة قد تقوض جهوده التي يبذلها من أجل الضغط على حركة حماس لتسليم قطاع غزة
محطة كهرباء غزة
الدخول بالكارثة
وتضيف المصادر ذاتها أن “المنحة القطرية قدمت تصورًا واضحًا لآلية صرف الـ60 مليون دولار، وكيفية الاستفادة من هذا التمويل الذي سيستمر لمدة 6 أشهر على الأقل، في تشغيل محطة توليد الكهرباء، وإنقاذ قطاع غزة قبل الكارثة الصحية والبيئية والإنسانية التي باتت تنتظر سكانه، نتيجة انقطاع التيار الكهرباء لأكثر من 20 ساعة في اليوم الواحد، بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل محطة التوليد”.
مؤكدة أن العرض القطري رفضه الرئيس عباس بشكل قاطع وأغلق الملف، وذلك بحجة أن تلك المنحة قد تقوض جهوده التي يبذلها من أجل الضغط على حركة حماس لتسليم قطاع غزة، للحكومة التي يترأسها الدكتور رامي الحمد الله، وتفشل العقوبات التي يفرضها عليها منذ أبريل من العام الماضي.
وحذرت المصادر ذاتها، من أن رفض الرئيس عباس للمنحة القطرية، قد يدخل قطاع غزة في أزمة كبيرة تقربه من كارثة خطيرة للغاية، في ظل انعدام الحلول وعدم توافر أي وقود لمحطة توليد الكهرباء، وأن الساعات المقبلة ستكون حاسمة ومصيرية.
اتهم القيادي في حركة حماس والنائب في المجلس التشريعي عن الحركة يحيى موسى، الرئيس عباس بأنه شريك “إسرائيل” والدول العربية والغربية في الحصار المفروض على قطاع غزة للعام الـ12 على التوالي
ويعاني قطاع غزة من العديد من الأزمات الإنسانية، ويأتي في مقدمة تلك الأزمات مشكلة نقص الكهرباء التي لا تزيد ساعات وصولها للفلسطينيين في غزة من 4 إلى 5 ساعات يوميًا، وهو ما تسبب بوقوع العديد من الأزمات في المجال الصحي والبيئي وغيرها.
حيث شملت ما باتت تسمى “عقوبات أبريل” التي يفرضها الرئيس عباس على غزة التي دخلت عامها الثاني (منتصف أبريل/نيسان 2017)، خصمًا يتراوح بين 40% و50% من رواتب موظفي السلطة، وتقليص كمية الكهرباء التي تراجع عنها بعد عدم خصمها من أموال المقاصة والتحويلات الطبية، وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر الإجباري وتأخير متعمَّد في صرف رواتب الموظفين، ما ضاعف الأزمة والمعاناة في غزة.
من جانبه اتهم القيادي في حركة حماس والنائب في المجلس التشريعي عن الحركة، يحيى موسى، الرئيس عباس بأنه شريك “إسرائيل” والدول العربية والغربية في الحصار المفروض على قطاع غزة للعام الـ12.
وقال موسى إن “كل الخطوات التي يتخذها عباس ضد غزة، من فرض العقوبات الاقتصادية القاسية على السكان وتعقيد خطوات إتمام المصالحة الداخلية ورفضه المشاركة في المؤتمرات الدولية التي تخصص لإنقاذ غزة ومساعدة سكانها، يؤكد أنه شريك أساسي في هذا الحصار”.
يعتمد 80% من الغزيين على المساعدات، وتراجعت السيولة والقدرة الشرائية للمواطنين بسبب العقوبات والخصومات المفروضة على رواتب الموظفين التي تجاوزت الـ50%
القيادي في حركة حماس أشار إلى أن حصار غزة هو جزء من “طبخة عباس” لإنهاك مليوني فلسطيني من خلال خلق وتأجيج الأزمات الاقتصادية والمعيشية وقطع الرواتب والكهرباء وتضييق الخناق عليهم.
ويعتمد 80% من الغزيين على المساعدات، وتراجعت السيولة والقدرة الشرائية للمواطنين بسبب العقوبات والخصومات المفروضة على رواتب الموظفين التي تجاوزت الـ50%، بواقع 25 مليون دولار شهريًا، ما أصاب اقتصاد غزة في مقتل.
كما زادت نسبة البطالة من 41% في الربع الأول من 2017 لتصل إلى 43.6% نهاية العام، وترتفع هذه النسبة بين فئة الشباب والخريجين إلى 60% التي تشكل أكثر من ربع مليون غزي، في حين حُرمت أكثر من 70% من الأسر من الأمن الغذائي، ووقع 80% من سكان غزة تحت خط الفقر.
رهان فاشل
بدوره، رأى أستاذ العلوم السياسية هاني البسوس أن الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة على غزة كانت تهدف إلى دفع سكان غزة للخروج ضد حركة حماس في القطاع، واستدرك بالقول: “لكن، يبدو أن شيئًا لم يتغير في القطاع سوى تردِّي الأوضاع الإنسانية، وجعل سكان غزة يعيشون حالة اقتصادية صعبة وأوضاعًا إنسانية كارثية”.
وتابع البسوس: “كانت التوقعات أن العقوبات ستجعل الناس تخرج ضد حماس، لكن ما حدث أن الناس خرجت في مسيرات كبيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ لذلك فالأصعب الآن خروج الناس في تلك المسيرات لإحراج “إسرائيل”، والمطلوب وقف مسيرات العودة؛ لما سبَّبته من إحراج سياسي لـ”إسرائيل” خلال الأسابيع الماضية”.
وختم البسوس قوله: “هناك انتقادات دولية لما يجري بغزة، ودعوات كبيرة تخرج من أجل التخفيف على الناس، وتدعو أيضًا لوقف الإجراءات العقابية، لتساعد في التخفيف مما يجري من حراك شعبي على حدود القطاع، وهذا الاتجاه تضغط إليه “إسرائيل” ومصر، من خلال تحركات التهدئة التي تجري الآن”.
فشلت القاهرة في إحراز أي تقدُّم بملف المصالحة الداخلية بين حماس وفتح، في حين عاد مسلسل تبادل الاتهامات بين الحركتين يتصدر المشهد الفلسطيني
إلى ذلك، ما زال عباس يرفض بشكل قاطع، انخراط حركة حماس في مباحثات تهدئة غير مباشرة مع “إسرائيل”، كما رفض ربطها بمباحثات المصالحة، واشترط تسليم قطاع غزة بالكامل من أجل إنهاء الانقسام.
وحتى اللحظة، فشلت القاهرة في إحراز أي تقدُّم بملف المصالحة الداخلية بين حماس وفتح، في حين عاد مسلسل تبادل الاتهامات بين الحركتين يتصدر المشهد الفلسطيني، بعد أن كانت المصالحة قبل عيد الأضحى قاب قوسين أو أدنى من التحقيق وإنهاء الانقسام المستمر منذ منتصف يونيو 2007، بحسب ما صرح به مسؤولون من الفصائل شاركوا في اجتماعات القاهرة الأخيرة.