ترجمة وتحرير: نون بوست
في يوم خانق من أيام شهر تموز/ يوليو في كابول، التقت مجموعة صغيرة قادمة من طهران تتألف من ملا وعضو في الحرس الثوري وأستاذ جامعي وطالب في علوم الشريعة في جامعة إيرانية وإيراني آخر رفيع المستوى، في غرفة سرية في حي شيعي. وكان على الطرف المقابل من الطاولة خمسة شبان أفغان ينصتون إليهم بكل انتباه. في الواقع، لم يقع الاختيار على هؤلاء الشباب من قبيل الصدفة، حيث أنهم يافعون وتلقوا تعليما (في بعض الأحيان في إيران)، ويعملون في مختلف القطاعات ولهم تأثير قوي، وقد تم اعتمادهم “كنقاط محورية” محتملة.
في هذا الإطار، يجب على هذه المجموعة، وغيرها من المجموعات الصغيرة التي التقى بها الوفد الإيراني بشكل منفصل، تمثيل النواة الأولى للمجموعة الفاضلة ذات المنظور الدولي. وقد أفاد أحد الشهود قائلا: “نحن نزرع بذور مشروع شيعي كبير عابر للحدود، إنه حزب الله الأفغاني. ويتمثل الهدف من هذا المشروع في جمع الشيعة الأفغان إلى جانب شيعة الدول المجاورة، لمواجهة العدو الأمريكي والإسرائيلي وتنظيم الدولة الذين يقتلون المسلمين، وخاصة الشيعة، في جميع أنحاء العالم”.
أفاد حسان، الشاهد الذي تم تأكيد تصريحاته من قبل العديد من المصادر الأمنية، أن هذه الاجتماعات قد تكررت. وقد طُلب من كل عضو من المجموعة المؤلفة من خمسة شبان، إقناع خمسة أفغان آخرين، مُطالبين بدورهم بإيصال أفكار هذا المشروع إلى شخصيْن آخريْن، وهكذا دواليك. وقال حسان، القاطن في العاصمة الأفغانية، إن “هذه الطريقة سهلة وغير مكلفة”، كما كان ينهض كل 10 دقائق ليتأكد من عدم وجود متنصت على هذا الحوار.
تأمل طهران في أن يتألف الجناح المسلح لحزب الله الأفغاني، الذي يتكون بشكل أساسي من مقاتلين سابقين في لواء “فاطميون”، من الشيعة الأفغان الذين جنّدتهم إيران للقتال في سوريا
في السياق ذاته، أضاف حسان أن “الأمر يقتصر على مشاركة أفكارنا مع أشخاص كثيرين في كابول خلال السنوات القادمة. إننا نبني القاعدة الأولى التي نأمل أن تصبح في السنوات القادمة حركة كبيرة تتجاوز الحدود وتدعم هذه الأفكار”. وستبقى هذه النواة الأولى على اتصال دائم بمراكز التنسيق التابعة لها في طهران.
بالإضافة إلى هذه الاجتماعات، تم إطلاق حملة سرية أخرى، ولكن مفتوحة على حد السواء. وخلال السنة الماضية، قامت مجموعة أخرى من الإيرانيين، تضم بعض السياسيين المؤثرين، بأول زيارة لعدة مقاطعات على غرار؛ كابول، وهراة، ومزار شريف وبنجشير، بحسب ما ورد على لسان حسان، الذي أكد تصريحاته العديد من المسؤولين الأفغان والأجانب.
كما تخطط هذه المجموعة لتنظيم زيارات للمساجد، ونقاشات حول دور القوات الأجنبية في البلاد، فضلا عن اجتماعات مع المجتمعات الشيعية والسنية. وحيال هذا الشأن، صرّح أحد المتساكنين أنهم “يقولون لنا أننا سوف نموت في الهجمات لأن الحكومة وحليفتها الولايات المتحدة تتجاهلانكم، فضلا عن أنهم يقولون لنا لماذا لا تنشؤون منظمتكم الخاصة؟ فقد تم إنشاء حزب الله قبل ثلاثين سنة ويمكنكم أن تقوموا بالأمر ذاته”.
تأمل طهران في أن يتألف الجناح المسلح لحزب الله الأفغاني، الذي يتكون بشكل أساسي من مقاتلين سابقين في لواء “فاطميون”، من الشيعة الأفغان الذين جنّدتهم إيران للقتال في سوريا. وخلال سنة 2017، صرّح نائب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قاآني، خلال مقابلات أجراها مع وسائل إعلام إيرانية أن “الفيلق قد أنهى في سوريا المرحلة الأولى فقط من مشروعه الكبير”.
في هذا السياق، أفاد سيد، البالغ من العمر 21 سنة، الذي قضى أربع سنوات وهو يحارب في صفوف لواء “فاطميون” قبل العودة إلى كابول، أنه “عندما كنت في إيران، ثم سافرت إلى سوريا، كان قادتنا كثيرا ما يخبروننا أن الخطوة التالية في الحرب التي نخوضها تتمثل في الدفاع عن إخواننا في بلدنا”.
عانت جماعة الهزارة الشيعية، التي لا تُمثل سوى أقلية عادة ما تتعرض للتمييز العنصري، من الهجمات التي يتبناها تنظيم الدولة
كما أوضح سيد قائلا: “كانوا يرددون على مسامعنا أن حكومتكم أضحت غير قادرة على حمايتكم، لذلك بات الأمر منوطا بكم لإثبات جدارتكم من خلال حمل السلاح ومحاربة تنظيم الدولة والأمريكيين، الذين يجتاحون بلادكم”. أما في كابول، فقد أوضح أعضاء الحكومة أنهم يخشون من أن هذا المشروع، بعد إرسال مقاتلي لواء فاطميون السابقين إلى بلادهم، قد أحرز تقدما. كما يخشون أن يؤدي ذلك إلى قيام ميليشيا في أفغانستان تعمل بأوامر من طهران.
من جانبها، عانت جماعة الهزارة الشيعية، التي لا تُمثل سوى أقلية عادة ما تتعرض للتمييز العنصري، من الهجمات التي يتبناها تنظيم الدولة. ولا يتردد هذا التنظيم في استهداف أهداف مدنية، بما في ذلك الأطفال. وفي الحقيقة، يُعد جزء من هذا الشعب، الذي يعتبر الحكومة عاجزة عن حمايته، الأكثر استجابة وتقبلا للخطابات الإيرانية الشعوبية مقارنة ببقية أطياف المجتمع الأخرى. ومنذ عدة أشهر، تم تشكيل ميليشيات مسلحة لحماية المساجد وتنظيم دوريات مراقبة تتجول داخل الأحياء الشيعية في كابول.
“إذا انتقدت إيران، فستموت حتما”
لكن، وبحسب محللة سياسية، “لن يكون الحفاظ على بعض الأماكن المقدسة أمرا مجديا، ذلك أن منفذي الهجمات المنتمين إلى تنظيم الدولة قد أدركوا أنه لم يبق أمامهم سوى مهاجمة أهداف أكثر عشوائية، على غرار المراكز التعليمية أو الرياضية”. ووفقا لشهادات العديد من متساكني الأحياء الشيعية، فضلا عن بعض المصادر الأمنية، أصبح بعض أعضاء هذه الميليشيات شديدي العنف. فبسبب عدم اكتفائهم بحماية الأهداف المحتملة لتنظيم الدولة، باتوا يُهاجمون أيضاً المواطنين الذين يعتبرونهم غرباء عن المناطق المجاورة لهم.
قبل خمسة أشهر، اغتيل عضو من جهاز المخابرات في تلك المحافظة. ولم يتم التعرف على الجهات التي تقف وراء هذه الحادثة رسمياً، لكن المسؤول المحلي أكد أن “هذا العضو قد تجرأ وانتقد إيران”
لقد عملت طهران جاهدة من أجل التدخل في المشهد السياسي الأفغاني، حيث يحرص النواب، على سبيل المثال، على إلقاء خطابات مؤيدة لإيران. في المقابل، يتلقى هؤلاء دعما ماليا، من المفترض أن يستغلوه لصالح مجتمعاتهم. وقد انتشرت المراكز الثقافية الإيرانية في كابول. أما في المحافظة الغربية نيمروز، فيتم تداول العملة الإيرانية، كانعكاس للعمارة والعلم الذي يحمل الألوان الأخضر والأبيض والأحمر الذي يتراءى للناظر عبر الحدود.
في هذه المحافظة أيضا، يسكت المسؤولون المحليون عن هذه التجاوزات التي قد تُصيب المرء بجنون الارتياب. ويهمس الجميع بأن عددا من الموظفين الحكوميين الآخرين يعملون لصالح البلد المجاور. وقد أفاد مسؤول محلي مكلف بالأمن أنه “في حال انتقدت إيران، فستموت حتما”. فقبل خمسة أشهر، اغتيل عضو من جهاز المخابرات في تلك المحافظة. ولم يتم التعرف على الجهات التي تقف وراء هذه الحادثة رسمياً، لكن المسؤول المحلي أكد أن “هذا العضو قد تجرأ وانتقد إيران”.
المصدر: لوفيغارو