في اليمن، أفقر بلاد الشرق الأوسط، مثلت ثورة عام 2011 ثورة –من قبل جيل كامل كما بدى– ضد الفساد السياسي والاقتصادي على أعلى المستويات، وسيلا عارما من الإحباط الناجم عن عقود من التهميش الاقتصادي وحكم نخب غير خاضعة للمساءلة. وكانت أطياف الوزير إحدى أصوات هذه الثورة، وهي مدونة وناشطة يمنية في العقد الثالث من عمرها. وهي تقول على صفحتها الشخصية في تويتر: “أعتبر نفسي مواطنة العالم، ولكن عالمي يتركز في الوقت الراهن في اليمن”.
وأطياف متحمسة للديمقراطية ومكافحة الفساد ونصرة العدالة الاجتماعية، فهي تجسد الروح الجديدة التي تسري في ناشطين عالميين يستوعبون “الأهمية الحاسمة” للشبكة ويرون مشاكلهم المحلية مترابطة ارتباطا عميقا بالاتجاهات العالمية على نطاق أكبر، وهذه من أهم الأفكار في تقرير جديد لمركز تشاثام هاوس البريطاني عن اليمن.
التقرير الذي جاء بعنوان “اليمن: الفساد وهروب رأس المال والأسباب العالمية للصراع”، يأتي تتويجا لمشروع أبحاث رئيسي متعدد السنوات قاده منتدى اليمن لتشاتام هاوس، وهو مشروع تتضمن العمل الميداني المكثف في اليمن وورشات عمل على مستوى الخبراء ومشاورات مفصلة مع مانحين ودبلوماسيين ووزارات دفاع ومنظمات مجتمع مدني.
اليمن حالة فريدة، يقول التقرير، فنتيجة لمفاوضات سلمت السلطة من الرئيس علي عبد الله صالح بعد ثلاثة عقود من قيادة جمهورية عسكرية إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، تفادى اليمن خطر الاندلاع الفوري لحرب أهلية وتأسس فيه إطار لإصلاح طويل الأجل. ولذلك ذكر بعض المراقبين انتقال اليمن باعتباره قصة ناجحة في المنطقة، بل واقترح أنه قد يشكل نموذجا للدول المتضررة بالصراع كسوريا.
بيد أن نتيجة الانتقال لم تتأكد بعد. فاليمن ما زال بعيدا عن الطريق المضمون إلى مستقبل آمن ومزدهر، إذ يواجه مخاطر جدية من الزعزعة السياسية، أما النضوب السريع لاحتياطات النفط التي تدعم الموازنة العامة فيهدد بأزمة موارد قادمة. ورغم جهود المانحين المتضافرة لدعم معونات التنمية وتعزيز الإصلاح الحكومي في العقد الفائت، فما زالت معدلات الفقر والجوع مفرطة إلى درجة يصعب تصديقها. إذ يقدر برنامج الغذاء العالمي أن أكثر من عشرة ملايين –أي 46 بالمائة من سكان اليمن– ليس لديهم ما يكفي من الطعام. ويتفاقم الوضع مع السلوك الجشع لنخب البلد، إذ يستنزفون موارد اليمن ويرسلون الأرباح المكتسبة بصورة غير مشروعة إلى الخارج دون دفع ضرائب، وكثيرا ما ينشطون في مقاومة الإصلاحات الهيكلية الملحة.
وفي سعيها إلى انتقال منضبط، قامت الجهات الخارجية –لا سيما الأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية– بدعم ورعاية انتقال السلطة من علي صالح إلى عبد ربه هادي. لذا تشارك تلك الجهات وبشدة في التنفيذ اليومي للاتفاقية الانتقالية، فضلا عن تقديمها لدعم فني وزخم دبلوماسي قيم. إذ يمكن لانتقال اليمن أن يرسي الأساس لتركيبة سياسية أكثر شمولا وخضوعا للمساءلة، مما قد يسفر مع الوقت عن تحول مرافق في الاقتصاد السياسي. ولن تحقق هذا الوعد الدبلوماسية التقليدية، بل سيتطلب مشاركة دولية مستمرة ورفيعة المستوى.
ومع ذلك، يمكن للجهات الخارجية أن تعمل نحو الاستقرار ويمكن لها كذلك أن تكون عامل خطورة، وذلك حين لا تتفق تدخلاتها –المدفوعة غالبا بأولويات مكافحة الإرهاب القصيرة الأجل– مع تصورات الشرعية المحلية، أو حتى تقوضها مباشرة كما تفعل استراتيجية الغارات الأمريكية من قبل الطائرات بدون طيار. وكذلك فإن للمعونات العسكرية تقليديا أولوية أكبر بكثير من إنفاق المانحين الدوليين على المساعدات، مما يدل قادة اليمن عن الأولويات المتوقع منهم متابعتها في نظر شركائهم الدوليين.
أما اعتماد اليمن على المساعدات الخارجية فيقدم على الأقل بصيص أمل بأن يدفع المانحون الخارجيون من أجل التغيير: فقد ازدادت المنحات الخارجية التي يتلقاها اليمن من نحو 1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات السابقة إلى نحو 6 بالمائة منه في عام 2012 وفقا لصندوق النقد الدولي. لكن يعكر مستوى المساعدات الأجنبية الهروب الكبير لرأس المال: إذ احتل اليمن المرتبة الخامسة في دراسة لهروب رأس المال بين عامي 1990 و 2008 ضمن أقل البلدان نموا. وتشجع هذا التدفق الضخم وغير المشروع للأموال قضية عالمية تتمثل بالملاذات الضريبية الدولية التي تشمل كيانات وتبعيات غربية. ويضر هروب رأس المال بعائدات الضرائب الوطنية وبالاستثمارات المحلية الضرورية لتمويل تنمية اليمن.
وفي هذا الصدد، فثمة تنافر بين سياسة المانحين الغربيين في المساعدات وسياستهم حيال التهرب الضريبي العالمي. وهذا مجال يمكن –بل ينبغي– للمانحين الدوليين أن يؤثروا فيه إن تضافرت جهودهم. ففي عصر تزداد فيه العولمة، ينبغي أن يترافق الدعم الدولي لبرامج الإصلاح في الدول النامية بإزالة الحوافز التي تمكن من الثراء الشخصي على حساب الحكم الرشيد. لذا فإن التركيز المؤخر لمجموعة الثماني على شفافية الضريبة الدولية والحد من مستقبل الفقر العالمي –كما شدد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال رئاسة المملكة المتحدة لمجموعة الثماني في عام 2013 – يشكل فرصة هامة وسارة لاتخاذ سياسة مشتركة في هذا المجال.
ويوصي التقرير المانحين الغربيين والخليجيين بضرورة اعتماد تخطيط استراتيجي أكثر فاعلية يوازن الاختلافات والمقايضات بين أولويات الأمن ومكافحة الإرهاب القصيرة الأجل وبين أولويات التنمية الاقتصادية والسياسية الطويلة الأجل.
كما يقول التقرير أنه ينبغي للحكومات الغربية والأمم المتحدة مواصلة التزامها حيال الجهات الاجتماعية والسياسية التي عانت التهميش إلى ما بعد انتهاء المدة الانتقالية.
لتفادي انهيار اليمن ولتعزيز استقراره الاقتصادي فمن الضروري لمانحي اليمن تعميم استخدام تحليل الاقتصاد السياسي وتحسين فهمهم لحوافز النخبة. أما علاج التدفقات المالية غير المشروعة من دول مثل اليمن إلى الملاذات الضريبية فينبغي اعتباره أولوية عالمية وإدراجه كذلك في خطة التنمية العالمية لما بعد عام 2015.
يمكنكم الاطلاع على التقرير كاملا بصيغة PDF هنا