قررت وزارة التجارة التركية وضع “وسم المنتج المحلي” على كافة المنتجات المصنوعة داخل تركيا بحيث يكون واضحًا وبارزًا على كافة السلع المحلية الصنع، وقد تم نشر هذا القرار أول أمس 18 سبتمبر 2019 في الجريدة الرسمية مع لائحة الأسعار الجديدة التي أعادت الوزارة تنظيمها، حتى لا يتم التلاعب بها من قبل التجار، ومن المنتظر أن يدخل القرار حيز التنفيذ ابتداء من مطلع شهر أكتوبر المقبل.
وتعتبر هذه الخطوة واحدة من سلسلة خطوات تقوم بها الحكومة الرئاسية الجديدة لفي تركيا إعادة تنظيم الأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث تهدف بشكل واضح إلى تحفيز مواطني الدولة التركية على شراء البضائع والمنتجات المحلية واختيارها بدلاً من السلع الأجنبية ويتوقع أن تنجح هذه الخطوة في تحويل العديد من المواطنين نحو السلع المحلية، نظرًا للرغبة في المساهمة بتقوية الدولة في مواجهة التهديدات والأخطار الاقتصادية وخاصة في المرحلة الحالية.
ويأتي هذا الأمر أيضًا ضمن سياسة عامة اعتمدتها الدولة التركية وتعمل على تطبيقها بشكل تدريجي، وهي سياسة تقليل الاعتماد على الخارج في المدى القريب وصولاً إلى إنهاء الاعتماد في المدى البعيد إن أمكن خاصة في مجالات أمن الطاقة والصناعات العسكرية والأمن الغذائي.
القيادة التركية تعطي في المرحلة الحالية أولويتها الكبرى لتحسين الاقتصاد، في ظل الحاجة لتمتين بنيته، وفي ظل قناعات بوجود تلاعبات من الخارج فيه
ويتوقع في الفترة القادمة أن نجد أمامنا العديد من الخيارات الجديدة في سياق تنويع الاعتماد الخارجي، والإعلان عن الوصول للاكتفاء الذاتي في العديد من المجالات وافتتاح المزيد من المشاريع الداخلية واستكشاف مساحات جديدة لم تكن مطروقة من قبل.
خطوات مشابهة
وبالفعل خطت الدولة التركية بالإضافة إلى قرار خفض الإنفاق العام بعض الخطوات مؤخرًا، فقد قامت الدولة في خطوة لزيادة الايرادات من قطاع الزراعة ورفع الصادرات، بالإعلان عن طرح 3 مليار متر مربع من الأراضي الزراعية للتأجير، حيث حددت مدة عقود الايجار بـ 10 سنوات يدفع 25% من مبلغ الايجار مقدمًا، مع إمكانية بيع الأرض للمستأجر بعد 10 سنوات.
ومن هذه الاجراءات تعديل قرار كتابة العقود بالعملات الأجنبية، فبحسب المرسوم الجديد الذى نشرته الجريدة التركية، عُدل القرار رقم 32 حول حماية قيمة العملة التركية، بحيث تكون عقود بيع وشراء وتأجير العقارات، والأملاك المنقولة، المبرمة بين الأشخاص المقيمين على أراضي الدولة التركية، بالعملة التركية، ولن تُحدد بالعملات الصعبة أو بما يعادلها، باستثناء حالات محدودة تقررها وزارة المالية.
ومن المعروف حاليًا أن القيادة التركية تعطي في المرحلة الحالية أولوية كبرى لتحسين الاقتصاد في ظل الحاجة لتمتين بنيته، وفي ظل قناعات بوجود تلاعبات من الخارج. ولهذا بدأت الحكومة بتخفيض الانفاق العام كما أعلنت عن بعض الخطوات الرمزية التي تشجع المواطنين وتحفزهم على دعم الحكومة. فعلى سبيل المثال أعلن أعضاء الصندوق السيادي الجدد أنهم لن يتقاضوا راتبًا إضافيًا مقابل عملهم في إدارة الصندوق، ومثل هذه الخطوات مفيدة في رفع المعنويات وخلق حالة إسناد داخلي داعمة لقرارات الحكومة والتي من ضمنها وسم المنتج المحلي الذي تحدثنا عنه.
تحتاج تركيا إلى تفعيل خطوات اقتصادية عديدة ومجتمعة، في ظل تراجع الاستثمارات خلال آخر سنتين
وبالإضافة لما ذكرناه من تقليل للاعتماد على الخارج فإن الحكومة التركية تفتح الباب اليوم أمام تطوير المنتج المحلي وتشجع المواطنين والمستثمرين على افتتاح مشاريعهم ومصانعهم في تركيا ومن المتوقع في هذا السياق أن تقوم الدولة بتقديم تسهيلات كبيرة في القطاعات التي ترغب بزيادة الانتاج فيها.
لقد نجحت الحكومة التركية من خلال اجراءاتها وخطتها الاقتصادية وقراراتها الجديدة التي بتنا نسمعها بشكل يومي في محاولة تحقيق استقرار اقتصادي، بخلق حالة رأي عام بأن الحكومة تقوم بما ينبغي عليها في مواجهة الأزمة، وكما يقول الكاتب التركي كورتولوش تاييز في مقاله في صحيفة “أقشام” بأن “الهجمة على الاقتصاد التركي تسعى لإثارة فوضى اجتماعية تصل من خلالها لزعزعة ثقة الشعب في الدولة، وإثارة الانقسام من خلال نشر الاحتكار والانتهازية واستغلال الأزمة. ولهذا فإن وزارة التجارة قد حددت حوالي 1296 منتج قد تم رفع أسعارها بدون وجه حق وما زالت الدولة مستمرة في منع هذه الزيادات غير المشروعة بحجة فروقات العملة”.
تحتاج تركيا إلى تفعيل خطوات عديدة مجتمعة في ظل تراجع الاستثمارات خلال آخر سنتين حيث كانت تعتمد بشكل كبيرعلى تدفق الاستثمارات وعوائدها في سداد الديون الخارجية وفي تطوير عجلة الاقتصاد. ولهذا فإن عليها القيام بمزيد من الخطوات الداخلية والخارجية لدعم استقرار الاقتصاد وفي حال نجحت في ذلك فإن النتيجة ستكون تركيا أقوى في التعامل مع الملفات الإقليمية والدولية.