يعد يوم عاشوراء -اليوم العاشر من محرم- الذي نجّا فيه سيدنا موسى عليه السلام من بطش فرعون، فيما يقترن هذا اليوم أيضًا بذكرى استشهد الإمام الحسين رضي الله عنه، فلذلك اعتاد الشيعة في العراق على إقامة عزاء في أيام عاشوراء، وتسير فيه مواكبهم باتجاه مقام الإمام الحسين رضي الله عنه في كربلاء.
ومن العادات التي دأب عليها العراقيون عامة، إلى جانب مجالس العزاء والسير في المواكب، طبخ أكلات من المطبخ العراقي، لكن هناك أكلات معينة خصصت لأيام عاشوراء وتوزيعها عن روح الإمام الحسين على الجيران والمواكب. وفي هذا التقرير نستعرض أبرز الأكلات التي اشتهر بها العراقيون في هذا اليوم.
الهريسة
الهريسة، وهي من أبرز أكلات يوم عاشوراء ومعلم من معالمه في العراق، حيث لا يمكن أن يخلو بيت من الهريسة في نهار عاشوراء، حيث تجهز الهريسة من حبوب القمح المقشرة مطبوخة مع اللحم مضافًا لها بعض التوابل والبهارات. وهناك مراسم خاصة لطبخها، حيث توضع الحبوب في قدر كبير مع اللحم ويسكب عليها الماء حتى الاستواء، وتصبح مهروسة ويتم عادة تحريك الهريسة أثناء الطبخ بأداة تسمى “الجفجير” (ملعة كبيرة ذات ثقوب)، وتسمى هذه العملية بالسوط. وتوزع الهريسة بين الأهالي في نفس المحلّة وعلى المواكب والزوار والوافدين من خارج البلاد، تطبخ الهريسة وتوزع عادة طيلة أيام شهر محرم عامة ويوم عاشوراء خاصة.
وقد أمتزجت أيضًا أكلة الهريسة بالمثل الشعبي العراقي القائل “ما يلطم على الحسين، يلطم على الهريسة”، وهي دلالة على أن بعض الناس تستغل محبة آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام للتكسب والأكل المجاني، فهي لا تبكي على استشهاد الإمام الحسين، ولكن تبكي للحصول على الهريسة، ويستخدم العراقيون المثل اليوم في أي شخص يظهر تعاطف غير صادق ليحصل على مغنم.
“القيْمة” النجفية
القيمة والرز وهي عبارة عن طاجن الحمص مع لحم المدقوقين (اللحم المهروس)، ويوضع معها الليمون المجفف وبعض التوابل، وتقدم عادة بجانب الأرز. وقد اشتهر أهالي النجف بتقديم القيمة في نهار عاشوراء بشكل أساسي، وتعود فلسفة القيمة بأنها أكلة عامة يتساوى فيها الفقير والغني، الكبير والصغير، فهي تزيل الطبقية بين الناس فلا تفاضل فيها، فالقيمة كلها واحدة وقدر واحد لا فوارق فيها، وهي سهلة المضغ لذلك يمكن إطعامها للأطفال وغنية بالطاقة للكبار.
وتقدم القيمة غالبًا بوضع الرز الأبيض ويغطى بطبقة من القيمة، ويعد من أبرز الوجبات التي تقدم لغداء يوم عاشوراء في عموم بغداد والجنوب العراقي، خاصة وهناك عوائل مشهورة بطبخ القيمة النجفية والتي تطبخ على الحطب والنار الهادئة مما يعطيها نكهة خاصة.
خبز العباس
خبز العباس (خبز العروك) والذي يطبخ عادة في السابع من محرم ويكون عبارة عن خبز محشي باللحم والخضار والتوابل ويقدم بطريقتين إما بخبزه مع بعض أو خَبز الخُبز ووضع الخضار واللحم عليها لاحقًا، وقد اعتاد العراقييون على أن يكون إيفاءً بنذر قد نذروه من قبل ويقدم عادة مع الماء لأنه بحسب الروايات فإن الحسين عليه السلام يقال إنه استشهد وهو عطش وخصص له يوم السابع لأنه اليوم الذي قطعت فيه أيادي العباس أخ الإمام الحسين في طف كربلاء”.
الزردة
الزردة، وهي عبارة عن طعام حلو المذاق يتكون من رز العنبر العراقي والحليب وبعض السكر، وبعض القرفة وتكون الزردة إما صفراء (مضاف لها الزعفران وصبغ اللوزينة أو بيضاء خالية من أي صبغة)، وتقدم عادة في الأوقات الباردة ليلاً أو منذ الصباح الباكر، وتعتبر من الحلويات التي توزع في أكثر من مناسبة دينية ومنها يوم عاشوراء.
الزبيبية الموصلية
الزبيبية أكلة موصلية اعتاد أهالي الموصل على طبخها وتوزيعها عن أرواح موتاهم في ذكرى وفاتهم، لذلك قاموا بطبخها عن روح الإمام الحسين رضي الله عنه أيضًا. وتتكون من التين والجوز واللوز والقيسي (مشمش مجفف) والتفاح والعنب ويوضع معها قطع اللحم أو “كبة الجريش” أحيانا، وعندها تسمى الأكلة بكبة القيسي الموصلية، ورغم إنحصار الأكلة خاصة بعد حصار العراق في تسعينات القرن الماضي وعدم توفر مواد الأكلة، لكن ما تزال بعض البيوت الموصلية مستمرة في طبخ الأكلة وتقديمها للأحباب والجيران والزوار.
شوربة “زين العابدين”
شوربة زين العابدين وتسمى الشلة أو ما يدعى بالآش أحيانًا، وهي عبارة عن حبوب القمح مطبوخة ومضات لها الرز والعدس أو الماش، وتسكب كالشوربة ويسكب فوقها الدبس والسمن الحيواني، وتقدم أيضَا في شهر محرم وتشتهر بها مدينة النجف.
وهكذا، أصبحت الأكلات الخاصة بيوم عاشوراء جزءًا من التراث الشعبي العراقي وقسمًا من طقوس عاشوراء التي وحدت العراقيين جميعًا من الشمال إلى الجنوب، حيث لا تعد الطائفة الشيعية هي فقط من يتفرد بطقوس هذا اليوم وإنما يجتمع أهل العراق من شماله إلى جنوبه للاحياء ذكرى عاشوراء.