تصنع التقلبات الاقتصادية والسياسية بإيجابياتها وسلبياتها ظواهر اجتماعية مختلفة، وإحداها طبقة “الأثرياء الجدد” الذين وصفهم علم الاجتماع بالأشخاص الذين اغتنوا حديثًا وسمح لهم المال بشراء سلع وخدمات كانت مقتصرة فقط على الطبقة الثرية، وغالبًا ما يطلق عليهم مصطلح “محدثي النعمة” في المجتمعات العربية، وخاصةً لأولئك الذين يتباهون بممتلكاتهم.
احتكر الأثرياء الجدد هذا الصيت دون عن غيرهم من الأثرياء القدامى أو أولئك الذين ورثوا قوتهم المالية عن أجدادهم، لأنهم غالبًا ما يستغلون الممتلكات المادية لإظهار قوتهم وهيبتهم الاجتماعية بشكل مفرط ومبتذل غير ملتزمين بالمعايير الاجتماعية المرتبطة بالطبقة العليا، ما يجعل سلوكياتهم محطًا للانتقادات والتعليقات السلبية.
وقد وصف أوسكار وايلد، المؤلف الإنجليزي ، هذه الفئة “بالرجال الذي يعرفون سعر كل شئ ولا يدركون قيمة شيء”، فغالبًا ما يلجأ هؤلاء إلى إخبار الجميع عن المبالغ التي أنفقوها من أجل شراء سلعة أو يرتدون ملابس من علامات تجارية باهظة الثمن أو يقودون سيارات فارهة لجذب الأنظار على العكس من الثري القديم الذي يعتبرها وسيلة للتنقل لا أكثر، فكل ما يهم الثري الحديث هو تقليد الأشخاص المحيطين به لدمج نفسه في هذا العالم والتأكيد على مكانته الاجتماعية وإمكانياته المادية، وعلى الرغم من أنه قد ينفق أكثر بكثير من قدرته المالية الحقيقية إلا أن بطاقات الائتمان والقروض ومنصات التواصل الاجتماعي سهلت الحركات الاستعراضية عليهم.
كيف ساعدت التكنولوجيا على تفشي هذه الطبقة؟
يرى علماء النفس أن شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي استبدلت نوادي الأثرياء الرياضية بواجهاتها الرقمية لتعرض لهذه الفئة رموزًا معينة حول الثروة
بحسب دراسة لمجموعة بوسطن الاستشارية حول مستقبل التسوق الرقمي، فإن معظم مستهلكي السلع الفاخرة سيكونون من جيل الألفية الذين يعتمدون على الإنترنت في جميع استخداماتهم، إلى جانب اتجاههم نحو “الاستمتاع” قصير المدى أكثر من “التملك” طويل الأجل، وهذا ما دلل به علماء الاقتصاد والنفس بالافتقار إلى المهارات المالية والحاجة لملء الفراغ الاجتماعي.
كما يتفق معظم علماء النفس والمستشارين الماليين على أن الإفراط في الإنفاق والاستهلاك هو دليل على نقص المهارات المالية، فالكثير من الأغنياء الجدد يعتقدون أن بإمكانهم أن يفعلوا أكثر بكثير مما يمكنهم بالفعل، في محاولة منهم للانتقال إلى الطبقة الاجتماعية الجديدة، لكنهم لا يدركون أن سلوكياتهم ستدفعهم إلى طريق الديون والإفلاس، وبالتالي سيعودون إلى ما كانوا عليه من قبل.
إضافة إلى ذلك، يرى علماء النفس أن شاشات التلفاز وشبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي استبدلت نوادي الأثرياء الرياضية بواجهاتها الرقمية لتعرض لهذه الفئة رموزًا معينة حول الثروة كالمنازل والسيارات والعطلات الصيفية، وهي ما تزيد المشكلة سوءًا لأن الفرد يرى ما يجب شراؤه طيلة الوقت فيتأثر بها وتزداد شهيته نحو الاستهلاك، كما صاحب هذا التطور الرقمي، غريزة جديدة في نشر هذا الثراء ومشاركته مع الأصدقاء والمتابعين على الإنترنت وذلك من خلال صور ومقاطع قصيرة تصور ساعات الرولكس والطائرات الخاصة واليخوت وحقائب اليد المصممة كدليل على امتيازاتهم الاجتماعية وصخب حياتهم.
90% من جيل الألفية يقولون أن وسائل الإعلام الاجتماعية تجبرهم على مقارنة ثروتهم أو أسلوب حياتهم بأقرانهم، ما يجعل 60% منهم يعبرون عن عدم اكتفائهم بما يملكون
لكن الحقيقة تقول أن رضا وسعادة هؤلاء الأشخاص لا تأتي من هذه الممتلكات وإنما من معرفة الآخرين لوضعهم الاجتماعي وأجواء حياتهم “الاستثنائية” والمقتصرة على فئة معينة منهم، بحيث ينشرون عبارات مثل “لا يمكنك الجلوس معنا” وأخرى تعبر عن فراديتهم واختلافهم عن الأخرين.
حيث وجدت دراسة أن 90% من جيل الألفية يقولون أن وسائل الإعلام الاجتماعية تجبرهم على مقارنة ثروتهم أو أسلوب حياتهم بأقرانهم، ما يجعل 60% منهم يعبّرون عن عدم اكتفائهم بما يملكون بسبب ما يرونه في وسائل الإعلام الاجتماعية، واعتبارًا لذلك قال 57% منهم أنهم أنفقوا أموالًا لم يخططوا لإنفاقها، عدا عن ميلهم إلى التفاخر بتجاربهم وأغراضهم على منصات السوشيال ميديا كطريقة للمواكبة العصرية.
وهنا لا بد من ذكر أن هذه المقارنة تُشعر المطلع بعدم الاكتفاء وتزعزع من قناعاته بنفسه، وتقلل من احترامه لذاته، وقد تجعله في أحيانٍ أخرى غير واثق في قدراته العملية لإنجاز مهمة ما، أو للوصول إلى هدف معين، بالرغم من أن هذه التصرفات قد لا تكون واقعية أو ملائمة لنمط الحياة الخاص به. أخيرًا، لا بد من ذكر أن مصطلح “الأثرياء الجدد” لم يعد ذات دلالة سلبية تمامًا، ففي بعض الأحيان يستخدم للإشارة إلى الإنجاز الشخصي والعصامي، وخاصةً لو كان خالٍ من السلوكيات الاستعراضية.