ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل الاجتماع مع نظيره الروسي في قمة تاريخية موضوعها الأزمة السورية عقدت يوم الاثنين، وعد الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان “بأمل جديد” لمحافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة. وقد أعطت هذه الصفقة التي عقدت بين أردوغان وبوتين أملا للمواطنين، ومن الواضح أنها أوقفت هجوم النظام السوري المرتقب الذي كان سيترتب عنه عواقب إنسانية كارثية على المحافظة وعلى المواقع المجاورة لها. وتعد محافظة إدلب آخر معاقل المعارضة بعد أن نجحت قوات بشار الأسد وحلفاؤها في تحقيق مكاسب كبيرة في البلاد، وتضم هذه المدينة ثلاثة ملايين شخص من بينهم 60 ألف مقاتل تابع لقوات المعارضة.
لقد أمّنت تركيا، التي تدعم العديد من جماعات المعارضة المعتدلة في المقاطعة الشرقية الواقعة على الحدود التركية، منطقة عازلة تتراوح مساحتها بين 15 و20 كيلومترا، تفصل المعارضة عن القوات الموالية للحكومة. كما وعدت تركيا بأن قوات دمشق المدعومة من قبل القوات الجوية الروسية لن تشن أي هجوم جديد. وبالنسبة للعديد من القوى المعارضة المدعومة من قبل أنقرة، يبدو لهم أن حليفتهم قد تمكنت من إيجاد حل جيد في وقت ظن فيه كثيرون أن الهجوم العسكري حقيقة لا مفر منها.
تعتقد المعارضة السورية أنه لا يمكن الاعتماد على موسكو للوفاء باتفاقها، ولديها بعض التحفظات أيضا بشأن قدرة تركيا على تنفيذ الجوانب الأكثر تعقيدا من الاتفاقية
في مقابلة له مع مراسل “ميدل إيست آي”، قال النقيب ناجي مصطفى، الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير وهي جماعة سورية متمردة، “بشكل عام، يُمثل اتفاق سوتشي نجاحا بالنسبة للدبلوماسية التركية”. لكن لم يكن مصطفى على اقتناع بأنه لأنقرة كل الفضل فيما يتعلق باستعداد روسيا لترتيب هدنة، مشيرا إلى أن الاتفاق كان ناجحا بشكل خاص، لأن الروس كانوا على علم بالوحدة والاستعداد القتالي للفصائل المتمردة هناك. وأورد مصطفى أن “التماسك الشعبي بين القوات الثورية والمدنيين في محافظة إدلب قد أضعف موقف روسيا وأجبرها على التراجع عن قراراتها العسكرية”.
مقاتلون من الجيش السوري الحر يتناولون الطعام في كهف ويتخذون منه مكانا للعيش في ضواحي بلدة جسر الشغور الشرقية الواقعة غرب محافظة إدلب.
يوم الثلاثاء، أكدت الحكومة السورية رغبتها في تحرير آخر شبر من البلاد، ولكنها كانت غائبة عن المحادثات الرئيسية. وقد ذكر أحد أعضاء جبهة ثوار سراقب، يدعى شادي عسولي، أن روسيا تهيمن على الشؤون السورية، مشيرا إلى أن “دمشق لم تعد قادرة على اتخاذ أي قرارات عسكرية دون موافقة من روسيا”. ومع ذلك، أكد عسولي أن قوات المعارضة لن تنسحب من مواقع الجيش السوري، “بل بالعكس، إنهم بصدد القيام بمناورات مستمرة في جميع أنحاء المنطقة التي يعتقد أنها بمثابة استعراض للقوة”.
الشر يكمن في التفاصيل
وسط المشاهد المبهجة التي شهدتها مدينة إدلب عقب نجاح الصفقة التي عقدتها كل من تركيا وروسيا حول وقف الهجوم المرتقب من قبل الجيش السوري على المحافظة، فإن الشكوك لا تزال قائمة. فقد سبق أن توصلت كل من تركيا وروسيا إلى اتفاقيات حول سوريا في الماضي، أبرزها اتفاق عُقد سنة 2017 لوقف التصعيد، كان من المفترض أن يضع حدا للعدوان في أربع مناطق رئيسية في البلاد. وعوضا عن ذلك حصل العكس، حيث تعرضت الغوطة الشرقية ودرعا وشمال حمص وإدلب، الواحدة تلو الأخرى، لهجوم من قبل قوات الحكومة السورية والقوات الموالية لروسيا.
في هذا السياق، قال مصطفى “نحن لا نعتمد على الاتفاقيات الروسية لأنها كاذبة ومضللة ولا تلتزم بتعهداتها’. وفي حين تعتقد المعارضة السورية أنه لا يمكن الاعتماد على موسكو للوفاء باتفاقها، فإن لديهم بعض التحفظات أيضا بشأن قدرة تركيا على تنفيذ الجوانب الأكثر تعقيدا من الاتفاقية.
مثلما هو الحال دائما مع سوريا، فإن الشر يكمن في التفاصيل والطريقة التي تنوي بها أنقرة فصل الجماعات المتمردة التي تتماشى مع إيديولوجياتها عن تلك التي لا تتناسب معها، وسحب الأسلحة الثقيلة من الخطوط الأمامية، ومن ثم نزع أسلحة المعارضة وهي عملية غير واضحة المعالم. ومن جهته، قال عسولي “أعتقد أنه سيتم سحب الأسلحة الثقيلة إلى وسط إدلب أو إلى الحدود السورية التركية دون تسليمها إلى تركيا وسنظل مستعدين لأي عمل عسكري في حال حاولت دمشق خرق الاتفاق لأننا نمتلك قوات عسكرية خارقة”.
حياة جديدة
كان البيان الذي صدر يوم الاثنين بمثابة غوث للمدنيين في مدينة إدلب، حيث قال محمد معيوف، الذي يعمل على مساعدة السوريين على تطوير مهاراتهم في قسم المشاريع الصغيرة بمدينة إدلب ويعمل كذلك مع العديد من المنظمات غير الربحية في بلدة جرجناز، إن “الخوف كان يخيم على جنوب المحافظة”. وأضاف معيوف قائلا “لقد أدى هذا الخوف إلى نزوح جماعي من المدن والبلدات المحيطة بالجبهات، فضلا عن إغلاق العديد من المحلات التجارية وقد عانت المنطقة من ركود اقتصادي وتجاري حاد. وقد بدأ الجميع في الحد من نفقاتهم لتوفير المال خوفا من أن يتحول الوضع إلى أسوأ من ذلك”.
معيوف: “سيكون وقف الحملات العسكرية على المنطقة أمرا عظيما وسيحسن ذلك من الأوضاع الاقتصادية والتجارية والزراعية وسيزيد من نشاط المنظمات الإنسانية”
وفقا لجماعة ناشطة في المرصد السوري لحقوق الإنسان، عاد الآلاف من النازحين السوريين إلى ديارهم، بعد أن غادروها إما بسبب القصف أو الخوف من العمليات العسكرية التي سبقت الاتفاق الروسي التركي. وقد أفاد رامي عبد الرحمان، رئيس المجموعة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، بأن “حوالي سبعة آلاف شخص قد عادوا إلى مدنهم وقراهم منذ الإعلان عن الاتفاق يوم الاثنين، خاصة في جنوب شرق إدلب وشمال حماة”.
لقد تنبأ معيوف بأنه سيكون هناك إقبال جديد على الحياة في المحافظة، حيث وضح قائلا “سيتحسن عمل الجميع هناك، وسيكون وقف الحملات العسكرية على المنطقة أمرا عظيما وسيحسن ذلك من الأوضاع الاقتصادية والتجارية والزراعية وسيزيد من نشاط المنظمات الإنسانية”. وأضاف معيوف “إننا نبذل جهودا لتدريب المدنيين على العمل المهني وتطوير مهاراتهم وعملهم بطريقة تساعدهم على الاعتماد على أنفسهم”.
السوريون يرقصون ويرددون الهتافات ويقرعون الطبول في مدينة بنش الواقعة في محافظة إدلب عقب بيان أردوغان وبوتين، الذي صدر يوم 17 سبتمبر/ أيلول 2018.
لقد كانت هذه المشاعر واضحة في نبرة صوت عهد الحاج، مديرة فرع مركز بسمات في محافظة إدلب، وهي منظمة تدرب النساء على تنمية كفاءاتهن المهنية. وقد أخبرت عهد موقع “ميدل إيست آي” أن “نهاية الخوف من الهجمات الجوية والبرية سوف يعيد عجلة الحياة إلى الأم السورية، التي تخشى أن تأخذ ابنها للمدرسة أو إلى المستشفى للحصول على لقاح”.
خلال الأسابيع الأخيرة، توقفت المراكز التي تديرها الحاج عن تقديم تدريبات للنساء السوريات اللاتي يرغبن في تنمية مهاراتهن، ولم يتلق أولئك اللواتي التحقن بهذا المركز بعد رحلة محفوفة بالمخاطر إلا تدريبات في الإسعافات الأولية. وفي هذا الصدد، قالت الحاج “أتمنى أن يتم العمل بهذا الاتفاق، حتى أتمكن من تقديم برامج تدريبية في التعليم بدلا من التمريض والإسعافات الأولية”.
المصدر: ميدل إيست آي