“أخشى أن أضطر إلى العودة مرغمًا إلى سوريا”، بهذه الكلمات عبّر اللاجئ السوري في لبنان أبو يوسف عن خوفه من طول أمد الحرب الإسرائيلية ضد “حزب الله” في الجنوب، ما يمنعه من العودة إلى منطقة النزوح التي كان يعمل بها مزارعًا في البقاع الغربي.
أبو يوسف، الذي ينحدر من حمص وطلب عدم الكشف عن اسمه، لجأ إلى لبنان في العام 2014 هربًا من آلة القتل لنظام الأسد، اضطر إلى النزوح مجددًا مع أطفاله الخمسة إلى بلدة الدبية في إقليم الخروب، ليقطن مع أقاربه النازحين أيضًا بعد التصعيد الإسرائيلي في الجنوب اللبناني.
قصة أبو يوسف واحدة من مئات قصص اللاجئين السوريين في لبنان الذين يواجهون خطر النزوح مرة أخرى، بسبب التصعيد العسكري الإسرائيلي في الجنوب اللبناني منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
الموت يلاحق السوريين
منذ بداية التصعيد الإسرائيلي على جنوب لبنان، وجد اللاجئون السوريون أنفسهم في قلب أزمة جديدة تزيد من معاناتهم المستمرة، حيث بات النازحون الذين فرّوا من ويلات الحرب في سوريا بحثًا عن الأمان في لبنان، مهدَّدين مجددًا بسبب الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مناطقهم، خاصة أولئك الذين يعيشون على الحدود الجنوبية.
ومع تزايُد القصف وسقوط الضحايا، ارتفعت حصيلة الشهداء السوريين بمن فيهم النساء والأطفال، حيث بلغ عدد الشهداء السوريين في لبنان جرّاء القصف الإسرائيلي منذ عام نحو 56 شخصًا بينهم 8 سيدات و16 طفلًا، وإصابة 28 آخرين بينهم 3 سيدات و8 أطفال.
ويوم الأربعاء الماضي قُتل 19سوريًا في بلدة يونين في منطقة البقاع جرّاء غارات إسرائيلية استهدفت مبنى مؤلَّف من 3 طوابق، وحسب مقربين فإن الضحايا من عائلة واحدة هي الشيخ عبد القادر، وتعود أصولهم إلى بلدة كلجبرين بريف حلب الشمالي، وكان أغلبهم “عمالًا يعملون في مهنة قص وتركيب الحجر”.
وخلال الشهرين الماضيين زاد عدد الشهداء السوريين، في سبتمبر/ أيلول استشهد 6 سوريين من عائلة واحدة بينهم 3 أطفال نتيجة الغارات الإسرائيلية في مجدل سلم والخيام جنوب لبنان، وينحدرون من أبناء بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي، سبقه استشهاد سيدة وطفلتها في الضاحية الجنوبية ببيروت وتحديدًا في منطقة حارة حريك، إضافة إلى استشهاد شاب بغارة في وادي حامول عند أطراف بلدة الناقورة على الحدود الجنوبية اللبنانية.
أما في شهر أغسطس/ آب فكان الأسوأ، حيث وُثّق استشهاد شاب متأثرًا بجراحه في منطقة وادي الكفور، وسوري إثر قصف على منطقة سَرَدة، وعشرة أشخاص بينهم سيدة في وادي الكافور بقضاء النبطية، إلى جانب استشهاد أربعة أشخاص (أم وأولادها) في بلدة شمع جنوب لبنان جراء غارة إسرائيلية. كما أُصيب في الشهر نفسه طفلتان في البقاع و7 لاجئين سوريين في منطقة معروب-دردغيا.
في شهر يوليو/ تموز استشهد لاجئ سوري وأُصيب آخر بجروح، نتيجة قصف إسرائيلي استهدف دراجة نارية في بلدة كفررمان جنوب لبنان، سبقه إصابة 4 أطفال سوريين بجروح متفاوتة، نتيجة استهداف مسيّرة إسرائيلية لسيارة في منطقة برج الملوك جنوب لبنان، في حين استشهد في 17 يوليو/ تموز أب سوري و3 من أطفاله نتيجة غارة جوية في بلدة النجارية قرب صيدا اللبنانية.
نزوح ثانٍ
فمن لم يمت بالقصف عانى مرارة النزوح مرة ثانية، حيث بدأ السوريون بالبحث عن مناطق أكثر أمانًا، كونهم غير قادرين على العودة إلى سوريا، خاصة المطلوبين لنظام الأسد الذين يخشون الاعتقال أو الانتقام.
وخلال الأيام الماضية نزح جميع السوريين، والبالغ عددهم نحول 1000 شخص، من بلدة عيتا الشعب التي تعدّ أكبر مركز لتواجدهم في القطاعَين الغربي والأوسط اللبناني، قبل أن يلحق بهم 700 لاجئ سوري من ميس الجبل في قضاء مرجعيون في محافظة النبطية.
فيما توزّعت 100 أسرة سورية كانت في بلدة يارين في قضاء صور على مدينة صور والعاقبية وبيروت، كما نزحت 40 أسرة من مارون الراس في قضاء بينت جبيل، إضافة إلى نزوح كافة العائلات السورية البالغ عددها 13 من طيرحرفا وهي من قرى قضاء صور، إلى بيوت أقارب أو مخيّمات في البقاع.
كما تركت العائلات الخمسة في الضهيرة البلدة إلى صدّيقين وإقليم الخروب الذي يقع في القسم الغربي من قضاء الشوف، في حين فرَغَت قرى بليدا ورب ثلاثين ومروحين من السوريين، فيما وُثّق بقاء 4 أسر سورية من أصل 70 كانت تقيم في عيترون، وهي إحدى القرى اللبنانية من قرى قضاء بنت جبيل.
أما الأسر السورية النازحة من كفرشوبا الحدودية توزّعت على صيدا والبقاع وبيروت، فيما غادر بعضها إلى سوريا، وانتقلت أسرتان وأسر أخرى من شبعا وكفرحمام إلى الهبارية البعيدة نسبيًا عن خط الاشتباكات.
وتحدث سوريون إلى “نون بوست” لتسليط الضوء على معاناتهم في النزوح مرة ثانية، ومنهم أبو أحمد وهو لاجئ سوري من إدلب، لجأ إلى لبنان في العام 2015، وكان يقطن في بلدة الوزاني الحدودية، واضطر إلى المغادرة بعد إلقاء الطيران الإسرائيلي مناشير قبل أسبوعين تدعو سكان البلدة إلى إخلائها.
يقول أبو أحمد، وهو أب لـ 4 أولاد: “بحثت في الأيام الأولى كثيرًا عن مأوى واضطررت إلى قضاء ليلتين في السيارة، حتى تمكّنت من تأمين ملجأ لي ولأبنائي في منطقة الجية”.
ويوم الأربعاء الماضي تعرّضت الجية إلى قصف إسرائيلي بعيد منتصف الليل، ويخشى أبو أحمد من الاضطرار إلى النزوح مجددًا من البلدة، مؤكدًا أنّ خيار عودته إلى سوريا سيكون صعبًا جدًّا، في ظل البطش والظلم الذي ما زال يمارسه نظام الأسد في سوريا.
أما أبو علي (اسم مستعار) وهو أب لـ 4 أولاد، لجأ إلى لبنان من من حمص، وكان من سكان البقاع الغربي، اضطر تحت تأثير القصف الإسرائيلي إلى ترك منزله والنزوح إلى بيروت، حيث لم يجد مأوى له ولعائلته.
وحسب ما قاله أبو علي لـ”نون بوست”، فإنه يستعد للعودة مع عائلته إلى سوريا عن طريق المعابر غير النظامية.
بدوره قال أحمد، طلب عدم الكشف عن اسمه الثاني، إنه بات وزوجته وطفلته 3 ليالٍ في العراء وما زال حتى الآن يبحث عن مكان يأويه، بعد رفض مراكز الإيواء في العاصمة بيروت من استقباله، وعدم قدرته على استئجار منزل نتيجة الارتفاع الجنوني الذي وصل إلى حدود الـ 2000 دولار في بعض الأحياء والمناطق.
ويوضح أحمد لـ”نون بوست” أنه لا يمكنه العودة إلى سوريا، لأنه يخشى من اعتقاله من قبل أجهزة أمن النظام السوري.
أما أسعد فيقطن مع أمه في العراء في مدينة صيدا جنوب لبنان، بعد أن اضطر منذ 3 أيام إلى مغادرة بلدة البيسارية الجنوبية هربًا من القصف الإسرائيلي، ورفضت مدارس الإيواء في المدينة (أي صيدا) استقبال غير اللبنانيين.
خياران.. الموت أو الاعتقال
وفي وقت يغيب ملف السوريين عن خطة الطوارئ الحكومية والأممية، فإنّ المطلوبين أمنيًا للنظام لا يوجد أمامهم الكثير من الخيارات، فهم إمّا مضطرون للبقاء في أماكنهم تحت القصف وانتظار لحظة الموت، وإما اللجوء إلى الحدائق والأماكن العامة للإيواء فيها حتى تتضح صورة المعركة، في ظل استحالة عودتهم إلى معتقلات الأسد.
واضطرت بعض العائلات السورية، والتي لم تسعفها أوضاعها الاقتصادية المعدمة بالخروج من منازلها، إلى البقاء في الجنوب اللبناني رغم القصف الإسرائيلي.
وإلى جانب معاناة السوريين في لبنان، طفى على السطح في الأشهر الأخيرة تحدٍ جديد أمامهم، إذ كثرت الأخبار المضللة باتهام البعض منهم بالعمالة للعدو الإسرائيلي، خاصة بعد مسلسل الاغتيالات لقادة “حزب الله”، حيث وُجّهت الاتهامات إلى عدد كبير منهم في بعض المناطق، لكنها بقيت في إطار الشائعات ولم ترصد من مصادر بلدية وجهات حزبية، بل إنّ تلك الجهات سارعت إلى تكذيب اتهامات ضد أفراد سوريين طالتهم الشائعات.
أوضاع مأساوية وصعبة للغاية يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان، في ظل عجز الدولة عن مساعدتهم والالتفات إليهم، وصمّ المنظمات الدولية والجمعيات آذانها عن سماع صوتهم، الأمر الذي جعل هذه العائلات تعيش موجة نزوح جديدة تحمل معها معاناة جديدة تُضاف إلى سجلّ معاناتها.