تزامنًا مع إطلاق مجموعة آبل الأمريكية تشكيلة هاتف “آيفون 16” المدعوم بالذكاء الاصطناعي، كشفت شركة الاتصالات الصينية “هواوي تكنولوجيز” عن أول هاتف تجاري في العالم بتصميم يحتوي على ثلاث طيات يحمل اسم “ميت إكس تي” (Mate XT).
ويعتقد أنّ هواوي تعمدت إطلاق هاتفها المبتكر بعد ساعات قليلة من الحَدَث السنوي المجدول مسبقًا لمجموعة آبل بهدف إثارة الضجة وتحويل بعض التركيز والأنظار عن الفعالية السنوية للشركة الأمريكية، ذلك أن الحدثين لا يمكن فصلهما عن الحرب التكنولوجية التي تدور بين الولايات المتحدة والصين في سوق الهواتف الذكية، حيث أصبح خبراء التقنية يقارنون بين الأجهزة التي تنتجها عمالقة التكنولوجيا في الدولتين.
آيفون 16: تحسينات محدودة مع أفكار جديدة
بالنظر إلى المنتج الأخير لآبل “آيفون 16” نجد أن الشركة الأمريكية أبقت على الملامح العامة لتصميم الآيفون الجديد، فلم يختلف هيكله كثيرًا عن الجيل السابق، فما زال مصنوعًا من التيتانيوم المصقول الذي يقدم للمستخدمين تجربة استخدام مريحة في اليد مع تصميم أنيق.
وقد أدخلت الشركة الأمريكية بعض التحديثات على مواصفات الشاشة وتصميم آيفون 16، فالهاتف الجديد يقدم طبقة حماية من الجيل الثاني من السيراميك، والتي توفر ضعف الحماية مقارنة بطبقة الجيل الأول على شاشة آيفون 15، إلى جانب قدوم شاشة آيفون 16 بإمكانية خفض درجة السطوع إلى درجة ضوئية واحدة، بينما مع آيفون 15 لا يمكن خفض السطوع إلى ما دون نقطتين إلى 4 نقاط ضوئية.
كذلك يتميز هاتف آيفون 16 بتصميم جديد على مستوى الكاميرا الخلفية، حيث أصبحت عدستا الكاميرا مصطفتين على مستوى واحد، ما يساعد على توفير ميزة تصوير الفيديوهات المكانية Spatial Videos والتي يمكن تشغيلها على نظارة “آبل فيجن برو” خلافًا للاصطفاف المائل لعدستيّ الكاميرا في آيفون 15.
كما طورت آبل مستوى تصميم هيكل هاتف آيفون 16، فمن الخارج أضافت الشركة زرّين جديدين، هما زر Actions Button ليحل محل زر كتم صوت الإشعارات على الجانب الأيمن للهاتف فوق أزرار التحكم في الصوت، أما الزر الآخر فهو زر Camera Control للتحكم في تجربة التصوير ومختلف أدواتها بدقة وسهولة، كما غيرت في تصميم هيكل هاتف آيفون 16 من الداخل، لتزويد المستخدمين بنظام متطور للتخلص من الحرارة، ما يحافظ على أداء الهاتف متوازنًا، حتى مع المهام الشاقة.
ومن أهم المزايا التي ترجح كفة آيفون 16 في هذه المقارنة هو قدومه بدعم تشغيل مزايا آبل الذكية Apple Intelligence، والتي من المنتظر وصولها للمستخدمين بصحبة تحديث iOS 18.1 في أكتوبر/تشرين الأول إلى هواتف آيفون 15 برو وآيفون 15 برو ماكس، ولن تكون متاحة فيما دونها من إصدارات آيفون، كما ستكون متاحة لأجهزة آيباد وحواسيب ماك التي تعمل بمعالجات M1 فما أحدث.
هواوي Mate XT: ثمرة 5 سنوات من الاستثمار
في المقابل، تسعى هواوي من خلال الجهاز الجديد الذي كشفت عنه خلال فعالية بالبث المباشر من مدينة شنزن، إلى تصدر قمة سوق الهواتف الفاخرة داخل الصين، حيث استعادت حصتها السوقية من “آبل” خلال السنة الماضية.
استغرق العمل على تطوير الهاتف الجديد – والذي أطلق عليه اسم “هواوي ميت إكس تي” (Mate XT) ويبدأ سعره من 19999 يوان صيني (2800 دولار) – 5 سنوات، ويوفر شاشة عملاقة بحجم 10.2 بوصة يمكن طيها في 3 طبقات قابلة للتحويل إلى جهاز لوحي يوضع في الجيب، كأول هاتف ذكي يمتلك هذه الخاصية.
كما يتميز الهاتف بهيكله المقاوم للرطوبة والغبار، وتبلغ أبعاده (156.7/219/3.6) ملم، ووزنه 298 غرامًا، حيث يعمل الجهاز بنظام هارموني الذي طورته الشركة الصينية مع معالج Kirin 9010، ومعالج رسوميات Maleoon 910، فضلًا عن ذواكر وصول عشوائي 16 غيغابايت، وذواكر داخلية تتراوح سعاتها ما بين 256 غيغابايت و1 تيرابايت.
وكشف رئيس قسم المستهلكين في الشركة، ريتشارد يو، عن الطراز الجديد من هواتف “هواوي” خلال مؤتمر عبر الإنترنت للمجموعة من مقرها الرئيس، حيث من المقرر أن يكون الهاتف قد طرح للبيع في 20 سبتمبر/أيلول الجاري.
وعلى الرغم من أن الهاتف بتصميمه الأحمر والذهبي، يستهدف فئة محددة من الزبائن، فإن أكثر من 4 ملايين شخص سجّلوا مسبقًا ليتلقوا تنبيهًا عندما يصبح متوافرًا.
وكشف ريتشارد يو خلال العرض أن تصميم الهاتف استغرق 5 سنوات من العمل والاستثمار، وزاد: “لطالما كانت (هواوي) رائدة في قطاع الهواتف القابلة للطي”، وهذا النموذج الجديد الذي يبدأ سعره بـ19999 يوان (أكثر من 2760 دولارًا) هو الأول في العالم الذي يمكن طيّه ثلاث طيات”.
وأضاف “لقد بذلنا جهودًا كبيرة لحل مشكلة الإنتاج الضخم والثقة المحيطة بالمنتج”، وتابع “نحن نجرؤ على تحقيق إنجازات غير عادية. اليوم سنعيد كتابة تاريخ الصناعة مرة أخرى، ونحول الخيال العلمي إلى حقيقة، ونقود عصرًا جديدًا من الأجهزة القابلة للطي”.
لكن منتج هواوي الجديد ورغم ثمنه المرتفع لا يمكن لمستخدميه الوصول إلى متجر التطبيقات الرسميّ لشركة جوجل، ما يحرم رواده من الاستمتاع بملايين التطبيقات والألعاب والمقاطع الموسيقية والأفلام والعروض التلفزيونية والكتب والمجلات الموجودة حصريًا على متجر جوجل، وهذا قد يؤدي إلى عزوف قطاع عريض من المستخدمين عن اقتناء المنتج.
هل أحبطت آبل تطلعات المستهلكين؟
في العام 2017 أقدمت “آبل” على إجراء تحديث بارز على شكل هواتف “آيفون”، فتخلت للمرة الأولى عن زر منتصف الشاشة والحواف المحيطة بها لتقدم ما أصبح يعرف لاحقًا باسم “نتوء الشاشة”، ومعه جاءت العديد من التغيرات على تصميم الهاتف والواجهة بشكل كبير لتلائم التغيير الجديد وطريقة الاستخدام الجديدة.
لكن منذ ذلك الوقت أبقت آبل التحديثات على أجهزتها بالحد الأدنى دون تقديم تغيير جذري في الهاتف، إذ لا يمكن إيجاد أكثر من فارق واحد أو فارقين بين كل جيل من هواتف آيفون عن الجيل السابق، رغم محاولات الشركة التسويقية للترويج بوجود أكثر من اختلاف بين الأجيال المتتابعة.
فعلى سبيل المثال أجرت آبل تحديثًا على تصميم شكل الكاميرات الخلفية لطراز آيفون 16 عادت بالهاتف إلى ما كان عليه في آيفون 11، حيث جعلت تصميم الكاميرا عموديًا كما كان قبل 6 سنوات.
ورغم أنّ آبل أدخلت الذكاء الاصطناعي لهواتف آيفون 16 فإنه يظل تحديث محدود الفائدة أُطلق بلغات محددة، وهذا ما جعل موظفًا سابقًا بالشركة يصف التحسينات التي طرأت على تشكيلة آيفون الجديدة بأنها “مخيبة للآمال”، مشيرًا إلى أن الترقية الوحيدة كانت زرًا جديدًا على السطح الخارجي.
تايلر مورغان، الذي عمل كمتخصص مبيعات في الشركة الأمريكية صرح قائلًا لصحيفة “ديلي ميل”: “شعرت كأنّ شركة آبل عالقة في حلقة مفرغة من إطلاق أجهزة جديدة عامًا بعد عام، ما يجعل المستهلكين يشعرون بخيبة أمل من الأجهزة التي لا تختلف بشكل ملحوظ عن الطرز السابقة”، وأضاف: “عندما تكرر نفس الشيء، ستحصل على عملاء غاضبين”.
وأضاف مورغان “أنا ومتابعي شعرنا بالملل، فالتغييرات في هاتف آيفون 16 تبدو محدودة”، معتبرًا أن إضافة زر للتحكم في الكاميرا كان “مظهرًا تجاريًا” وليس تحسينًا حقيقيًا.
بينما أرجع المختص في شؤون التكنولوجيا، هاني نوفل، عدم تغير أسعار “آيفون 16″، إلى أن شركة آبل غير مقتنعة بأنّ هناك جديدًا يدفعها إلى زيادة السعر مقارنة بالهواتف السابقة.
وأضاف نوفل، في مقابلة إعلامية أنه لا يوجد تغيير كبير في “آيفون 16″، وفي الماضي كانت “آبل” تتحكم أكثر نظرًا لزيادة الابتكار، ما كان يدفع المستخدمين لشراء هواتف أحدث، وأوضح أنّ تحديثات الهاتف الجديد ليست كافية لإقناع المستخدمين، ويوجد حاليًا نحو 700 مليون هاتف آيفون منذ 4 سنين إلى الخلف، بحسب وصفه.
عليه، تبقى هواتف آيفون الجديدة غير ذات فائدة كبيرة للمستخدمين الذين حصلوا على الجيل السابق أو الذي يسبقه، فهي ربما مناسِبة للمستخدمين الذين يغيرون هواتفهم كل 5 أو 6 أعوام، كالمقارنة بين سلسلة “آيفون إكس” و”آيفون 15 أو 16″.
قلق أمريكي
تحدث “نون بوست” إلى خبير اتصالات، (فضّل حجب اسمه لحساسية عمله)، حول طبيعة الصراع التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، فقال إنّ هواوي شأنها شأن معظم شركات الهاتف الجوال كانت تعتمد على أشباه الموصلات والرقائق التي توفرها شركة كوالكوم الأمريكية من ناحية التصميم والإنتاج، مشيرًا إلى أن المجموعة الصينية منيت بنكسة كبيرة كادت أن تدمرها قبل 7 أعوام إثر فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوبات صارمة عليها بدعوى تهديدها الأمن القومي للولايات المتحدة.
واستدرك بالقول “لكن هواوي تغلبت على الصعوبات وفجرت مفاجأة ضخمة في أغسطس/آب 2023 بإنتاجها هاتف “ميت 60 برو” مزودًا بتقنية الجيل الخامس، مستخدمة رقائق ومعدات صينية 100% من إنتاج هواوي نفسها أو إنتاج شركات صينية أخرى تابعة لها”، لافتًا إلى أن الجهاز شكّل ضربة كبيرة للعقوبات الأمريكية المفروضة على هواوي، والتي تسببت في حرمانها لمدة 3 سنوات من إصدار أي هاتف بتقنية الجيل الخامس.
وأضاف مهندس الاتصالات أنّ الولايات المتحدة عندما فرضت العقوبات على هواوي عام 2017 كانت تهدف إلى حرمان الشركة الصينية من التقنية الحديثة في الرقائق لتكون متأخرة عن نظيراتها الأمريكية والأوروبية بـ10 أو 15 سنة، لكن هواوي تمكنت من تقليص الفجوة في 2023 لتكون فقط بين 2 إلى 3 سنوات، وهذا أمر مقلق للأمريكيين، بحسب محدثنا، نظرًا لسرعة التقدم الذي أحرزته هواوي في التغلب على العقوبات الأمريكية.
وتابع “في أبريل/نيسان الماضي وجهت هواوي ضربة جديدة للشركات الأمريكية متمثلة في هاتف “بيورا 70 ألترا” بتقنية الجيل الخامس وتكنولوجيا 7 نانوميتر”، واستطرد قائلًا أن المنتج الأخير لهواوي “ميت إكس تي” الذي يجمع بين الهاتف الذكي والجهاز اللوحي، أصدرته الشركة بمواصفات وتقنيات صينية بنسبة 100% ويتميز كذلك باستخدام نظام تشغيل يحمل اسم “هارموني” طورته هواوي بالكامل، لافتًا في هذا الإطار إلى أنّ النظام الخاص بالشركة الصينية يستخدمه حاليًا أكثر من 900 مليون شخص حول العالم وعدّ ذلك نجاحًا مقدرًا للشركة.
إجابة عن سؤال لـ”نون بوست” حول إمكانية إيجاد هواوي حلًا للمعضلة الأكبر التي يواجهها مستخدمو هواتف الشركة المتمثلة في عدم القدرة على استخدام خدمات وتطبيقات جوجل، ردّ خبير الاتصالات قائلًا “الأمر فيه قدر من الصعوبة”، وقال إنه يتوقع أن تساعد الشركة الصينية المطورين على إنشاء تطبيقات بديلة لتطبيقات جوجل.
واختتم حديثه بالقول إنه يرجح أن تتمكن هواوي من اللحاق بمبيعات شركتي آبل وسامسونج من الهواتف السيارة خلال العام 2026 أو 2027، مبينًا أنّ الشركة الصينية تسير على الطريق الصحيح، وفي الوقت الحالي استحوذت بالفعل على 27% من السوق الصينية بعد أن أزاحت آبل إلى المرتبة السادسة داخل البلاد، أما عالميًا فيتوقع أن تعود هواوي إلى صدارة شركات الهواتف السيارة لكن بعد سنوات، موضحًا أن الشركة الصينية لا تزال تعاني من نقص في الرقائق وأشباه الموصلات، دفعها إلى تقليل إنتاجها خاصة من فئة الهواتف المتوسطة.
أخيرًا، الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والتنين الصيني تمثل إحدى صور الحرب الباردة بين البلدين. وبكين التي تتنافس مع واشنطن على اكتساب النفوذ والقوة ركزت خلال العقود الماضية على انتهاج سياسة السيطرة على العالم اقتصاديًا وتجاريًا، خاصة من بوابة التكنولوجيا، وهذا ما دفع واشنطن إلى شن حرب وفرض عقوبات قاسية على إحدى أهم أذرع بكين التكنولوجية ممثلة في شركة هواوي، وبطبيعة الحال لم تقف الحكومة الصينية مكتوفة الأيدي، فقدمت الدعم اللازم لهواوي كي تتمكن من الصمود في وجه العقوبات الأمريكية ومن ثم ابتكار أنظمة وتقنيات جديدة بتكنولوجيا صينية خاصة لمنافسة الشركات الأمريكية.