في خطوة غير مسبوقة، بتاريخ الحياة السياسية المصرية، جرى تصعيد الدكتور، عبد الهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، إلى رئاسة ائتلاف دعم مصر، المدعوم من الدولة المصرية، وصاحب الأغلبية في البرلمان، وما كان لافتا ويشير إلى ترسية المنصب بواسطة جهات عليا في الدولة، فوز القصبي بالتزكية، ودون جدال أو مناقشات، رغم ترشح أكثر من وجه قيادي بالائتلاف للمنصب على رأسهم لاعب الكرة السابق «طاهر أبو زيد»، ليصبح القصبي أول وجه من الصوفية يتجاوز المقاسات السياسية التي كانت محصورة على الإخوان والسلف في مراحل سابقة.
كانت كواليس اجتماع الجمعية العمومية للائتلاف، رصدت حضور ما يقرب من نصف عدد الأعضاء، وبالنسبة للجلسات السابقة، تعد نسبة الحضور هذه كبيرة للغاية، وذات دلالة بدعم القصبي لرئاسة الائتلاف، دون تحسس من تبعية الرجل، لفئة لم تمارس السياسية منذ عقود طويلة، ولكن هناك في تاريخه ما يشير إلى أن القصبي يعرف جيدا كيف يصل إلى أعلى المستويات في الدولة، ويحشد دعما له، أيا كان الموقع الذي يتصدى له، فالرجل هو الوحيد تقريبا، الذي أجمع عليه ودعمه مبارك ومرسي والسيسي، الأول جعله إماما للصوفية، فيما أعاد مرسي له عضويته بمجلس الشورى المنحل، ووضعه ضمن المعينين طرف الرئيس، بينما حصل على العلامة الكامة مع السيسي، وأصبح معه رئيسا للجنة التضامن الاجتماعي، بمجلس النواب، مرورا بتنصيبه رئيسا لائتلاف دعم مصر.
عبد الهادي القصبي .. بين مبارك والإخوان والسيسي
لم يكن عبد الهادي القصبي صاحب تاريخ سياسي معروف، رغم نشأته في بيت سياسي حتى النخاع، فوالده كان محافظ الغربية السابق أحمد القصبي، وشيخ المشايخ الطرق حتى عام 1997، بدأ حياته محاسبًا بالبنك العربي الإفريقي، الفرع الخاص بمدينة طنطا، وتدرج في المناصب حتى تولى إدارة الفرع، وبعد ذلك تزعم الطريقة القصبية خلفا لوالده، وخلال تلك الفترة نجح في عمل علاقات كبيرة مع مختلف اجهزة الدولة.
منذ عام 2007 وحتى2012، بدأ عبد الهادي القصبي، يدخل دائرة الضوء أكثر، واستطاع بعلاقاته حجز مقعدا في مجلس الشورى، باعتباره نائبًا عن الحزب الوطني في طنطا
في عام 2008، وبعد وفاة شيخ المشايخ السابق أحمد كمال ياسين، شيخ الطريقة الرفاعية، اجتمع قادة الطرق الصوفية، وكان هناك اتفاقا عرفيا على تزكية الشيخ محمد أبو العزايم، شيخ الطريقة العزمية، وعملا بالقانون 1976، الذي يعطى الأولوية في قيادة الطرق للأكبر سنًا، ولكن في اللحظات الأخيرة، جاءت تعليمات من أمن الدولة، بضرورة اختيار القصبى، شيخا للمشايخ، وهو الذي لم يتجاوز عامه السادس والأربعين.
الصفعة التي احس بها أبو العزايم، وكان يبلغ من العمر وقتها، 67 عاما، جعلته يرفع راية العصيان على هذا الاختيار، ولجأت الطرق لساحات القضاء والإعلام وظلت الخلافات مستعرة، واستطاع القصبي حسمها بقوة الدولة رغم رفض أغلب مشايخ الطرق وقتها لهذا القرار.
منذ عام 2007 وحتى2012، بدأ عبد الهادي القصبي، يدخل دائرة الضوء أكثر، واستطاع بعلاقاته حجز مقعدا في مجلس الشورى، باعتباره نائبًا عن الحزب الوطني في طنطا، وخلال هذه الفترة القصيرة استطاع تبوء مناصب كبيرة بأمانة الحزب في محافظة الغربية، ورغم الاضطرابات التي مرت بها البلاد، والقوائم السوداء التي أعلنت لأغلب القيادات والشخصيات السياسية في المحافظات، التي دافعت عن ألوان الحزب الوطني، إلا أن الرجل استمد قوته من الحاضنة الشعبية للطرق الصوفية.
واستمر في نفس دوائر التأثير، عقب ثورة يناير، خاصة أنه تعامل مع دوامة الثورة بذكاء شديد، ولم يضبط في دعاية سياسية، بل لجأ للتصوف، ومن خلاله بدأ يمارس صلاحياته كشيخ صوفي، لا يهمه إلا الدعوة إلى نبذ الفرقة، والدعوة إلى التسامح ورفع رايات الإصلاح، وبرز في هذا التوقيت من خلال مطالبته الدائمة بإجراء تعديلات على قانون تنظيم الصوفية.
ما هو أكثر إثارة في ملف القصبي والإخوان، أن الجماعة رجحت كفة القصبي على جميع مشايخ الطرق الصوفية، الذي عادوا للصراعات الساخنة بعد رحيل مبارك، وعلت أصواتهم بالاعتراض من جديد على تعيين القصبي شيخا للمشايخ
في عام 2012، وخلال حالة الاستقطاب التي طغت على الحالة السياسية في البلاد، رُشح القصبي وانتُخب بواسطة الإخوان، ليكون عضوًا في اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، والتقاه الرئيس محمد مرسي، في يونيو2012، من أنه كان من أنصار الفريق أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة التي فاز فيها مرسي، والطريف ان القصبي لم يكن يقصر دعمه على الحشد السياسي، بل تعداه إلى الحشد الديني، وكان يروج لأنصاره أن الفريق شفيق ليس فقط من الأشراف، بل من نسل الرسول شخصيًا، وهي التصريحات التي كانت تلقى سخرية عامة على وسائل التواصل الاجتماعي، وألقت مزيد من علامات الاستفهام الكبيرة حول الكيفية التي يختار بها الإخوان من سيديرون معهم أهداف وآمال ثورة 25 يناير.
ما هو أكثر إثارة في ملف القصبي والإخوان، أن الجماعة رجحت كفة القصبي على جميع مشايخ الطرق الصوفية، الذي عادوا للصراعات الساخنة بعد رحيل مبارك، وعلت أصواتهم بالاعتراض من جديد على تعيين القصبي شيخا للمشايخ، رغم حداثة عهده بالصوفية، بالنظر إلى تاريخ المشايخ القدامى، مثل عبد الخالق الشبراوي وعلاء أبو العزايم، وخاصة الأخير الذي كان ينتظر تكليفه بالمنصب.
ورغم المشهد الساخن، وتاريخ القصبي في دعم مبارك والمنبثقين عن نظامه، إلا ان مرسي، قررر تعيين عبدالهادي القصبي أيضا في مجلس الشوري، ضمن 90 عضوا آخرين، وهو القرار الذي رفضه عدد كبير من مشايخ الطرق الصوفية، وبدأت المكايدة السياسية في الفوران، وتسرب الغضب إلى قادة الطرق، الذي ناصبوا الجماعة العداء، واتهموا الإخوان بتلميع القصبي، مكافأة له لصمته علي أزمات الدستور، وعدم إصداره بيانا يدعو فيه الصوفية إلي التصويت بـ”لا” كما هو حال أغلب القوى المدنية في ذلك الوقت، وأكدوا أن هذا التعيين مقدمة لأخونة الطرق الصوفية والقضاء عليها.
الدعم الإخواني غير المفهوم للقصبي، لم يجعله يتخذ موقفا حياديا على الأقل، من أحداث 30 يونيو، بل كان الرجل في مقدمة المشاركين بها، بعد تأكده من نجاحها، وعلى طريقة شفيق، أعطى لها بعدا دينيا، إذ اعتبرها بركان تفجر ببركة «الأولياء»، وكما حرص القصبي على الجلوس مع مرسي في بداية حكمه، نظم لقاء للسيسي مع قيادات الطرق الصوفية، وتوهج في اللقاء، وكانت كلماته ترن على أذن السامعين، بعدما أكد لهم أن السيسي حريص كل الحرص على إقامة دولة العدل والحق والقانون، ليصبح الرجل منذ هذا التاريخ من أهم الدوائر المقربة من الدولة.
مؤهلات عبدالهادي القصبي، رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب، ونائب رئيس حزب مستقبل وطن، التي تم عرضها لتحليل فوزه برئاسة ائتلاف دعم مصر، خلفًا للمهندس محمد السويدي، بالتزكية، وعدم ترشح أحدا أمامه، لم يرتكن إليها أيضا حزب مستقبل وطن، المقرب من الدولة
ترشح القصبي في الانتخابات البرلمانية عام 2015 وفاز بها، ليصبح رئيسًا للجنة التضامن الاجتماعي بالتزكية أيضا، ليبدأ حربًا شعواء على منظمات المجتمع المدني، التي كان من المفترض ان يكون داعما لها، رافضا بالطبع لأي مظاهر تخرج عن القانون، إلا ان رئيس لجنة التضامن تفرغ تماما لكيل الاتهامات للجمعيات، معتبرا أن السبب الأساسي، التي كادت أن تتسبب في ضياع مصر، بسبب التمويلات غير الشريعية التى حصلو عليها.
وودون أن يحدد أسماء، أو حتى يشير إلى القضايا المنظورة في المحاكم، التي تؤكد حديثه، قال القصبي أن بعض الجمعيات والمنظمات الأهلية كانت تساعد في دعم العمليات الإرهابية الإجرامية، من خلال تحويلات أموال عن طريق بنوك وحقائب عن طريق المطارات، مؤكدا أنه ما بين عامي 2011-2012 دخل البلاد نحو مليار و200 مليون جنيه، ولا أحد يعلم أين ذهبت، أو مصدر المعلومة، أو كيف تصرفت الدولة مع هؤلاء ولماذا لم يقدوموا للعدالة حتى الآن .
النائب عبد الهادي القصبي يكشف معلومات خطيرة عن الجمعيات الأهلية غير الوطنية
مؤهلات عبدالهادي القصبي، رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب، ونائب رئيس حزب مستقبل وطن، التي تم عرضها لتحليل فوزه برئاسة ائتلاف دعم مصر، خلفًا للمهندس محمد السويدي، بالتزكية، وعدم ترشح أحدا أمامه، لم يرتكن إليها أيضا حزب مستقبل وطن، المقرب من الدولة، الذي عقد سلسلة اجتماعات يومية مكثفة كانت تستمر حتى فجر كل يوم، للاستقرار على ترشيح القصبي رئيسًا للائتلاف، ليضمن لحزبه الريادة، والتطلع نحو قيادة الأغلبية بشكل شرعي، في ظل تزايد النواب المنضمين للحزب مؤخرًا، واعتباره صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر في الائتلاف، وهو ما تحقق له، وأصبح القصبي رئيسا لائتلاف دعم مصر، ليدفع الرجل بالصوفية إلى مكانة جديدة في السياسة، ما الذي يمكن أن تحققه من خلالها، هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة !