بعد احتلال العراق عام 2003 لم يتصور غالبية المتابعين للمشهد العراقي، أو ربما الكثير من السياسيين أن إيران ستكون هي اللاعب الأبرز في الساحة العراقية؛ لأن كافة المعطيات كانت تؤكد أن الولايات المتحدة هي صاحبة القرار الأول والأخير في ترتيب المشهد السياسي العراقي ذلك لأنها هي التي قادت التحالف الدولي لاحتلال بلاد الرافدين، ثم بعد ذلك هي التي نصبت الحاكم المدني وهي التي شكلت مجلس الحكم وبعدها أدارت اللعبة السياسية العراقية.
وبمرور الأيام برزت بعض المؤشرات التي تؤكد وتشير إلى دور إيراني غير واضح في المشهد السياسي العراقي، ولكن – في الغالب- لم يكن هنالك تصور تام لدى غالبية ممثلي السُنة في العملية السياسية أن إيران ستكون هي اللاعب الموازي، أو ربما الأبرز بعد احتلال العراق.
إيران أكدت أنها تعاونت مع الولايات المتحدة في مساعي الاحتلال، وهذا ما كشفه وزير الاستخبارات الإيراني وغيره من المسؤولين الذين قالوا لولا إيران لما استطاعت الولايات المتحدة احتلال العراق وأفغانستان وعليه هم يفاخرون أنهم ساهموا في ضرب العراق وإنهاء الدولة فيه.
وفي آذار 2016، كشفت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية النقاب عن اتفاق سري بين واشنطن وطهران سبق الغزو الأمريكي للعراق في 2003، مشيرة إلى أنه ووفقاً لهذا الاتفاق حصلت أمريكا على تعهد إيراني بعدم إطلاق النار على الطائرات الأمريكية، في حال دخلت الأجواء الإيرانية.
وفي العراق، ومنذ الجلسة البرلمانية الأولى في العام 2005، وانطلاق العملية السياسية بدأت تظهر للمتابعين آثار الأصابع الإيرانية الواضحة في الشأن العراقي عبر القوى التابعة لإيران في الساحة السياسية وهم في الحقيقة غالبية القوى الشيعية التي كانت تأتمر بأوامر طهران، وبالذات تلك التي ترعرعت على أراضيها.
غالبية سُنة العراق الذين رأوا جدوى الدخول في العملية السياسية- رغم أن المعطيات كانت تشير إلى خلاف ذلك- قدروا – في البداية- ضرورة أن يكون الاتجاه صوب السفارة الأمريكية ببغداد، ونحو البيت الأبيض، ولم ينتبهوا أن الترتيب الحقيقي في داخل السفارة الإيرانية وطهران
سياسوا سُنة العراق اختلفوا من حيث الموقف من العملية السياسية – وبالمحصلة الموقف من إيران- وقد انقسموا إلى فريقين:
الفريق الأول: رأى ضرورة المشاركة في العملية السياسية لتقليل الضرر عن السُنة، وهؤلاء وجدوا أنفسهم بمرور الزمن في مواجهة ايجابية، أو سلبية مع إيران.
الفريق الثاني: رأى أصحابه وجوب مقاطعة العملية السياسية لأنها بنيت على باطل، وأنها من نتاج المحتل الأمريكي بالتنسيق مع الإيرانيين، وهؤلاء – في الغالب- كانوا ينظرون لأمريكا وإيران على أنهما وجهان لعملة واحدة.
غالبية سُنة العراق الذين رأوا جدوى الدخول في العملية السياسية- رغم أن المعطيات كانت تشير إلى خلاف ذلك- قدروا – في البداية- ضرورة أن يكون الاتجاه صوب السفارة الأمريكية ببغداد، ونحو البيت الأبيض، ولم ينتبهوا أن الترتيب الحقيقي في داخل السفارة الإيرانية وطهران، ثم تفهموا لاحقاً أن إيران هي الحاكم الفعلي في العراق، ولهذا رأينا أنهم حاولوا ترتيب أوراقهم معها، وربما يمكن القول إنها لم تثمر عن أي ثمار حقيقية لسُنة العراق، سوى بعض المكاسب الشخصية والحزبية الضيقة.
ويبدو أنه منذ الدورة البرلمانية الثانية عام 2009 بدأت ملامح التوجه الكبير من قبل بعض السياسيين السُنة نحو طهران تتبلور وتتضح في المشهد السياسي، وتيقنوا أن إيران هي اللاعب الموازي، أو الند للولايات المتحدة على الساحة العراقية – وربما- الأقوى في فترات معينة، فلهذا رأينا أن الكثير من سُنة العراق حاولوا التقرب من إيران على اعتبار أنها هي التي ترسم المشهد السياسي في العراقي، وبأدق التفاصيل.
يمكن القول إن إشارة أياد علاوي أنه لم يحصل على رئاسة الوزراء بسبب رفض طهران كانت رسالة علنية لكافة السياسيين، أو لمن يريد الوصول إلى أي منصب عليه أن يسعى لإرضاء، أو إقناع إيران بقدرته على تنفيذ، أو – على الأقل- تأمين مصالحها في المشهد العراقي؛ وهذا – ربما- ما جرى واستمر حتى اليوم.
جميع تصريحات ساسة السُنة – من المشاركين في العملية السياسية- المتعلقة بإيران بحاجة إلى دراسة طويلة
وبعيداً عن ذكر أسماء الشخصيات التي مثلت السُنة في العملية السياسية يمكن القول إن غالبية التصريحات، أو المواقف كانت مواقف مجاملات سياسية، ومن ذلك ما قاله رئيس مجلس النواب للفترة من عام 2006 إلى عام 2009، محمود المشهداني من أن “دول الجوار بما فيها إيران تشعر بالقلق حيال الوضع الأمني في العراق، ونأمل أن تساعد دول الجوار خاصة إيران الحكومة والشعب العراقيين في إرساء الأمن والاستقرار في البلاد”.
وبالمقابل هنالك مواقف تزلف وتملق ومن ذلك ما أعلنه “مفتي أهل السُنة في العراق” مهدي الصميدعي في شباط 2018، ” أن الثورة الإسلامية في إيران كانت إشراقة للمجتمع الإيراني أولاً، ثم للمجتمع الإسلامي ثانياً”، مشيراً إلى أنها “استطاعت أن تصل إلى السودان وإلى الصومال وإلى اليمن والعراق وأفغانستان وحتى بعض الدول الغربية، واستطاعت نشر هذا الفكر وهذه الرسالة”.
إن جمع تصريحات ساسة السُنة – من المشاركين في العملية السياسية- المتعلقة بإيران بحاجة إلى دراسة طويلة، ولا يمكن حصرها بمقال ما، لكن يمكن بيان بعض الخطوط العريضة للعلاقة بين سُنة العراق وإيران، ومنها:
لم تكن هنالك ندية في العلاقة بين سُنة العراق وإيران على اعتبار أن إيران كانت تنظر للسُنة بأنهم أقلية – وهذا الكلام لا دليل علمي عليه- وبالمحصلة أثرت خدعة الأقلية على التمثيل السُني في العملية السياسية، وبالتالي على مسار التفاوض السُني الإيراني.
سُنة العراق صاروا على يقين تام أن إيران هي المُحرك لما يجري في العراق، وهي المسؤولة بدرجة كبيرة عن اغتيال العلماء والوجهاء والإعلاميين وغيرهم، وكل ذلك لزرع الفتنة والترهيب في قلوب المعادين لها وصفوفهم، وبالمحصلة استمرار سياستها المحققة لأهدافها القومية البحتة!
قدرة إيران على تحقيق تهديداتها ضد من يقفون بوجهها من الزعماء السُنة، وقد استهدفت العديد منهم، وهم اليوم بين محكوم عليه بالإعدام، أو مطارد خارج العراق، وكل ذلك عبر أذرعها المسلحة والرسمية في الشارع العراقي، وربما حتى داخل اللعبة السياسية، وهذه القدرة جعلت نسبة ليست قليلة من السياسيين يميلون للجانب الآمن بعيداً عن مواجهة اذرع إيران في العراق.
سعي إيران لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة عبر الساحة السياسية العراقية، ربما دفعها لمجاملة بعض الزعماء السُنة في بعض المراحل لتحقيق تلك الأهداف
انتقام إيران من جماهير سُنة العراق في المحافظات المنتفضة، التي طالبت بحقوقها المتمثلة بإيقاف عمليات الاعتقالات العشوائية وإنهاء المادة (4) إرهاب، وإنهاء المظاهر المسلحة خارج إطار القانون، وغيرها من المطالب الإنسانية، ورأينا حينها كيف أن إيران انتقمت من أبناء تلك المدن عبر عصابات الشر والإرهاب الرسمي وغير الرسمي، ثم بعد ذلك وجدنا قادة الحراك بين مطارد، ومعتقل ومشرد، وبينهم منْ آثر التزلف والتقرب لتحقيق مكاسب ولو على حساب حقوق أهله ومن يمثلهم!
إضعاف اقتصاد المدن السنية عبر سياسة (محاربة الإرهاب) وبالمحصلة وجد السُنة أنفسهم في المخيمات، ويحلمون بالعودة لمنازلهم المدمرة نتيجة العمليات العسكرية في كافة مدنهم!
سعي إيران لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة عبر الساحة السياسية العراقية، ربما دفعها لمجاملة بعض الزعماء السُنة في بعض المراحل لتحقيق تلك الأهداف، وكانت تسعى لجعل العراق البوابة الأبرز لتهديد دول المنطقة.
بعض سُنة العراق حاولوا كسب الوقت مع الجانب الإيراني لتحقيق مكاسب ما، إلا أن السياسة الإيرانية المحكمة وغير الواضحة للطرف المقابل المفاوض، بل والشريرة أحياناً لم تقدم لسُنة العراق ما يؤكد وقوفها معهم، وبهذا نلحظ أن إيران كانت تضرب السُنة بالشيعة، والشيعة بالسُنة لتحقيق مكاسبها في العراق والمنطقة، ولو على حساب دماء الأبرياء؟
ارتماء بعض من يمثلون السُنة في أحضان إيران نتيجة الاهتزاز الشخصي، وعدم القدرة على المواجهة، أو غياب الجرأة على مغادرة الموقع المليء بالمغريات الشخصية وغير النافعة للآخرين!
أعتقد أن قضية علاقة سُنة العراق بإيران فيها جوانب أخرى ربما غفلت عن بعضها، وربما لم أر بعضها الآخر ضرورياً لذكره في هذا المقام، لكن يبقى السؤال هل حقق ساسة السُنة الأهداف المرجوة من مشاركتهم في العملية السياسية؟