بينما يرضخ الشعب التونسي مرغما بين مطرقة المصاعب الاقتصادية وسندان الأوضاع الاجتماعية المتردّية، يأبى السياسيون إلا أن يزيدوا من هذه المصاعب بتناحرهم فيما بينهم وصراعهم على سلطة فانية زائلة، لن تدوم لهم أكثر من بضع سنين قد تنقص ولا تزيد بفعل المتغيّرات المحلّية والإقليمية.
خلافات داخلية سرعان ما خرجت إلى العلن في عدد من الأحزاب، تحوّلت لاحقا إلى عرقلة لمسار الانتقال الديمقراطي، ثم إلى صراع غير متكافىء على السلطة، بين أطراف لا يملك أيّ منها حلولا بديلة لإنقاذ تونس وإخراجها من الضائقة التي تمرّ بها، حتى أن قسما لا بأس به من التونسيين اختار بعد نحو 8 سنوات من هروب ابن علي، التحسّر على أيّام “زين العابدين” و”أمنه وأمانه” و”رخص” الحياة زمن حكمه، مستغلّين صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خلال حكم سياسيي ما بعد 14 من يناير، بل إن البعض صار يطالب بعودته ومحاسبة من كان سببا في الانقلاب عليه.
خلال العامين الأخيرين الذين شهدا وصول القيادي بنداء تونس يوسف الشاهد إلى رأس الحكومة، ظنّ كثيرون ممن صفّقوا كثيرا ووقفوا تبجيلا له أثناء إلقاء خطابه تنصيب حكومته أمام البرلمان أواخر العام 2016، أن البلاد ستخرج من أزماتها وستنقلب المحن إلى منح بعد الترحيب الدولي بنجاح الانتقال الديمقراطي في البلاد
بعد نحو 8 سنوات من الانتفاضة الشعبية العارمة، لم ينجح 5 رؤساء حكومات من مختلف الانتماءات السياسية والمشارب الأيديولوجية في إخراج البلاد من أزماتها غير المسبوقة، بقدر ما زادوا من مشاكلها على جميع الأصعدة، حتى أن المواطن البسيط أصبح يجد صعوبة بالغة في تحصيل قوت يومه وتأمين رزقه وأبسط مقوّمات عيشه الكريم.
خلال العامين الأخيرين الذين شهدا وصول القيادي بنداء تونس يوسف الشاهد إلى رأس الحكومة، ظنّ كثيرون ممن صفّقوا كثيرا ووقفوا تبجيلا له أثناء إلقاء خطابه تنصيب حكومته أمام البرلمان أواخر العام 2016، أن البلاد ستخرج من أزماتها وستنقلب المحن إلى منح بعد الترحيب الدولي بنجاح الانتقال الديمقراطي في البلاد ووعود المانحين والمقرضين والمستثمرين الدوليين بمساعدة تونس، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، بل زادت الأوضاع سوءا.
لقد كان تفاقم سوء الأوضاع نتيجة حتمية لضبابية صورة المشهد السياسي القائم على المحاصصة الحزبية واقتسام الغنائم أكثر من تغليب المصلحة الوطنية الجماعية على الشخصية، بل كان شيئا متوقّعا تنبّأ به كثيرون ممن عارضوا عودة وجوه المنظومة القديمة إلى التغلغل في المواقع الحسّاسة بالوزارات والإدارات التونسية، بعد الخدمات الجليلة التي قدّموها لحزب نداء تونس قبل فوزه بانتخابات 2014 وبعدها.
عندما كان كثيرون ينادون بأعلى صوتهم أن الطبقة السياسية برمّتها تقود البلاد إلى المجهول، قامت أبواق السلطة من إعلاميين ونخب وأكاديميين بشنّ حملات ممنهجة ضدّ كلّ من يعارض الشاهد وسياسة الشيخان التي لم تسفر إلى حد اللحظة عن تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بقدر تحقيقها لـ”السلام السياسي” الذي جنّب البلاد “حربا أهليّة” مثلما يرى ذلك البعض.
العام المقبل لن يكون مختلفا كثيرا عن الأعوام السابقة المليئة بالمصاعب والأزمات، بل سيكون حارقا وملتهبا فيما يتعلّق بالساحة السياسية والتحركات الاجتماعية والتهديدات النقابية التي بدأت بإعلان الإضراب العام في البلاد أواخر شهر أكتوبر المقبل
تشير معظم الأرقام والمؤشرات الاقتصادية والسياسية إلى أن السنوات العجاف مازالت ستطول في تونس، فانهيار العملة المحلية أمام الأورو والدولار والعجز الكبير في الميزان التجاري وتراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة وتغلغل الفساد في كل أجهزة الدولة، قد لا تأتي بنتائج يحبّذها السياسيون المتلاعبون بأمن بلادهم، كما أنها لن تعجب “أصدقاء” تونس الداعمين للانتقال الديمقراطي في هذا البلد الذي يخطو خطوات عرجاء نحو تطبيق فعلي للديمقراطية على الأرض.
من المؤكد أن العام المقبل لن يكون مختلفا كثيرا عن الأعوام السابقة المليئة بالمصاعب والأزمات، بل سيكون حارقا وملتهبا فيما يتعلّق بالساحة السياسية والتحركات الاجتماعية والتهديدات النقابية التي بدأت بإعلان الإضراب العام في البلاد أواخر شهر أكتوبر المقبل، إضافة إلى العواصف المدمّرة التي قصمت العمود الفقري لحزب نداء تونس والتي أعادت تشكيل الخاطرة السياسية برمّتها في البلاد قبل عام من تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية نهاية 2019.
وسط كلّ هذه الألغام القابلة للانفجار، تسير البلاد في نفق مظلم ومخيف، يعجز فيه المصطفّ وراء الأحزاب والشخصيات دون الوطن عن تحديد الطريق الآمن للخروج منه سالما، فهل سيشهد العام المقبل تحسّن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس أم أنّ حسابات الانتخابات قد تزيد من تعكيرها ؟