قرر الاتحاد الأوروبي في اجتماع قادته الخميس الماضي أن يخطو خطوة متقدمة في ضغوطه على دول شمال إفريقيا لجعلها دركيًا يوقف زحف المهاجرين غير الشرعيين المتدفقين على الضفة الشمالية للمتوسط، ويراهن في ذلك على صفقة مع النظام المصري الباحث عن شرعية دولية مقابل قيامه بهذا الدور والحصول على دعم مالي ومحاولة اللعب على وتر تمثيل دول شمال إفريقيا، رغم الرفض الجزائري والتونسي لهذه النظرة في حل مشكل الهجرة غير القانونية بالبحر الأبيض المتوسط.
ومع تصاعد شعبية اليمين في عدة دول أوروبية، يسعى القادة الحاليّون إلى التصدي لذلك بمعالجة ملف الهجرة الذي كان وراء تقدم اليمين المتطرف في كل من إيطاليا وبدرجات أقل في ألمانيا وفرنسا، وذلك بتكرار التجربة مع تركيا مع دول شمال إفريقيا رغم اختلاف الظروف وفارق الإمكانات بين أنقرة ودول الضفة الجنوبية للمتوسط الأخرى.
مفاوضات مستعجلة
خرج قادة الاتحاد الأوروبي من اجتماع الخميس بمباشرة مفاوضات مع دول شمال إفريقيا لوقف الهجرة إلى أوروبا، وقال المستشار النمساوي سيباستيان كورتز الذي احتضنت بلاده الاجتماع إن القادة المجتمعين في مدينة سالزبورغ ساندوا الخطة بعدما لفتوا إلى أن مصر مستعدة لتكثيف المحادثات مع الاتحاد الأوروبي، بعدما تحركت لوقف انطلاق المهاجرين في السنتين الماضيتين.
وتراهن الدول الأوروبية التي تحاول التخلص من تبعات استقبال أفواج المهاجرين غير الشرعين الذين فتحت لهم أبوابها بعد ثورات الربيع العربي ووصلت إلى ذروتها في 2015، بتوقيع اتفاقات تعاون مع دول الشمال الإفريقي شبيهة بتلك الموقعة مع تركيا وليبيا التي مكنت من تحقيق انخفاض كبير لأفواج المهاجرين السريين.
رغم أن خلفية الخطوة الأوروبية اقتصادية بالدرجة الأولى، إلا أن للانتخابات الأوروبية المقررة في مايو/أذار المقبل دورًا في هذه الخطوة أيضًا
وأضاف كورتز للصحافيين أن القادة الأوروبيين اقترحوا فتح محادثات مع مصر لكن أيضًا مع دول أخرى في شمال إفريقيا، مؤكدًا أن هذا الاقتراح سانده الجميع، ووعد المستشار الشاب الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي أنه سيعمل مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك على إجراء محادثات مع هذه الدول.
ويعتقد المسؤول النمساوي أن ذلك سيشكل خطوة إضافية مهمة في مكافحة الهجرة غير القانونية لكن الأهم من كل ذلك مكافحة أعمال المهربين.
ورغم أن خلفية الخطوة الأوروبية اقتصادية بالدرجة الأولى، حيث أصبحت لا تريد تحمل أعباء وافدين جدد في حين باقي دول العالم في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية لم تقدم الكثير، وتريد أن تعود هي الأخرى لسياسة الهجرة الانتقائية المطبقة من طرف واشنطن وكندا، فإن للانتخابات الأوروبية المقررة في مايو/أذار المقبل لها دورًا في هذه الخطوة، حيث يسعى معسكر ألمانيا – فرنسا إلى الوقوف كحاجز أمام تقدم المعسكر اليميني الذي يقوده رئيس الوزراء الإيطالي المدعوم من الطرف الأمريكي دونالد ترامب وسياسته المعادية للمهاجرين.
ولم يترد رئيس وزراء لوكسمبورغ كسافييه بيتيل الذي لا يخف تشدده بشأن هذا الملف في القول: “لدينا أزمة سياسية وليس أزمة هجرة، لكن يجب تبديد قلق المواطنين الأوروبيين، لا يمكننا تجاهلهم وانتظار الأزمة المقبلة”، وأضاف “مسألة الهجرة لن تحل عبر تقاسم أعباء المهاجرين داخل الاتحاد الأوروبي وإنما بالدفاع عن الحدود الخارجية”.
القبول الذي لقيه الاتحاد الأوروبي من طرف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو ما شجعه مجددًا على طرح فكرة تحول دول شمال إفريقيا كدركي في وجه المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء الإفريقية
وترفض المجر ودول أخرى في أوروبا الشرقية استقبال طالبي لجوء وخصوصًا من الدول الإسلامية، كما رفضت إيطاليا استقبال سفن إنقاذ تنقل مئات المهاجرين الأفارقة لإرغام باقي الأعضاء على تحمل المسؤولية معها، وهو ما كاد يتسبب في أزمة مع فرنسا التي دعا رئيسها روما إلى الكف عن هذا السلوك.
صفقة مع السيسي
يبدو أن القبول الذي لقيه الاتحاد الأوروبي من طرف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو ما شجعه مجددًا على طرح فكرة تحول دول شمال إفريقيا كدركي في وجه المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء الإفريقية، وقال المستشار النمساوي إن المؤشرات القادمة من مصر مشجعة فـ”هي أول دولة في شمال إفريقيا مستعدة لتكثيف المحادثات مع الاتحاد الأوروبي”.
ومن منظور كورتز، فقد أثبتت مصر أنه في إمكانها أن تكون فعالة، لأنها منعت سفنًا من مغادرة شواطئها أو أرغمت البعض على العودة بعد مغادرتها، ويرى كورتز الذي زار مصر مؤخرًا أنه يجب على الاتحاد الأوروبي “الاستفادة” من واقع أن مصر تبدو مهتمة بتعميق التعاون.
ويبدو أن القاهرة مستعجلة أكثر من الأوروبيين لتوقيع هذه الصفقة، فقد تفاعلت آلتها الإعلامية سريعًا مع الحدث وحاولت أن تظهر هذا الطلب على أنه اعتراف أجنبي بقوة نظام السيسي ومركز القاهرة الإقليمي لذلك اختارها الاتحاد الأوروبي بالتحديد على باقي دول شمال إفريقيا.
بالنسبة للسلطة في مصر يمثل ذلك فرصة لكسب الرضى الأوروبي الرسمي والتغاضي عن الملاحظات الموجهة لها من منظمات المجتمع المدني والبرلمان الأوروبي الذي انتقد مرارًا وضع حقوق الإنسان منذ أن خطف عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد
واتفقت مختلف وسائل الإعلامية المصرية على مضمون واحد يصب في أن “الاتحاد الأوروبي يحتاج مساعدة مصر لوقف تدفق المهاجرين من إفريقيا”، في حين أن القادة الأوروبيين تحدثوا عن اتفاق وتعاون وعقد صفقة لأن لعب دور الدركي في جنوب المتوسط ستكون له انعكاسات على الدول التي ستقوم بهذه المهمة أولها انتقادات المنظمات غير الحكومية بشأن احترام حقوق الإنسان خلال أداء هذه المهمة، انتقاد سيزيد من الصورة السوداوية التي ترسمها التقارير الدولية عن الوضع في دول شمال إفريقيا وفي مقدمتها مصر.
لكن الأمر بالنسبة للسلطة في مصر يمثل فرصة لكسب الرضى الأوروبي الرسمي والتغاضي عن الملاحظات الموجهة لها من منظمات المجتمع المدني والبرلمان الأوروبي الذي انتقد مرارًا وضع حقوق الإنسان منذ خطف عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد.
وفي يناير الماضي، دعا تقرير للبرلمان الأوروبي مصر إلى احترام حقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووضع حد لعمليات التعذيب وسوء المعاملة التي تتم في السجون المصرية.
خلاف
على عكس القاهرة، نظرت الجزائر وتونس دومًا لمقترح الاتحاد الأوروبي القديم الجديد بجعلها دركي يوقف نزوح المهاجرين غير الشرعيين نحو الضفة الشمال إلى المتوسط بعين رافضة، ودعت إلى اتخاذ المسؤولية المشتركة لوقف هذه الظاهرة.
وبالنسبة للجزائر التي تواجه تدفقًا كبيرًا للمهاجرين القادمين من وراء الصحراء، فإن مسؤولية معالجة هذه الظاهرة مشتركة، لأنه من غير المعقول أن لا يقبل الاتحاد الأوروبي وصول هذه الأفواج من المهاجرين وينتقد سياسة الجزائر في ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية التي تتم بالتعاون مع دولهم الأصلية.
وفق النظرة الجزائرية، فإن أفضل طريقة لمواجهة ظاهرة الهجرة السرية هي تسهيل طرق الهجرة القانونية وإزالة حزمة الإجراءات التي يضعها الأوروبيون لمنح التأشيرة للأفارقة
ولا تتحمس الجزائر كثيرًا لتلقي مساعدات مقابل وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين على أوروبا وإبقائهم على أراضيها مثلما تقبله القاهرة، فنظرة الجزائر محورها إقامة مشاريع تنموية حقيقية في أراضي هؤلاء المهاجرين من الاتحاد الأوروبي لأن ماضيه الاستعماري من أسباب الوضع المزري الذي تعيشه كثير من الدول الإفريقية كمالي والنيجر المجاورتين لها جنوبًا.
ووفق النظرة الجزائرية، فإن أفضل طريقة لمواجهة ظاهرة الهجرة السرية هي تسهيل طرق الهجرة القانونية وإزالة حزمة الإجراءات التي يضعها الأوروبيون لمنح التأشيرة للأفارقة.
بالنسبة للجزائر، فإن المقترح الأوروبي القديم الجديد لا يبعث على التفاؤل خاصة أن التجربة مع تركيا أثبتت عدم وفاء دول القارة العجوز بالتزاماتها، ما جعل أنقرة تهدد بالانسحاب من الاتفاق لعدم تنفيذ بنوده خاصة إلغاء تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد.
وأمام هذا الواقع والاختلاف في معالجة هذه الظاهرة بين دول شمال إفريقيا، سيركز الاتحاد الأوروبي على الشغف المصري في الانضمام إلى هذه المبادرة، لأن بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط لا تبدو في الظرف الحاليّ قادرة على التحاور ككتلة واحدة مع الأوروبيين، بالنظر للخلافات الموجودة بينها ورغبة كل دولة في الاستئثار بهذا التعاون، وربما على المغرب في الدرجة الثانية كونها باشرت هذه التجربة مؤخرًا مع إسبانيا.
لكن بالنسبة للمتابعين للتعاون بين ضفتي المتوسط، فإن هذه الخطوة تبقى في المدى القريب بعيدة عن التجسيد، وتجربة فشل الاتحاد من أجل المتوسط أكبر دليل على ذلك، فهو المشروع الذي علقت عليه الكثير من الآمال لتعويض مسار برشلونة إلا أن نتائجه حتى اليوم كانت أسوأ من التجارب السابقة، ولم يستطع حل مشاكل تنقل الأشخاص والهجرة غير الشرعية والتعاون بين ضفتي المتوسط.